ما إن دخل موكب معبد الحياة، حتى انطلقت هتافات الجميع كأنها أمواج تتلاطم في صوت واحد:

"حيّوا القديسة!"

"حيّوا القديسة!"

وكان الأطفال يرمون أوراق الزهور في الطريق الذي يمر عبره الموكب.

انتشر جوٌّ مهيب، حيث أحاط المحاربون بالعربة التي تحمل القديسة، لكن الهالة التي انبعثت من الفارس الذي يمتطي حصانًا أبيض ويسير بجانب العربة، كانت تفرض حضورًا أقوى.

كان رأسه مرفوعًا، وعيناه تلمعان بقوة وصرامة، وهالته تصرخ بالقوة والعظمة.

كان الموكب يتقدم بخطى ثابتة حتى توقّف أمام معبد الحياة.

بسرعة نزل الجنود من خيولهم، وانتشروا حول المكان، وشكّلوا طوقًا أمنيًا.

اصطف صفّان من الجنود عند باب العربة، بينما وقف الفارس يفتح الباب لتهبط منه القديسة.

وما إن فُتح الباب، وقفت القديسة عند المدخل.

كانت ذات جمال جذّاب فيه لمحة طفولية، شعرها الفضي الطويل ينسدل حتى خصرها، وعيونها الزمردية تشعّ بالحياة، وبشرتها بيضاء نقية كصفحة ماء، خالية من العيوب.

أنفها صغير دقيق، وفمها صغير، وخدّاها ممتلئان قليلاً بدهون الطفولة، وصدرها كان بارزًا قليلًا بشكل طبيعي.

كانت ترتدي زيّ راهبة أبيض فضيّ، مطرّز بخيوط ذهبية، وحول عنقها قلادة تحمل رمز معبد الحياة، الذي كان عبارة عن طائر يحتضن غصنًا أخضر.

أمام بوابة المعبد، كان يقف رجلٌ عجوز، شعره أبيض كثلج، ووجهه مليء بالتجاعيد العميقة. كان يرتدي ملابس كاهن بيضاء نقية، وفي يده كتاب يحمل رمز المعبد.

كانت على وجهه ابتسامة دافئة يصعب إخفاؤها، مهما كان ما سيحدث.

وفي اللحظة التي رأى فيها القديسة تهبط من عربتها، تقدم نحوها بخطوات مسرعة.

وكما فعل هو، فعلت هي. وعندما التقيا، تبادلا عناقًا طويلًا.

"آسيا..."

"جدي..."

كان جميع سكان القرية يراقبون هذا اللقاء العاطفي، وابتسامات تملأ الوجوه.

حتى الجنود خفّت نظراتهم الحادة، وكذلك الفارس نفسه بدا عليه أثر الابتسامة.

ظل العناق طويلًا، لكن لم يتجرأ أحد على مقاطعته. ففي النهاية، لم يرغب أحد بمقاطعة لقاء جد وحفيدته بعد غيابٍ طويل.

بعد دقائق، تراجع كلاهما.

نظر الرجل العجوز إلى آسيا، وقال بنبرة مملوءة بالعاطفة:

"كبرتِ كثيرًا، عزيزتي آسيا."

ابتسمت آسيا ابتسامة مشرقة.

"Hehehe، بالطبع، لم أعد طفلة."

كان صوتها رقيقًا منعشًا، كنسمة باردة في صيف حار.

انفجر العجوز ضاحكًا:

"هاهاها، نعم... أصبحتِ شابة جميلة. هيا، لندخل."

وهكذا، دخل الراهب العجوز والقديسة إلى معبد الحياة، وتبعهما الفارس الذي دخل بصمت وهيبة.

تحرك الجنود فورًا، وأحاطوا بالمكان، ومنعوا أي شخص من الاقتراب.

في الداخل، كان الراهب العجوز يجلس مقابل آسيا، بينما كان الفارس يقف خلفها.

قال العجوز مبتسمًا، بعينين تلمعان بالعاطفة:

"كيف حالك؟ هل واجهتِ صعوبات؟ هل كوّنتِ أصدقاء؟"

انهالت الأسئلة كالسيل.

"مهلًا... مهلًا يا جدي، تسأل الكثير دفعة واحدة!"

ضحكت بخفة.

أحسّ العجوز ببعض الحرج من اندفاعه، ومرر يده في لحيته البيضاء:

"آسف، كنتُ متحمسًا وقلقًا عليكِ كثيرًا."

ابتسمت آسيا بلطف، ووضعت يدها على يده:

"أعلم... حتى أنا اشتقتُ إليك. لماذا لا تأتي معي إلى المعبد الرئيسي؟"

تنهّد العجوز بعمق، وعيناه تشي بالحزن:

"آسيا، أنتِ تعلمين أنني لا أستطيع مغادرة هذا المكان، خاصة مع وجود... ذلك الشيء في أعماق الغابة."

