**
لا أعلم كم موتًا مرّ عليّ الآن.
كل ما أعرفه… أنني لم أعد أفكر.
لم أعد أترقّب.
لم أعد أقاوم كما كنت.
أنا فقط…
أنظر.
أتنفّس.
أستعد.
دون أن أقرر ذلك.
**
عاد راكسان للحركة.
الضوء تحرّك.
الهواء انضغط.
**
نفس الشعور…
نفس الموت… قادم.
لكن…
هذه المرة، حدث شيء.
**
يدي ارتفعت.
لا، لم أرفعها أنا.
جسدي فعل.
**
ورقبتي انحنت جزءًا من الثانية…
قبل أن تصله ضربة الموت.
ثم…
مُت.
**
لكني رأيت شيئًا لم أره من قبل.
في تلك الجزئية الصغيرة من الثانية…
تأخّر الموت.
**
استيقظت.
لكن هذه المرّة،
كان جسدي يرتجف من الداخل… ليس من الألم،
بل من شيء آخر.
“لقد تحركت… قبل أن أفكر.”
**
نظرت إلى راكسان.
لم يتكلم.
لكن شيئًا في عينه…
وميض صغير جدًا.
كأن ذئبًا اعترف…
أن الفريسة، ربما، في يومٍ ما… قد تُهاجم.
⸻
…
متّ.
استيقظت.
نظرت إلى يدي…
ثم أغمضت عيني.
**
لا خطة.
لا رؤية.
لا تحليل.
لا تنبؤ.
فقط…
شعور.
**
اغلقت عيني،
وجعلت كل شيء داخلي يصمت…
قلبي… تنفّسي… عقلي…
حتى الخوف خنقته.
**
ركّزت على لا شيء…
سوى “شيء” بداخلي…
لا أعرف له اسمًا.
**
سمعت الهواء يتحرك.
شعرت بالضغط.
الغريزة قالت:
“الآن.”
**
تحرّكت…
ومُت.
**
استيقظت.
لكن هذه المرّة… لم يكن الصمت وحده هو ما ملأ الغرفة.
بل…
ضحك.
ضحكة واحدة.
بطيئة، منخفضة…
كأنها صدرت من قلبٍ لا يعرف الفرح.
رفعت عيني…
كان راكسان… يضحك.
**
قال بصوته العميق، وكأنّه يوبّخني بإعجاب:
“ أنت مجنون…
مجنون كالجحيم.”
**
صمت.
ثم عاد للوقوف.
بنفس الثبات.
بنفس البرود.
لكن في عينيه…
وميض نادر.
“استمر.”
**
وعرفت…
لم أفلح.
لكنني…
كسرت الجدار الصحيح.
⸻
**
ضحك راكسان…
وانتهت الضحكة.
وعاد الصمت.
**
أغلقت عينيّ مرة أخرى.
ومُت.
**
ثم مرة أخرى…
ومُت.
**
ومرة ثالثة…
ورابعة…
وعاشرة…
وخمسين…
**
الموت أصبح اعتياديًا.
لكن الحركة… لم تنجح.
**
كل مرة… أسمع الريح.
أشعر بالضغط.
أحاول الرد…
لكن الموت يسبقني.
**
ومع كل موت…
تتشقق داخلي فكرة.
**
فكرة أن لدي وقتًا.
فكرة أن لدي خطة.
فكرة أنني أعرف.
**
“لا تعرف شيئًا.”
“لكن غريزتك… تعرف.”
**
في الموت رقم مئتين…
تحرك جسدي قبل عقلي.
وفي الموت رقم ثلاثمئة…
توقفت عن عدّ الموت.
**
ثم…
في واحدة منهم.
دون أن أعلم رقمها…
أغلقت عينيّ.
وسمعت الصوت.
لكن هذه المرة…
تحرّكت.
ليس انحرافًا.
بل خطوة.
نحو اليمين.
ثم رفعت ساعدي.
وشعرت بالفراغ… يمر فوقي.
لم أمت.
**
فتحت عيني.
كنت واقفًا.
راكسان أمامي.
الهواء مشحون.
لكن جسدي… باقٍ.
**
تلك الثانية…
كانت لي.
**
لم يتكلم راكسان.
