1503 – قصر فيجرلاند، ماريجوا
كانت أشعة الشمس تتسلل بخجل عبر نوافذ القصر الفخمة، ولكن داخل ساحة التدريب المظلمة، كانت أجواء مختلفة تمامًا.
على أرضية حجرية باردة، انحنى طفل صغير، جسده النحيل مغطى بالعرق والغبار. سيف خشبي ثقيل يصطدم بكتفه بقوة، فأجهش بالبكاء من الألم ولكن لم يكن له خيار سوى الصمت.
من حوله، أصوات ضربات السيوف تتعالى، وضحكات وسخرية من أولاد أكبر سنًا، جميعهم يستهدفونه، يختبرون قوته وضعفه.
رجل بالغ، عابس الوجه، يلوّح بسيف خشبي في يد، يصرخ بصوت خشن:
“انهض! لا مكان للضعفاء هنا! إذا سقطت مرة أخرى، ستكون عبئًا على الجميع!”
رفع الطفل عينيه بتعب، حاول أن يرفض الخضوع ولكن الألم أجبره على الانحناء أكثر.
فجأة، تردد صوت غريب، بارداً، هادئاً، يتخلل أرجاء الساحة، كأنه يقطع صخب الجميع بسكين حاد:
“ماذا تفعلون؟”
توقف الجميع فجأة، وأصبحت الساحة ساكنة كالمقبرة، نظراتهم التقطت مصدر الصوت.
هناك، عند مدخل الساحة، وقف شاب مراهق، يبدو في حوالي السادسة عشرة من عمره. وجهه كان هادئًا، عيناه زرقاوان بارقتان مثل جليد، وصوته يحمل في نبرته برودة لا تعترف بوجود أحد.
لكن شامروك، الذي كان يشاهد المشهد بلا مبالاة من بعيد، رفع يده، قائلاً بنبرة قاتمة:
“اصمتوا، هذا الصوت مزعج.”
لم يكن يتحدث ليوقف المشاجرة أو لحماية الطفل، بل لأن صوتهم قطع راحته وحضوره السيادي.
لم يوجه أي كلمة مباشرة لهم، ولم ينظر إليهم، لكن الجميع فهم الرسالة.
الرجل الكبير الذي ضرب الطفل تراجع سريعًا، متملقًا:
“سيدي شامروك، لم نكن نقصد…”
قاطعه شامروك بحركة يد:
“اكتموا، عبيد لا يستحقون حتى الاعتبار.”
عاد الصمت إلى الساحة، ولم يكن فيه أي أمل أو رحمة.
الطفل، الذي هو جسد كروساو دي جين الآن، رفع رأسه ببطء، يراقب كل شيء بعينين صغيرتين متألقتين بالحيرة والخوف.
بعد أن عاد الهدوء لساحة التدريب، وجدت نفسي وحيدًا، أُقاد إلى غرفتي الصغيرة التي لا تتجاوز مساحة بالكاد تكفي لسَريري الخشبي الصغير.
الجو كان بارداً، الجدران العتيقة مغطاة بطبقات من الغبار، ومرآة صغيرة معلقة على الحائط أمامي.
وقفت أمام المرآة، وأمسكتها بيدين مرتجفتين، أنظر إلى وجهي الصغير، لا أستطيع تصديق ما أراه.
شعر أسود قصير، وملامح طفولية تعكس حوالي عشر سنوات، لا أكثر.
لكن ما لفت نظري أكثر كانت العلامة على صدري الأيسر .
كانت علامة خاصة بحكومة العالم ، تذكير قاتم بعالمي الجديد.
علامة العبودية… علامة اليأس.
كتمت الصرخة التي كانت تحترق في صدري، حاولت أن أصرخ ولكن الحنجرة خانتني.
(اللعنة… اللعنة… اللعنة…)
حاولت أن أفكر، أستوعب هذا الواقع.
هذا هو أنا الآن.
طفل عبد في عالم ون بيس.
وعليّ أن أجد طريقة لأعيش، لأهرب، لأكون حرًا.
ولكن كيف؟
نمت بعدها، قبل أن أعرف ماذا يعني أن أكون عبدًا حقًا.
استيقظت على وجع حاد في بطني، شعرت بألم يخترق معدتي، وكأنها تضغط من الداخل.
“آخخخخ…” تمتمت بصوت خافت.
فتحت عيني بحذر، ولفت نظري وجود شخص آخر بجانبي.
كان عبدًا آخر، يحدق بي بنظرة صارمة وهادئة في نفس الوقت.
صوته جاء قاسيًا لكنه منطقي:
“استيقظ يا جين، إن كانت حياتك تهمك، لا تتأخر.”
نهضت ببطء، وارتديت الملابس التي وجدتني مرتديها، والتي بدأت أشعر أنها تعبر عني، رغم ما تحمله من عبء.
هذا الجسد لم يعرف طعم الحرية أبدًا، لم يشعر به أبداً، وكانت خطواتي الأولى في هذه الحياة الجديدة تمشيها عادات وأحاسيس غريبة لكنها مألوفة في نفس الوقت.
