اليوم التالي
07:00......
أن تكون ابنًا لأقوى رجل في الفرقة S، لا يعني أن تكون محصنًا من الألم... بل يعني أنك ستتعلّمه مبكرًا، وتتقنه."
مرحبًا أيّها القارئ..
لا أعلم لماذا أُخاطبك الآن، ولا أعلم حتى إن كنتَ تقرأ قصتي من أجل الفضول، أم لأنك تحب مراقبة الهاوية عن قرب.
على كل حال، اسمي سون.
أنا ابن موريس... نعم، ذاك الرجل الذي لا يبتسم إلا عندما يُقتل أحدهم.
قائد فرقة S... أحد أكثر من تخشاه العصابات والمنظمات... وربّما أيضًا أكثر من يخشاه قلبي.
كنت في الخامسة من عمري حين فقدتُ أمّي.
لا أذكر ملامحها جيّدًا، لكنها كانت تداعب شعري كل ليلة... ثم اختفت.
قالوا لي آنذاك إنها "رحلت في مهمة"، لكني الآن أفهم ما تعنيه كلمة ماتت.
لم أُصدق، ولا أزال أرفض أن أصدق... لهذا أصبحت مدلّلًا جدًا لدى والدي، وكأنه يُحاول أن يعوّضني عن جسدها الذي لم يعُد.
لكني لست هنا لأبكي...
ما سأقوله الآن ليس اعترافًا، بل حقيقة: جسدي... يتقبّل السموم.
لا أعلم كيف أو متى، لكنّي جرّبت في السر.
شربت مادة حارقة كانت لتقتل فأرًا في ثانية... ولم أشعر سوى بحرقة في الحلق وسعال بسيط.
لدغني عقرب صغير، وانتظرت الموت... فلم يحدث شيء.
حينها، فهمت أن شيئًا غريبًا يجري داخلي.
في البداية، خفت.
ثم بدأت أتساءل...
أليس في السم قوّة؟
لماذا لا أتعلّم استخدامه؟
إن كان جسدي يتأقلم مع السُموم، فلِم لا أُصبح "سُمًّا" يمشي على قدمين؟
أفكّر في تطوير مهارة فريدة... مهارة تعتمد على السموم، تنمو معي، وتخضع لسيطرتي.
قد أكون صغيرًا، في الرابعة عشرة فقط...
لكنّي أفهم الآن أن هذا العالم لا يعترف بالعمر... بل بالقوّة.
يوجد تقليد غريب، بل مرعب، داخل منظّمتنا... يسمّونه "اختبار الدم".
يُقام كل عامين، فقط للأطفال من سن العاشرة إلى العشرين.
يقولون إنّه "تصفيّة طبيعيّة"... لكنّه ليس طبيعيًا أبدًا.
هو أقرب إلى مجزرة مخططة.
يأتون من كلّ مكان، عشرات الأطفال والمراهقين... بعضهم درّبهم آباؤهم على القتل منذ سنّ السابعة، وبعضهم لا يعرف حتى كيف يمسك بسكّين.
يأتون بأمل أن يتم اختيارهم ضمن الفرق القتالية، لأن من ينجو، يُصبح جزءًا من النظام... من السلطة... من المستقبل.
قبل عامين، كنت في الثانية عشرة، وتوسّلت إلى أبي أن أشارك.
لكنّه رفض.
قال: "لا زلت ناعم القلب... والدماء ليست لمن لا يعرف طعمها."
كرهته وقتها.
لكن الآن... الآن تغيّر كل شيء.
أنا في الرابعة عشرة، وقد ألححت عليه مجددًا، وبنفس إصراري، لكنه هذه المرّة لم يرفض.
ربّما لأنّه رأى في عيني شيئًا...
ربّما لأنه يأس من محاولة منعي.
وها انا ذا مع بداية يوم جديد وجدت نفسي واقفًا أمام بوّابة المنظمة، إلى جانب أبي، بيني وبينه صمت ثقيل...
صمت فيه رهبة، وفيه وداع، وفيه احترام.
كانت الجموع تتوافد من كلّ مكان... وجوه جديدة، وأسماء لن تبقى طويلة.
وأنا... كنت أسجّل اسمي.
"سون موريس، 14 سنة."
خطّي كان ثابتًا.
قلبي لم يرتجف.
بل... كان سعيدًا.
أعلم أنّ هذا ليس اختبارًا عادياً، بل محرقة انتقائية، لا ينجو فيها إلا من كان مخلوقًا للبقاء.
لكنّي لست كأيّ طفل...
أنا جسد لا يتسمّم.
أنا ذهن لا ينسى.
أنا سون... ابن السُّم.