ظهر حزن خفيف في عينيها رغم معرفتها المسبقة بالجواب.

كان العجوز يتمنى الذهاب معها، لكن تعليمات حاكمة الحياة كانت صارمة، خاصة بشأن ما يكمن في أعماق الغابة.

في الحقيقة، لم يكن وحده. بل هناك معابد عدة تحيط بالغابة، وكلها تؤدي نفس المهمة منذ أجيال.

رأى الحزن في عيني حفيدته، فقال بلطف:

"دعينا نترك الحزن الآن... أخبريني، كيف حالك؟"

"أنا بخير، تعلمتُ الكثير من الأشياء، وكل إخوتي وأخواتي يعتنون بي جيدًا."

بدأت آسيا تتحدث بحماسة عن تجاربها، والعجوز يستمع بابتسامة دافئة وسعادة في قلبه.

لقد كانت سعادته حقيقية، فهي أخيرًا كوّنت صداقات.

لم تذق طعم الصداقة منذ لحظة ولادتها، حيث اختيرت مباشرة من قبل حاكمة الحياة لتكون قديسة.

كان هذا حدثًا غير مسبوق في تاريخ معبد الحياة.

لم يكن هذا فقط، بل تكرر الأمر ذاته مؤخرًا في معبدي الفجر والحرب.

صُدم العالم بأسره.

لأن اختيار قديسات مباشرة من لحظة الولادة لم يحدث من قبل، وخاصةً أن معبدَي الفجر والحرب يتبعان لإمبراطوريتين من أصل خمس إمبراطوريات تحكم هذا العالم.

ولتجنّب الذعر أو الشائعات، أعلنت المعابد الثلاثة أن الأمر صادر من الحاكم الأعلى، دون الكشف عن السبب الحقيقي.

لكن الحقيقة لم تكن معروفة إلا لقلّة قليلة من أعلى المراتب:

> "عصر النهضة يوشك على نهايته، وسيبدأ عصر جديد على يد المختار."

كانت هذه الرسالة من الحاكم الأعلى للمعابد الثلاثة — موجزة، لكنها صادمة.

أولًا، لأن عصر النهضة لم يمر عليه وقت طويل؛ فقط سبعة آلاف سنة منذ نهايته العصر السابق.

حسنا قد تبدو سبعة الاف سنة طويلة لكن العصور عادةً تستمر لعشرات الآلاف من السنين، ولهذا سبعة آلاف تُعد قصيرة نسبيًا .

وثانيًا، لأن بداية عصر جديد تعني مجازر لا حصر لها، حروب شاملة، ودمار سيجتاح العالم، حتى الحكّام أنفسهم لن يكونوا في مأمن.

وفي تلك الفوضى، يسقط المؤمنون ببعض الآلهة، ويرتفع غيرهم، لتصبح الحرب بين العقائد.

لهذا، قررت المعابد الثلاثة اختيار قديسات من لحظة ولادتهن، وتدريبهن منذ البداية استعدادًا للعاصفة القادمة.

قال العجوز، وعيناه تبحثان عن إجابة:

"أنا سعيد أنك بخير... لكن لماذا عدتِ لزيارة هذا العجوز؟"

وما إن أنهى سؤاله، حتى تحوّل وجه آسيا إلى الجديّة، وكذلك الفارس خلفها.

قالت بنبرة ثابتة:

"جدي، في الحقيقة... سبب عودتي هو أنني تلقيتُ نبوءة من حاكمة الحياة."

اتّسعت عينا العجوز، فهذه أوّل مرة يسمع فيها عن نبوءة منذ زمن بعيد، رغم أنه قرأ عنها في السجلات القديمة.

"ما هي النبوءة؟"

ثم أدرك خطأه — طلب معرفة نبوءة حاكم يُعد تجاوزًا.

"آسف... يبدو أنني أصبحتُ عجوزًا فضوليًا..."

ضحكت آسيا بخفة:

"لا بأس، جدي. حاكمة الحياة لم تمنع، بل طلبت نشرها."

"حقًا؟"

نظر إليها باستغراب.

"نعم."

قالت بعينين تتلألآن بالحماس الزمردي.

"النبوءة تقول:

البطل قد ظهر، وسيبدأ من نقطة البداية."

اتسعت عينا العجوز، وتجمد في مكانه:

"آسيا... هل تقصدين البطل الذي سيحمل سيف حاكمة الحياة، ويحارب باسمها؟"

أومأت برأسها بثقة.

انفعل العجوز، فظهور البطل يعني رفع مكانة معبد الحياة بين المعابد، وزيادة عدد المؤمنين به.

