مع الساعة التاسعة صباحًا، كانت شمس الصباح تُداعب نوافذ "قهوة العنبر" بنورها الذهبي، تنساب على الطاولات الخشبية العتيقة، وتبعث الحياة في الزهور اليابسة الموضوعة في المزهريات الصغيرة.
جلس تشاي في ركنه المعتاد، قبل الموعد بدقائق، كما يفعل دائمًا. كان يحمل صندوقًا خشبيًا أنيقًا محفورًا عليه بالأحرف القديمة:
> "سجال الممالك – لعبة العقول والقلوب".
فتحه بهدوء، وأخرج القطع واحدة تلو الأخرى، ورتّبها بعناية كما لو كان يضع أسلحة لمعركة، ثم جلس يُقلب إحدى القطع في يده ويحدّق في تفاصيلها...
ثوانٍ وارتفعت رنة خفيفة من جرس الباب.
دخلت آني بخطى هادئة، ترتدي معطفًا بلون الغزال، وربطة عنق حريرية بلون النبيذ. نظرت نحوه، فرفع عينيه بهدوء ثم قال وهو يبتسم:
— "دائمًا أسبقك... لكن لا بأس، فملكة مثلك يجب أن تصل متأخرة."
جلست آني أمامه دون أن تخفي ابتسامتها الساخرة وقالت:
— "وهل نسيت ما حصل في المرة الماضية؟ تأخري لا يعني ضعف استعدادي."
ضحك تشاي، ثم حرّك قطع اللعب قائلًا:
— "لكن هذه اللعبة مختلفة اليوم... إنها ليست فقط سجالًا بين مملكتين، بل بين قلبين يشتعلان من تحت الطاولة."
نظرت آني إليه بعينين ضيقتين، وكأنها تحاول فهم ما وراء كلماته، لكنه تابع، وهو يُحرك قطعة الملك:
— "أتعلمين، كلما لعبنا أكثر، ازددت اقتناعًا أنني لا أريد النصر... بل أريد فقط أن تطوّقي قلبي بهذه القطع الصغيرة... كما تفعلين الآن."
سكتت آني قليلًا، ثم قالت بصوت خافت:
— "أنت تُجيد اللعب بالكلمات أكثر من القطع... تشاي."
رد وهو يُنزل قطعة العراف مهاجمًا مملكتها:
— "ذلك لأنك الخصم الوحيد الذي يجعلني أرتبك حتى قبل أن تبدأ المعركة."
استمر اللعب... والأنفاس صارت أهدأ من أن تُسمع، والعيون تراقب... والمملكة تتساقط قطعة بعد أخرى.
لكن في الحقيقة، لا أحد من الاثنين يريد أن ينتصر...
وسط صمت قهوة "العنبر"، وبين قطع "سجال الممالك" المتناثرة كأفكارٍ غير مكتملة، توقفت يد آني فجأة عن التحرك.
رفعت عينيها نحو تشاي وسألته، بصوت هادئ لكنه يحمل عمقًا غامضًا:
— "تشاي… من أنت؟ ولماذا… لماذا صرنا صديقين في وقتٍ وجيز هكذا؟"
تجمّد تشاي في مكانه، كأن الكلمات باغتته من حيث لا يدري. طرف عيناه نحو النافذة للحظة، ثم عاد إليها. حاول أن يتكلم… لكن الكلمات تعثّرت على شفتيه، كأن قلبه يسبق لسانه:
— "أنا… لا أعرف كيف أشرح… لكنني… تعلّقت بكِ من اللحظة الأولى التي رأيتكِ فيها.
كان هناك شيءٌ ما… في عينيكِ، في خطواتكِ، في طريقة جلوسكِ حتى… شعرتُ أنني رأيتكِ من قبل، أو كنتُ أبحث عنكِ دون أن أعلم."
سكتت آني قليلًا، نظرت إلى الطاولة ثم إلى فنجان قهوتها. أرادت أن تقول الحقيقة… أن تكشف له شيئًا من ماضيها… من علاقتها القديمة، لكنها حين فتحت فمها لتتكلم…
ارتدّ بها عقلها إلى الوراء، إلى تلك اللحظة…
[فلاش باك –]
إتصال بينها و بين أكاي
قالت بصوت خافت:
— "هل ستأتي ؟ …"
لم يرفع أكاي عينيه من الأوراق. اكتفى بالقول ببرود قاطع:
— "هذا ليس الوقت المناسب."
همّت بأن تقول شيئًا آخر، لكنه قاطعها، دون أن ينظر إليها:
— "آني، أنتِ آسف"
… ثم قطع الاتصال
[عودة إلى الحاضر ]
تنهدت آني، وهمست:
— "أنا… لا علاقة لي بأي رجل، لم اواعد احدا من قبل."
نظر تشاي إليها طويلًا، ثم قال بصوت منخفض، لكنه صادق:
— "هذا… لا يهم. لستُ هنا لأحجزكِ، ولا لأربطكِ بقيد.
أنا فقط… أريد أن أكون موجودًا، حين تُقررين أن تبتسمي بصدق."
سكتا معًا. ومرّ النور على وجهيهما، خفيفًا كأنه يعبر قلوبًا تنتظر شيئًا… لا اسم له.