فجأة
من خلف إحدى القاعات، ظهرت...
شيماء.
امرأة تجاوزت الثلاثين، بوجه هادئ، هدوء لا يعني سلامًا... بل خبثًا تربّى وتخرّج وتوظّف.
شعرها مربوط، صوتها رخيم كأنّه تعويذة تهدّئ بها ذئبًا جائعًا.
قالت وهي تقترب:
ــ "موريس... أتيت مبكرًا."
لم يُجب.
أدار نصف وجهه، ومدّ يده خلفه، حيث كان "سون" واقفًا كظلّ ملتزم.
ــ "ابني."
ــ "سون."
ابتسمت شيماء، ابتسامة لم تفارقها الشكوك، ثم انحنت قليلًا تجاه الصبي.
ــ "سمعت عنك... سمٌّ بشري، أليس كذلك؟"
لم يُجِبْ.
لكن عينيه... أجابتا بما يكفي.
عاد موريس إلى لهجته المعدنية:
ــ "متى الموعد الرسمي للاختبار؟"
قالت شيماء وهي تمشي بمحاذاتهم، كأنّها تقودهم إلى الجحيم بهدوء ممرضة:
ــ "بعد ثلاثة أيام. وستكون التصفية هذه المرة... أعنف من كل ما سبق."
توقف موريس، دون أن يلتفت:
ــ "الوافدون؟"
شيماء توقّفت بدورها، تنظر إلى الممرات الخالية كأنها تسمع صراخًا قادمًا من المستقبل:
ــ "أكثر من ثلاثمئة طفل. جاءوا من كل الفروع. بعضهم لم يبلغ العاشرة، وبعضهم قاتل في الحرب السابقة."
ــ "وغرف التدريب؟"
ــ "جاهزة. منذ أسبوع. أجهزهم بنفسي."
تنفّس موريس ببطء، كأنّه يُذوّب الشكوك في الهواء.
ثم همس، لا لأحد:
ــ "ثلاثمئة جثة محتملة... لأجل خمس مقاعد فقط."
ضحكت شيماء بهدوء، ثم التفتت نحو "سون"، وقالت له بنبرة من السكر والسمّ:
ــ "أتمنّى أن تكون من الذين ينجون يا صغيري... سيكون مؤسفًا أن تفقده أنت أيضًا، يا موريس."
لكن موريس لم يرد.
توقّف موريس، عينيه لا تزالان مثبتتين على الأفق الرمادي في نهاية الرواق.
صوته خرج كالصقيع، حادًّا، لا يحمل سؤالًا بل أمرًا للتأكيد:
ــ "أين المعلم تاي؟"
أجابت شيماء دون تردّد، بنبرة أكثر جدية:
ــ "في مكتبه. ينتظرك."
أومأ برأسه دون أن ينظر إليها.
ثم التفت إلى سون...
تلك كانت اللحظة التي تثقل القلب، وتكسر الزمن إلى نصفين.
الصمت بين الأب وابنه كان أبلغ من كل الجمل.
لكن موريس، الرجل الذي لا يهتم بالكلمات، اختار أن ينطق أخيرًا.
انخفض قليلًا، حتى صار بمستوى عيني ابنه.
ــ "سون..."
توقف، تنفس. نظر إليه كما لم ينظر إليه من قبل.
ــ "أنت لست جاهزًا... لكن لا أحد يكون جاهزًا لهذا الجحيم."
رفع يده، مسح شعره بإبهامه، ثم أردف:
ــ "تذكّر فقط ما أخبرتك به دائمًا... لا تثق بأحد."
سون عضّ شفتيه، لكنه لم يُخفِ رجفة صوته:
ــ "و... ماذا إن سقطت؟"
نظر موريس في عينيه، طويلاً... حتى خيّل للزمن أنه توقف.
ــ "إن سقطت... فاجعل سقوطك قاتلًا."
تحركت شيماء خطوة نحو سون، وضعت يدها على كتفه بلينٍ مصطنع.
ــ "سأقوده إلى المركز."
موريس نظر إليها للحظة، ثم عاد بنظره إلى ابنه، ثم استدار دون كلمة أخرى...
خطواته كانت كطبول جنازة، وكل واحدة منها تسحب من قلب سون جزءًا لن يعود.
ناداه سون بصوت مختنق، كأنه يحاول أن لا يبدو طفلًا:
ــ "أبي..."
توقّف موريس، لم يلتفت.
قال فقط:
ــ "عُد حيًا... أو لا تعُد."
ثم مضى.
وسون؟
وقف مكانه... بكتفٍ تحمل يد معلمة، وقلبٍ لم يعد يعرف من هو بعد الآن.