خرجت إلى الممرات، أمشي بين الطرق الحجرية الواسعة، بين القصور الشاهقة التي لم أتفاجأ بها رغم ضخامتها، فقد رأيتها من قبل في الأنمي، لكن هنا، واقعها كان أكبر وأجمل وأشبه بالحلم المرير.
في تلك اللحظة، اقترب مني عبد آخر.
كان شابًا ذا شعر أشقر، بنية جسدية قوية، يرتدي زي فارس أنيق ويحمل سيفًا على جانبه.
كان يبدو في حوالي السادسة عشرة، وهو مختلف تمامًا عني، لم يكن خادمًا بل من الحرس الخاص بالتنانين السماوية، أو على الأقل هكذا بدا لي.
لم أستطع إلا أن أسأله بصوت مرتبك:
“كيف يمكنني أن أصبح حارسًا؟”
نظر إليّ بعينين جادتين ثم أجابني بصراحة قاسية:
“أنت ما زلت ضعيفًا، وصدقني هذا أسوأ شيء.
احذر ممن تتمناه، فهناك رتب كثيرة للعبيد هنا، وأنت في أسوأها… أنت العبد بين العبيد.”
أضاف بحذر وبصوت منخفض:
“هذه نقمة ونعم معًا،
النعمة هي أنك لن تجذب الانتباه بسهولة.
تعرف، ما يقتلك هنا هو الانتباه إليك.”
ابتلعته كلمات الحقيقة الثقيلة، وبدأت أفكر في المصير الذي ينتظرني، وفي الحذر الذي عليّ أن أتبناه إن أردت البقاء على قيد الحياة.
كلماته لم تفارق رأسي، وكل خطوة بين جدران القصر كانت تذكرني بما قاله: “ما يقتلك هنا هو الانتباه إليك.”
كنا نمشي وسط أروقة حجرية مليئة بتماثيل ذهبية وزخارف تلمع تحت ضوء الشمس. كان المكان في غاية الجمال، لكن الجمال هنا كان يخنق.
توقف الشاب الأشقر فجأة، نظر إليّ نظرة جانبية وقال:
“أنت جديد، لذا يجب أن تعرف القوانين قبل أن تُسحق.”
توقفت أنا أيضًا، أنظر إليه باستغراب، فابتسم ابتسامة خفيفة بلا دفء وأكمل:
“العبيد هنا ليسوا سواسية، هناك رتب… وكل رتبة تحدد مصيرك.”
رفع أصبعه وعدّ:
“أولاً: الخادم. وهو مثلك الآن، أدنى مستوى، يستخدم في الأعمال الحقيرة، التنظيف، التدريب غير المجدي، وكل ما يُهين الكرامة.”
تابع بصوت أكثر جدية:
“ثانيًا: نائب رئيس الخدم. هؤلاء يملكون بعض السلطة على الخدم الأدنى، يراقبونهم وينقلون الأوامر. لا يحظون بحرية، لكن على الأقل لا يُعاملون كالقمامة.”
أشار بيده إلى الأعلى وكأنه يرسم سلماً وهميًا:
“ثالثًا: رئيس الخدم. هذا شخص قوي، ذكي، ويعرف كيف يتصرف. له كلمة مسموعة حتى عند بعض النبلاء، لكنه يظل عبدًا بالنهاية. ومع ذلك، قليلون يصلون لهذا المنصب.”
توقف للحظة، ثم أكمل بصوت منخفض لكنه مليء بالتحذير:
“بعد ذلك تأتي مرحلة مختلفة تمامًا… إذا أثبت العبد نفسه في القتال، يمكنه أن يصبح فارسًا متدربًا. هنا يبدأ الأمر الحقيقي.”
تقدمت خطوة نحوه وسألته:
“فارس متدرب؟ هل هذا يعني الحرية؟”
ضحك بسخرية، وقال ببرود:
“حرية؟ لا، هذا يعني أنك تصبح لعبة حرب بين أيديهم. يستخدمونك في ساحات التدريب، في القتال ضد بعضكم البعض، وفي النهاية قد تموت دون أن يسألك أحد عن اسمك.”
شد قبضته على سيفه وقال:
“لكن… بعض الفرسان المتدربين الذين نجوا من تلك المرحلة أصبحوا مقاتلين مرعبين، وفرضوا احترامهم حتى على السادة. لكن الثمن… حياتك نفسها.”
كلماته غرست في قلبي خليطًا من الخوف والإصرار.
(عبد بين العبيد… هذا الجسد ضعيف… لكن ربما هذه البداية هي فرصتي.)
وصلنا إلى ساحة تدريب أكبر، حيث ينتظر عشرات العبيد بداية يوم جديد مليء بالدماء والعرق.
الشاب الأشقر التفت إليّ أخيرًا وقال:
“اسمي لوكاس. إذا أردت أن تعيش، فاستمع لما أقوله جيدًا… ولا تدع أحدًا ينتبه إليك أكثر من اللازم.”