لكن لم يحتج أن يقول شيئًا.
في تلك اللحظة…
رآني.
لا كطالب.
بل كشيء… بدأ يولد.
⸻
**
نجوت.
مرّة أخرى.
جزء من الثانية…
وكان كافيًا ليرتجف قلبي
لا من الخوف… بل من النشوة.
لكن…
لم أتوقف.
**
لم يكن الأمر إثباتًا لراكسان بعد الآن.
ولا حتى لنيمو.
بل لشيء بداخلي.
“أنا قادر… على النجاة.”
“وسأفعلها مرّة أخرى.”
“وسأهاجم.”
**
أغمضت عيني.
مرّة أخرى.
ومُت.
ثم…
مُت.
ثم…
تفاديت.
ثم…
لم أتحرك…
ومُت.
**
مئة أخرى.
بلا كلمة.
بلا رد.
بلا تفسير.
**
وفي إحدى المرات…
تحرّكت يمينًا… ورفعت قدمي اليسرى.
ثم شعرت بجسدي يلتف قبل أن أعرف السبب.
وخرجت منها…
حيًّا.
**
فتحت عيني.
ورأيت راكسان لا يزال واقفًا.
لم يتغير.
لكنه… لم يعاود الهجوم.
كأنه ينتظر.
**
فأغمضت عيني من جديد.
وهمست داخلي:
“ الآن… أبدأ أنا. ”
**
وسمعت خطوته.
لكن هذه المرّة…
كنت أنا من تحرك أولاً.
⸻
لم أهاجم.
لم أفكّر.
فقط… أغمضت عيني.
**
الضوء لا يعني شيئًا هنا.
الزمن… لا يتحرك.
والموت… ليس تهديدًا.
إنه مجرد مُدرّب.
**
بدأت أسمع خطواته.
لا بالأذن…
بل بعظامي.
**
أصبحت أعرف متى سيتحرك.
وكيف يدور في الفراغ.
وكيف يضغط الهواء من جهتي.
**
الأنفاس؟
نسيت كيف أتحكم بها.
هي تتحرك من تلقاء نفسها.
**
كل شيء بداخلي…
تعلّم أن يُنصت.
لا لجملة.
ولا لنية.
بل للـ فرصة.
**
مرّةً… أنحنيت قبل أن يهجم.
مرّةً… رفعت ساقي قبل أن تضرب الأرض.
مرّةً… بقيت ساكنًا، والموت مرّ بجانبي.
**
لكنني لم أفتح عينيّ.
لأنني لا أحتاجها.
**
راحت عيني العقل،
واستيقظت عيني الوحش.
العين التي ترى بدون أن تنظر.
**
كنت… باقٍ.
أعيش.
وكل مرة… كانت الغريزة هي التي تتنفس نيابةً عني.
⸻
**
لا أعلم كم مرّ.
كم موتًا عبرتُه.
كم جسدًا لفظته هذه الأرض البيضاء.
كم نسخةً منّي ماتت…
قبل أن يولد هذا الذي أنا عليه الآن.
**
أقف.
صامت.
عينيّ مغمضتان.
**
راكسان يتحرك.
وأنا… لا أتحرك.
أشعر بكل شيء.
صوت خطواته،
اهتزاز مجاله،
صوت جلده مع الهواء،
وزن نظراته فوق جبهتي.
**
الضغط بدأ.
عادةً… أموت في الثانية الثالثة.
لكنني…
هذه المرّة، بقيت.
**
ثانية.
ثانيتان.
ثلاث…
قلبي لا ينبض – بل يزأر بصمت.
**
في الخامسة، بدأت الأرض تميل.
في السادسة، ركبة راكسان دوت في الفراغ.
في السابعة، عرفت أن اليسار هو الموت.
فمال جسدي لليمين… وحده.
**
في التاسعة، اقترب النبض من أذني.
وفي العاشرة…
لم يكن هنالك موت.
**
فتحت عيني.
كنت ما زلت واقفًا.
**
راكسان…
واقف في نفس المكان.
وجهه ساكن… كالصخر.
لكنه… ينظر إلي.
طويلاً.
**
ثم قال بصوته الغليظ… للمرة الأولى منذ بداية هذا الجحيم:
“أنت… جاهز.”
⸻