لم أكن أتوقع أن ينتهي الصمت.

لكن راكسان، الواقف أمامي بثبات العالم نفسه،

حرّك يده، كأنّ الزمن أجبره على التلويح، لا الإرادة.

قال بصوته الأجوف:

“المرحلة الثانية… ناب الصيد.”

لا شرح. لا تحذير.

فقط، أمر.

صادر من فم الذئب الأول.

**

في اللحظة التالية…

تغيّر شيء لا أستطيع وصفه.

ليس الهواء.

بل “معناه”.

أصبح أكثر وزنًا. أكثر سخونة.

كأنّ اللهاث نفسه بات عدوًّا يجب النجاة منه.

**

ثم رأيت.

الثغرة.

واضحة، واقفة أمامي كباب مفتوح.

جانب راكسان الأيسر… مكشوف.

كتفه مرتفع قليلًا.

ركبته مشدودة للخلف.

عنقه مكشوف.

اقتله، سامرو.

الغريزة صرخت.

العقل قال: “تحرّك.”

**

ركضت.

بكل ما فيّ.

بلا سيف. بلا صرخة. بلا شيء.

فقط أنا… وجسدي… والموت.

**

لكنه لم يكن ينتظرني.

لم يكن يتفادى.

لم يكن يفكّر.

**

بل…

كان يراقبني وأنا أُخطئ.

**

ضربت.

جسدي ارتطم بجسده، لكن…

لم يكن هناك جسد.

وكأنني اصطدمت بشبح من العظام.

**

ثم شعرت بها.

الضربة.

جاءت من الخلف.

لم أرها.

لم أسمعها.

لكنني شعرت بعمودي الفقري يتفتّت.

**

ثم الظلام.

**

**

استيقظت.

نفس المكان.

نفس الصمت.

نفسه… واقفٌ بثباتٍ كأنه لم يُهاجم قط.

**

كررت المحاولة.

ثم مرة ثالثة.

ثم عشر مرات.

**

وفي كل مرة…

أظن أنني “أمسكت به”.

لكن الموت هو من كان يمسكني.

**

كأنني أهاجم بلا أنياب.

كأنني ذئب نسي كيف يعض.

**

بعض الموتات كانت خاطفة.

لم أتحرك حتى.

فقط… رمش.

ثم الألم.

ثم السواد.

**

وفي واحدة منها…

رأيت نفسي من الخارج.

جسدي يقف.

ثم يهجم.

ثم يُقطع.

كأنني لست من يتحرّك.

كأن جسدي صار ممثلًا، لا محاربًا.

**

ثم بدأت أفكّر:

لِمَ كل هذا؟

لِمَ يفتح الثغرات إن كان لا يسمح لي بالوصول؟

هل هو يُهينني؟

أم يُدرّبني؟

أم… يعاقبني؟

**

في الموت السادس والثمانين…

صرخت وأنا أهاجم:

“ لماذا؟!! ”

لكن الصوت ضاع.

ورأسي ارتطم بالأرض.

**

كنت حزينًا.

لا لأنني فشلت.

بل لأنني…

صدّقتُ نفسي للحظة.

أنني مفترس.

أنني قاتل.

لكنني…

لستُ بعد.

أنا شينوبي.

مدرّب. محسوب. مخطط.

لكن المفترس…

لا يُخطط.

بل ينقضّ.

**

وكانت مشكلتي…

أنني ما زلت أفكّر.

كنت واقفًا.

بلا نفس.

بلا فكرة.

بلا سيف.

**

أنظر إليه… راكسان.

كأنّه لم يتحرّك يومًا.

كأنّي لم أهاجمه مئة مرة.

كأنّني لم أمُت ألف مرة.

**

في داخلي شيء بدأ يتآكل.

لم يكن الجسد.

بل شيء أقدم.

أثقل.

أخطر.

**

كنت سامرو.

ابن ساكامو.

الذي قاتل جنب ميو.

الذي قطع أوتسوتسوكي.

الذي كان “الأمل”.

الذي سار تحت راية الهوكاجي.

الذي ربّى كاكاشي.

الذي واجه مادارا.

الذي… نجا من كل شيء.

**

لكن في هذه الغرفة…

كل ذلك لا معنى له.

هنا… أنا لا شيء.

**

لا أحد يهمّ من كنت.

ولا كم مرة نجوت.

ولا كم ضربة أتقنت.

**

في وجه راكسان…

وفي زمن لا يتحرك…

أنا كومة عظم تعتقد أنها تفهم.

**

وفهمت فجأة.

كل مهاراتي…

كل تحليلي…

كل عبقريتي…

كل “شينوبيّتي”…

كانت أقفاص.

أقفاص تحيط بالغريزة.

أقفاص تمنعني من أن أكون…

ما وُجدت لأكونه.

**

جثوت على ركبتي.

ولم أمت.

لكن لم أكن حيًّا أيضًا.

**

قلت بصوت خرج كهمس جريح:

“أنا لست مفترسًا…”

“أنا كذبة.”

**

لم يجبني أحد.

حتى راكسان… ظل صامتًا.

لكنني رأيت عينيه.

تغيّر بسيط.

كأن الذئب داخله… رأى شيئًا يشبهه في داخلي.

**

ولأول مرة…

لم أشعر بالعار.

بل بالهدوء.

**

لأن الغريزة…

حين تبدأ في التحرك،

تحتاج أن يموت الغرور.

—-

**

أنا لا أقاتل.

ولا أحاول.

ولا حتى أفكر بالنجاة.

**

الضربات تأتي.

تسحقني.

تمزقني.

تقتلني.

وأنا…

لا أتحرك.

