اقترب كايل وقطيع الذئاب من بعضهم بسرعة، حتى لم تعد تفصلهم سوى ثلاثة أمتار. عندها، قفز كايل في الهواء، ويداه تمسكان بمقبض سيفه. كان السيف إلى جانبه الأيسر، فأرجحه بقوة قاصدًا القطع.
لم تمضِ سوى لحظة حتى سقط كايل على الذئب الذي كان في مقدمة القطيع، وانطلق صوت تمزق اللحم واضحًا، وانفجرت دماء ساخنة من جثة الذئب التي سقطت على الأرض. كان السيف مغطًى بالكامل بالدماء، كما أن جسد كايل نفسه تلطخ بسائلها اللزج والساخن.
"هذا مقزز... تلطخت بالدماء"، تمتم كايل بهدوء، وهو يحدق في السيف.
أما الذئاب التي كانت تهاجمه، فقد تجمدت في أماكنها من شدة الخوف. لم يكن الأمر مجرد قطع رأس أحدهم، بل الهالة التي أحاطت بكايل هي ما أرعبهم.
كانت نيران تتراقص خلف ظهره، ووجهه غارق في الظلال، لكن في عيون الذئاب كان مشهدًا مرعبًا؛ وجه يقطر دمًا، وعينان حمراوان كالدم، باردتان كالموت، وهالة شريرة تلتف حوله وحول سيفه.
شلت الخوف أقدامهم، جعلها تتخدر. لكن كايل لم يهتم، بالنسبة له هؤلاء مجرد وحوش. حتى وإن فهموا كلماته، فذكاؤهم محدود.
"أن تتحدث كثيرًا أثناء القتال يجعلك شريرًا من الدرجة الثالثة، وهذا يعني أن موتك سيكون سريعًا."
وبينما يتكلم، أرجح سيفه بضربة أفقية معززة بالهالة، فقطع اثنين من الذئاب في لحظة واحدة.
عندها، بدأت الذئاب تتراجع خطوة إلى الخلف، لكن فجأة، دوى صوت عواء قوي:
"عوووووو..."
لمح كايل بسرعة ذئبًا أكبر حجمًا، أكثر هيبة، وعيناه تلمعان بحدة. "لابد أن هذا هو الزعيم"، تمتم لنفسه.
مع عوائه، تغيرت الذئاب. تحولت من خوف إلى حماسة، وأطلقت جميعها عواءً متحمسًا، ثم اندفعت مرة أخرى نحو كايل.
"أوه... يبدو أن قائدكم ضخ فيكم دماء الدجاج."
ابتسامة خفيفة شُكلت على وجهه، وهو يتقدم بخطى ثابتة، وسيفه يشتعل بهالة الجحيم.
بينما كان كايل يتقاتل مع الذئاب، كانت الرياح تحمل رائحة الدم الحادّة، وصوت تمزق اللحم يملأ الأرجاء.
مهما قتل من الذئاب، استمروا في التقدم. كانوا معروفين بعملهم الجماعي في الصيد، لذلك واجه كايل صعوبة خاصة عندما يهاجمه أربعة في نفس الوقت. أصبح جسده مليئًا بالجروح الصغيرة والمتوسطة، والدماء تسيل منه لتغطي جلده وملابسه.
كان جسده يرتجف، ونظره ثابت على آخر عشرة ذئاب، بما فيهم زعيمهم. كانت نيران الهالة التي أشعلها سابقًا تتلاشى تدريجيًا، كما يتلاشى إنسان من ذاكرة الآخرين بعد موته.
"اللعنة... هذا مرهق"، تمتم كايل، يشعر بأن هالته تكاد تختفي من جسده. رغم امتلاكه سمة "جسد طبيعي" التي تساعد على الشفاء واسترداد الهالة، إلا أن الجروح والإرهاق كانا أكبر من قدرة الجسد على التحمل.