"ونقطة البداية... تقصدين أنه سيمر من هنا؟"

"نعم. ومهمتي أن أكتشفه، وأرعاه، وأرشده إلى الإيمان بحاكمة الحياة، وأساعده على الوصول إلى القمّة... وأكون جزءًا من فريقه."

ابتلع العجوز ريقه بصعوبة، وعيناه تلمعان.

حفيدته... ستكون رفيقة البطل .

---

في غابة كثيفة، كان كايل قد وجد كهفًا ليستقر فيه مع أولئك النساء.

جلس عند مدخل الكهف، يتناول لحم وحش اصطاده في الطريق، بينما كانت النساء خلفه، داخل الكهف، يتناولن طعامهن بهدوء.

كانت رائحة اللحم المشوي تختلط برائحة الغابة الرطبة، ممتزجة بعطر خفيف من دخان النيران.

كانت الشمس تغرب، والسماء مصبوغة بلون برتقالي محمّر كالنار الهادئة.

الرياح كانت تهبّ بقوة بين الأشجار، تنفث هواءً باردًا يحمل رائحة الطين والأوراق المتساقطة، وتكشف بين الحين والآخر عن عدد من أزواج العيون الخضراء المتلألئة، تلمع بين الشجيرات وتراقب كايل بصمت قاتل.

كايل أغلق مدخل الكهف بصخرة ضخمة، لكنه ترك فتحة صغيرة للتهوية.

جمع مجموعات من حزم الأخشاب، ورتبها في أكوام منتظمة بأماكن مختلفة، كأنه يجهّز ميدان معركة.

وما إن اختفى آخر شعاع من الشمس وحلّ الظلام، خيّم سكون ثقيل، كما لو أن العالم تجمّد فجأة... حتى الرياح خمدت، والهواء بات ساكنًا بشكل مريب.

انقطع هذا الصمت الحالك عندما أشعل كايل حزم الخشب التي كدّسها في الأكوام.

اشتعلت النيران فجأة، وأضاءت المنطقة بضوءٍ برتقالي ساطع، حتى خُيّل لمن يراها من بعيد أن الصباح قد بزغ في بقعة صغيرة وسط ظلمة الغابة.

كايل، الواقف في منتصف بقعة النار، أحاطته الألسنة المشتعلة من كل جانب، ووجهه انعكس عليه الضوء فظهر صارمًا، بارز الملامح، تحدق عيناه نحو الظلال التي كانت تزداد سوادًا خلف الأشجار.

كانت عيونها حمراء دموية، ثابتة في نظرتها، يملؤها بريق بارد ونية قتل واضحة.

سمع كايل صوت حفيف خافت ينبعث من الشجيرات، ومعه رفّة أوراق جافة.

وما هي إلا ثوانٍ، حتى خرج أول ذئب... ثم تبعه الثاني، فالثالث، إلى أن بلغ عددهم خمسة وعشرين ذئبًا.

كانت فراؤهم سوداء أو بنية قاتمة، بعضهم كبير الحجم بشكل يثير الريبة، لكن ما جمعهم جميعًا كانت تلك العيون الخضراء المضيئة كالجمر.

قال كايل بنبرة هادئة وهو يتفحّصهم:

"يبدو أن هذا الأمر لن يكون سهلًا مثل قتال العفاريت..."

رغم كلماته، لم يشعر بخطر حقيقي. إحساسه بالخطر لم يُطلق إنذارًا جديًا، فقط احتمال لجروح بسيطة ، بفضل استعداد.

مدّ كايل يده إلى سيفه، وسحبه ببطء، محدثًا صوتًا معدنيًا خافتًا في سكون الليل.

أشار بالسيف نحو قطيع الذئاب، قائلاً بسخرية:

"سوف أصنع من جلودكم ملابس للشتاء."

أطلق الذئاب عواءً غاضبًا، كأنهم استجابوا لسخريته

بعزم على تمزيقه إربًا.

ابتسم كايل ابتسامة جانبية وقال:

"لنبدأ."

وانطلق بجسده نحو القطيع، خطواته ثابتة، عيناه تراقبان كل حركة.

وفي اللحظة نفسها، اندفع القطيع نحوه بعنف، كأنهم موجة .

_____

اهلا بجميع أردت شكركم لقد وصلت رواية الي مرتبة 6 حقا كانت مصدوم قليل و اعرف انني لا اقوم بي نشر بسرعة.

حسنا انا شخص كسول لكن لن اتوقف عن نشر .

و ايضا اي شخص يريد دعم و لا يستطيع يمكنه دعمي علي موقع webnovel.

اسم رواية:I was embodied in another world with features I invented

كان معكم General

2025/07/27 · 37 مشاهدة · 1372 كلمة
General_13
نادي الروايات - 2025