**

لم أعد أبكي.

ولا أغضب.

ولا أشتم راكسان في داخلي.

لم أعد أسأله “لماذا”.

**

فقط… أراقب.

لا بعينيّ.

بل بشيء أعمق.

**

أرى موتي…

وأقبله.

أراه قادمًا…

فلا أهرب منه.

ولا أستقبله.

فقط…

أكون فيه.

**

وأستيقظ.

ثم أُقتل.

ثم أعود.

ثم أُقتل.

**

والغريب…

أن جسدي لم يعد يرتعش.

أنفاسي لم تعد تنهار.

**

كنت سامرو…

الذي كان يتمرّد على الموت.

لكن الآن…

أنا صامت.

أنا السكون بين كل نفسين.

**

وراكسان؟ لم يعلق.

لم يتوقف.

ولم يتعاطف.

لأنه يعرف.

أن الذئب لا يولد بالصراخ…

بل بالصمت الطويل.

**

في هذه الأيام التي لا تُعدّ…

كنت أنام واقفًا.

أموت مفتوح العينين.

وأستيقظ مغلق القلب.

**

لا أبحث عن المعنى.

ولا عن القوة.

بل عن…

الفراغ.

ذلك الفراغ الذي سيولد منه شيءٌ أقوى من الإرادة.

**

ليس لأنني استحق…

بل لأنني لم أعد أطلب.

لا أعلم كم مرّ من الوقت.

ربما يوم.

ربما ألف عام.

ربما مجرد نفس… ظلّ عالقًا في قفصي الصدري.

**

لم أعد أعدّ موتي.

ولم أعد أذكر إن كنت أفتح عينيّ.

أصبحت…

كمن يسير بين اليقظة والعدم.

**

راكســان كان هناك.

دائمًا.

كلما فُتح جفني، كان واقفًا.

ينظر.

بلا احتقار.

بلا ترحيب.

فقط… وجوده يُذكّرني أنني ما زلت فريسة.

**

ثم…

دون أن يحدث شيء.

دون أن يُعلن هو عن بدء الموت التالي.

دون أن ألمح حركة.

دون حتى أن أقرر.

**

تحرّك جسدي.

**

ركبتي انخفضت…

خصري انحرف…

ذراعي التفّت خلفي…

بزاوية لم أتعلمها من قبل.

**

وفي اللحظة التي كان الموت دائمًا يصلني فيها…

لم يصل.

**

رواغت.

رواغت شيئًا لم أكن أعرفه.

**

ثم…

جسدي أكمل الحركة.

أظافري انغلقت فجأة…

كأنها تنشد شيئًا في الهواء.

**

ثم الهجوم.

هجومٌ ليس بسيف.

ولا جتسو.

ولا حركة مدروسة.

بل…

صرخة عضلة.

**

ضربت راكسان.

لا أعلم أين.

لكنّي… ضربت.

رأيت جسده يُجبر على التراجع نصف خطوة.

خطوة واحدة فقط.

لكنها كانت كل شيء.

**

عندها…

تذكّرت.

جسدي ارتجف.

شعرت بالنقطة التي كانت دومًا خاملة داخلي.

في معصمي الأيسر.

السلسلة.

**

كانت هامدة طوال التدريب.

كأنها لا تنتمي لهذا العالم.

لكن الآن…

اشتعلت.

نور أسود… امتزج بوميض أحمر.

**

الختم…

اشتغل.

لأول مرة…

منذ لا أعلم متى.

منذ… نسيت أنني أملكه أصلًا.

**

وقفت.

جسدي يتنفس.

عقلي… لا يُفكر.

لكن الغريزة…

تبتسم.

كان الضوء يلمع على معصمي.

السلسلة…

تحركت.

صوتها كالحديد المسحوب من جرح.

**

شعرت به.

الختم…

ينبض.

لأول مرة.

**

حاولت.

مددت يدي.

جمعت الشاكرا فيه، ببطء، كمن يمد يده للماء بعد قرون عطش.

لكن قبل أن أصل…

مُت.

**

الظلام… أسرع من النبض.

**

استيقظت.

أنفاسي حارّة.

عينيّ تترنحان.

لكنني رأيت.

**

راكسان…

لم يتحرك بعد الضربة الأخيرة.

لا خطوة.

لا كلمة.

فقط…

نظر إليّ.

طويلاً.

**

كأن في عينه سؤالاً لم يُطرح منذ آلاف السنين:

“ كيف؟ ”

**

حتى هو…

الذي وُلد من صمت الذئاب العليا،

الذي يرى الموت قبل أن يولد…

تأخّر.

جزءاً من ثانية.

**

لكنه…

ضحك.

ضحكة صغيرة. لا تشبه سابقتها.

أقرب إلى زفرة ساخرة.

وقال:

“بدأتَ تزحف، يا سامرو.”

ثم رفع يده…

**

ورأيت شيئًا لم أره من قبل.

ظله فقط…

كان كافيًا ليُطفئ كل شيء.

**

وفي لحظة…

اختفى الضوء.

اختفت الغريزة.

اختفى الختم.

**

مُت.

لكن هذه المرّة… لم يكن موتًا مألوفًا.

**

كان… تذكيرًا.

أنني مهما تقدّمت…

أنا خادم.

وهو… منجل .

**

عدت للحياة…

والألم في جسدي لا يشبه شيئًا مما قبله.

أكثر عمقًا.

أكثر إذلالًا.

أكثر صدقًا.

**

لكن شيئًا ما بداخلي…

رغم كل شيء…

ابتسم.

لأني أعلم…

أنني لم أعد كما كنت.

2025/05/16 · 21 مشاهدة · 1098 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025