🌑 الفصل الثالث: "اسمه نِيار"

الليل كان ساكنًا...

ساكنًا لدرجة أن نور شعرت كأن الهواء نفسه توقف عن الحركة.

الغرفة كانت مظلمة، لكن ضوء المرآة لم يُغطّ بعد.

وقفت هناك، تنظر لانعكاسها الآخر… الفتاة التي ترتدي الأسود وتبتسم بثقة.

لكن اليوم، هناك شيء جديد…

في زاوية الانعكاس، بدأت تظهر ملامح جديدة…

الرجل.

كان يقف خلف انعكاس نور الأخرى، يضع يده على كتفها بلطف…

لكن عيناه كانتا تنظران مباشرة إلى نور الحقيقية.

نظرة ثاقبة، عميقة، رمادية قاتمة…

كأنها لا تنتمي لهذا العالم.

نور لم تستطع الحركة.

كأن المرآة جذبت جسدها بالكامل.

وفجأة… سُمِع صوت.

واضح. داخلي. قوي.

> "أخيرًا… قرّرتِ العودة."

تجمدت.

لم تفتَح فمها.

لكنها سمعته داخل رأسها.

وكأن أحدهم يهمس من داخل الجمجمة، بهدوء شديد.

> "أعرف أنكِ تتذكرينني."

"حتى لو أنكروا كل شيء."

---

وقعت أرضًا. يدها ترتجف.

نظرت حولها. الغرفة فارغة.

لم يكن هناك أحد.

لكن هناك شيء في نفسها تغيّر…

كأن قطعة مفقودة من ذاكرتها تحاول العودة.

خطر في بالها سؤال:

هل من الممكن أنني أعرفه فعلًا؟ من قبل؟

قلبها ينبض بقوة…

وقفت من جديد، تحدّق في المرآة، والانعكاس ما زال كما هو.

الفتاة في الداخل تبتسم، والرجل يقف بجانبها…

لكن فجأة، حرك شفتيه بهدوء، وكأن الكلمة موجهة لها مباشرة:

> "نِـــيار."

---

في الأيام التالية، حاولت نور أن تعيش حياتها بشكل طبيعي.

لكنها لم تستطع.

بدأت تكتب كل شيء في دفتر أسود صغير.

كل مرة يظهر فيها نِيار.

كل صورة، كل حلم، كل همسة.

في محاضرة علم النفس، شرحت الأستاذة اليوم شيئًا غريبًا:

"أحيانًا، يعاني بعض الأشخاص من حالة تسمى انعكاس الهوية الجزئية، حيث يرون أنفسهم في المرآة… لكن يبدون مختلفين."

الجميع ضحك، لكن نور لم تبتسم.

في طريقها للمنزل، توقفت أمام بائع كتب قديم.

عينها وقعت على كتاب صغير، مغلف بالجلد الرمادي:

"الانعكاس السابع - من ملفات مستشفى لافاييت العقلي - 1995."

اسم المستشفى نفسه الذي كانت جدتها تحذّرها منه دائمًا.

أخذت الكتاب، قلبت صفحاته…

وفي الصفحة الأولى، مكتوب بخط يدوي:

> "الاسم: نور الهادي.

الحالة: خيال انعكاسي متكرر.

ارتباط بالحالة رقم 7.

ملاحظة: نفس الشخص… يظهر في جميع الحالات."

الاسم الظاهر في كل الحكايات: نيار.

شهقت.

وقع الكتاب من يدها، وابتعدت بسرعة.

الناس يمرّون بجانبها، لكن لا أحد يشعر أن عالمها بدأ يتفكك.

---

في تلك الليلة، كانت تمشي في الحي القديم وحدها.

الهواء بارد، صوت حذائها يضرب الأرض الفارغة، وعيونها نصف مغلقة من التفكير.

وفجأة، وقفت.

رأت رجلاً يقف تحت عمود إنارة في الزاوية البعيدة من الشارع.

يرتدي معطفًا أسود طويل.

رأسه مائل قليلًا.

لم يتحرّك.

لكن... عيناه كانتا رماديتين.

نور لم تستطع الصراخ.

لم تستطع حتى الهرب.

لأن في تلك اللحظة، سمعته يقول… بصوت حقيقي جدًا:

> "أنا ما خرجتش من المرآة.

أنتِ اللي رجعتي لها."

---

🖤 يتبع...

2025/08/01 · 1 مشاهدة · 428 كلمة
Khadidja
نادي الروايات - 2025