لكن الإرهاق الروحي كان الأقسى. مواجهة خصوم مثل الذئاب، الذين يهاجمون مناطق حساسة من أجل إنهاء حياة فريستهم، أرهقه نفسيًا وعقليًا.
أمسك كايل بسيفه بيده اليمنى، وبالخنجر في يده اليسرى، وعيونه مثبتة على الذئاب. رغم ألمه وإرهاقه، كان يعلم أن أي ضعف منه يعني موته.
وفجأة، انطلقت ستة ذئاب نحوه كالسهم. حشد كايل ما تبقى لديه من هالة في سيفه وخنجره، فأرجح السيف وقطع رأس ذئب، ثم طعن خنجره في عين ذئب آخر، مخترقًا دماغه.
لكن لم يُمنح وقتًا للراحة، إذ هجم عليه الأربعة الباقون وأمسكوه من أطرافه. غاصت أنيابهم في جسده، وتمزق اللحم، وتفجرت الدماء.
رغم امتلاكه سمات "قلب وعقل بارد" و"مقاومة"، لم يتمكن من كبح صرخته:
"آاااااااااااااه!"
استمرت الذئاب بالعض، ولم تتوقف إلا عندما فقد كايل قوته وأغلق عينيه. تركوه يسقط على الأرض، بالكاد يتنفس.
رأى زعيم الذئاب هذا، فأطلق عواء نصرٍ وهو يرفع رأسه إلى السماء، وتبعته بقية الذئاب في الاحتفال.
بعدها، وجهوا أنظارهم إلى مدخل الكهف المغلق بصخرة كبيرة، حيث تنبعث منه رائحة بشرية شهية.
في ذلك الوقت، كان كايل ملقى على الأرض، ودماؤه تصبغ الأعشاب تحته بلون أحمر قانٍ. بالكاد كان واعيًا.
"هل هذه... هي النهاية؟" تمتم لنفسه.
"لم يمضِ على انتقالي إلى هذا العالم سوى شهرين... وها أنا أموت في غابة، كشخص مجهول."
كان يحمل في داخله رفضًا للموت، لكن جسده بلغ حدوده.
وبينما يغرق في الظلام، بدأ عقله يعمل.
"كنت أريد أن أعيش بطريقة مختلفة... لا مثل حياتي السابقة، مختبئًا بين جدران غرفة، لا أواجه العالم."
وبينما بدأ وعيه ينسحب تمامًا، تساءل:
"هل سأتجسد مرة أخرى؟"
"هل سأذهب إلى ملكوت حاكمة الحياة؟ أم إلى الجحيم؟ لكن... أنا لست مؤمنًا..."
فجأة، تذكّر كلمات والده في عالمه السابق:
> "جاك، إيّاك أن تنحني لأحد. وإيّاك أن تستسلم. ثق فقط بنفسك، لا أحد يساعدك مجانًا، ولا تنتظر المساعدة."
"نعم... إن كنت سأموت، فسآخذ هذه الحشرات معي."
بقوة إرادة مطلقة، حرك كايل يده ببطء، وجعل راحة كفه تقترب من وجهه المرتجف.
في اللحظة التي وصلت فيها راحة يده إلى مستوى وجهه، وجّه هالته الخافتة نحو خاتم التخزين، وأخرج منه قنينة صغيرة تحتوي على ماء مقدس عالي التركيز. وضعها بين أسنانه، وفتح الغطاء، ثم شرب السائل المقدس، الذي لم يُصنع ليُشرب، بل ليُسكب على الجروح.
أخرج بعدها حبة توت سوداء، لم تكن فاكهة عادية، بل فاكهة سحرية نادرة.
ما هي إلا ثوانٍ، حتى شعر كايل بنار تتصاعد داخله و بفضل سمة جسد طبيعي كانت عملية شفاء سريعة. لم يكن الألم أشد من جراحه، لكنه كان محترقًا من الداخل.
بدأت جروحه تلتحم، وطاقته ترتفع بسرعة، حتى عاد إلى ذروته.
في ذلك الوقت، كانت الذئاب قد تجاوزته، تتجه نحو الكهف، تنوي إبعاد الصخرة وافتراس "المقبلات" قبل العودة إلى "الطبق الرئيسي".
فجأة... تجمدت في أماكنها.
هالة مرعبة سقطت عليهم، كأنها جاثمة على أرواحهم، وهمسٌ خافت كهمسة شيطان دوّى في آذانهم:
"إلى أين تظنون أنفسكم ذاهبين؟..."
استدارت الذئاب، فرأت كايل... كان ينهض تدريجيًا.
عيناه تتوهجان، والنيران تتراقص حول عيونها.
قبل أن يتمكن أحد الذئاب من التحرك، انطلق كايل مثل سهم، وبضربة من سيفه الذي توهّجت حوله هالة كثيفة، أصبح أقوى وأكثر سخونة.
مزّق أحد الذئاب إلى نصفين، لتنثر الدماء في كل مكان، وتغمر الرائحة المعدنية الجو. لكن كايل لم ينوِ التوقف، بل تحرك بسرعة خاطفة، وقطع الثاني، ثم الثالث بسلاسة قاتلة.
لم تمضِ سوى دقائق حتى كانت جثث الذئاب تتناثر على الأرض، ولم يبقَ سوى القائد، الذي وقف يتراجع بخطوات بطيئة، وقد خرج لتوّه من نطاق الهالة المرعبة التي أطلقها كايل، إلا أن ذلك لم يخفِ ارتجاف جسده.
قال كايل بنبرة عادية، لا باردة ولا هادئة، بل تشبه تلك التي تُقال بين أصدقاء أو معارف قدامى:
"ماذا؟ خائف؟ … أليس هذا غريبًا؟ ألم تضع في الحسبان أنك قد تقابل من هو أقوى منك… ويقتلك؟"
رفع كايل نظره، وعيناه تشعان بلمعان بارد، ثم تابع:
"يجب أن تعرف… هذا هو القانون الأول في هذا العالم… قانون الغابة: البقاء للأقوى. لو لم أكن قويًا… ومحظوظًا… لكنت الآن طعامًا لك ولقطيعك."
نفض كايل سيفه من الدماء، فتطايرت منها قطرات دافئة على الأرض الجافة، بينما كان يقترب من قائد القطيع، الذي لمع فروه الأسود تحت ضوء القمر المشوب برائحة الحديد والدخان.
حاول القائد أن يتراجع، لكن الخوف الذي اجتاحه شلّ جسده من جديد.
وصل كايل أمامه، ثم رفع يده… وربّت بها على رأس الذئب.
"هل تعرف…؟ هذا الموقف ذكّرني… مثل الأسماك… سمكة تأكل سمكة، والضعيف يموت. هل فهمت ماذا يعني ذلك؟"
ولدهشة كايل، حرّك الذئب رأسه، موافقًا.
ابتسم كايل قليلًا… لكنها كانت ابتسامة مرعبة في نظر القائد، خاصة مع ظهور شكل أسد من اللهب خلف كايل، يتشكل من هالته، بينما كان يضع يده على رأسه ويثبته في مكانه.
"فراؤك ناعم… سيكون من الإهدار ألا أستعمله."
حاول الذئب أن يتحرك، لكن خنجر كايل كان أسرع، فقطع رأسه بضربة حاسمة.
"وحش… يبقى وحش."
تمتم كايل لنفسه، وهو يشعر بقوة جديدة تجري في عروقه، كأن طاقته تغلي وتفيض من الداخل.
"يبدو أنني سأخترق إلى رتبة البرونزي المتوسط."
ولكي لا يهدر هذه الطاقة، جلس كايل قرفصاء في مكانه، وأغمض عينيه، وبدأ بممارسة تقنية تأمّل أسد اللهب.
أما هجوم الوحوش عليه… فليكن.
هو الآن في أفضل حالاته، ولن يأخذ الاختراق منه وقتًا طويلًا.