39 - نية القتل غير المتوقعة

دون أن يشعر أحد، مرَّت الحصة بسرعة، حيث كان شرح مي للدرس جذّابًا وممتعًا، لكن هذا تمَّت مقاطعته عندما انطلق جرسٌ معلنًا نهاية الحصة.

"حسنًا، هنا نتوقف اليوم عند هذا الحدّ من الشرح، وغدًا نكمل بقية الدرس."

كان صوتها لطيفًا، بينما ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجهها، خاصة عندما رأت أن شرحها قد جذب الطلاب. وباعتبار أن هذه أول حصة لها في طريقها المهني، كانت متوترة رغم أنها أخفت توترها بنجاح، لكن قلبها ظلّ يخفق بسرعة، خصوصًا أن هذا الفصل يجمع عباقرة، وعلى رأسهم الوحش «أريس».

لكن عندما مرّ هذا الدرس بسلام، شعرت بسعادةٍ خفيفةٍ تدفأ قلبها.

هكذا انتهى الدرس الرئيسي، وبدأ الطلاب يتجهون نحو دروس مساراتهم المهنية؛ كلٌّ حسب فئته، فمستعملو الهالة في صفٍّ، ومستخدِمو القوة السحرية في فصلٍ آخر.

كان «أريس» يسير في المقدمة، بينما كانت «ماي» و«كيرا» على يمينه ويساره، وقد تركوا خلفهم «سكار»، «بوفو»، «سين»، وإخوته و«نيجي».

"زعيم، ما هي الدروس الاختيارية التي سوف تأخذها؟"

تكلّمت كيرا وهي تنظر إلى أريس بعيونٍ مليئةٍ بالحماس والإعجاب.

فبعد أن سحق أريس جميع خصومه، ازداد إعجاب كاي وكيرا به كثيرًا.

ابتسم أريس قليلًا، وتكلّم بهدوءٍ يشبه صفاء بحيرةٍ في صباحٍ بارد:

"سوف آخذ دروسًا في الكيمياء واللغات القديمة، وأنتم؟"

"لم نحدّد بعد، لكن لماذا اخترتَ هذه الدروس الثلاثة؟ تبدو مملّة!"

أجاب كاي وهو يميل برأسه، حيث شعر أن هذه الدروس لا تفيد بشيء. حتى كيرا، التي كانت أذكى منه، لم تفهم سبب اختيار أريس.

"حسنًا، سأشرح لكم ذلك. في درس الكيمياء سأتعلم صنع الجرعات، وفي الفيزياء والرياضيات سأقوّي فهمي، أما في اللغات القديمة فسأدرس لغة الحضارات الغابرة."

"لكن أليست الكيمياء يستطيع السحرة فقط فعلها؟"

تكلّمت كيرا بسرعة، وكان معروفًا أن الكيمياء تحتاج إلى طاقةٍ سحرية.

"نعم، لكن من قال إنني سأصنع جرعاتٍ متقدمة أو أدواتٍ كيميائية؟ سأكتفي بجرعاتٍ بسيطة، مثل علاج السموم أو صناعة الفخاخ."

"وماذا عن اللغات القديمة؟ ما فائدتها؟"

تكلّم كاي وهو يفرك رأسه بخفة، وعيناه تلمعان بالفضول.

"حسنًا، لأنني بعد التخرّج سأصبح مرتزقًا، أتجوّل في العالم بحثًا عن الأسرار وأستكشف المجهول، كما أنني سأسعى في هذه الرحلة لأكون أقوى كائنٍ سار على الأرض."

كان صوته هادئًا كصفحة الماء في ليلةٍ بلا رياح، ونظراته تحمل بريق طموحٍ لا يُطفأ.

نظر كاي وكيرا إلى بعضهما البعض، ثم تكلّما في نفس الوقت:

"سوف نختار نفس دروسك أيها الزعيم!"

كان صوتهما مزعجًا، حتى أن «سكار» والبقية في الخلف سمعوه، والتفت إليهم بعض الطلاب بنظراتٍ غريبةٍ وابتساماتٍ خفيفة.

"كم مرة قلتُ لكما ألا تتحدثا في نفس الوقت؟ وأيضًا لا يجب أن تتبعاني في كل شيء."

"ماذا؟ أيها الزعيم، ألا تريدنا معك في رحلتك؟"

تكلّما مجددًا في نفس الوقت، مما جعل أريس يضغط على جبهته بانزعاج، وتنهد بعمقٍ كأنه يحاول كتم ابتسامةٍ صغيرة.

"لم تفهما كلامي. ما أقصده هو أن تختارا دروسًا تحبّانها."

"أوه، هذا قصدك!"

ظهرت عليهما ملامح الفهم بسرعةٍ محرجةٍ بعض الشيء، بينما أطلق كاي ضحكةً خافتة وكيرا غمزت بخجلٍ بسيط.

تركهم أريس واستمر في التقدّم، وطرف فمه مرتفعٌ قليلًا.

أمّا سبب اختياره لتلك الدروس، فببساطة لأنه يمتلك لقب «متدرّب كيمياء»، كما أنه فارسٌ سحري يمتلك طاقةً سحريةً فريدة. أمّا اللغات القديمة، فهي مفتاح بحثه عن أصل طاقة الفوضى في حضاراتٍ غارقةٍ في ظلام الزمان.

كانت خطواته هادئة، وصوتُ احتكاكِ حذائه بالأرض يُصدر صدىً خافتًا في الممرّ، بينما عبقُ الحبر والورق الممزوج برائحة الخشب القديم من الفصول المجاورة يملأ الجوّ. امتزجت تلك الرائحة بعبيرِ الخريفِ الذي بدأ يقترب، حاملاً معه نسماتٍ باردةً تُداعبُ وجنتيه برفق، وتحرّك أطرافَ شعره بخفّةٍ كأنها همسُ الطبيعة له.

كانت أوراق الأشجار في الخارج تتساقط ببطء، تتراقص في الهواء كراقصاتٍ يودّعن صيفًا راحلًا.

هكذا مرَّ اليوم، حيثُ حضر «أريس» حصة تدريبٍ على استخدام الهالة مع باقي الطلاب. وبسبب قلّة عدد المشاركين، تمَّ دمج الفصل التاسع مع الفصل العاشر.

لكن لم يكن هناك أحدٌ يلفت الانتباه، وأعلى موهبةٍ بينهم كانت بدرجة A.

اعتمد تدريب الفرسان على القوة الجسدية، وخضعوا لتمارين قاسية.

كان المدرّب رجلاً أصلع، مفتول العضلات، يحمل العديد من الندوب على وجهه، يُدعى ماكس.

بعد يومٍ كاملٍ من التدريب، لم يفعلوا فيه شيئًا سوى الركض كالمجانين حول الميدان، لدرجة أنّ بعضهم أغمي عليه من شدّة الإرهاق.

مع انتهاء التدريب، اتجه الجميع نحو مطعم الأكاديمية، يسيرون بخطواتٍ متثاقلة. وبينما كان «أريس» في طريقه، انضمَّ إليه «بوفو» وهو يمسح العرق عن جبينه قائلاً بصوتٍ عالٍ كعادته:

«هيه، أريس! أين زجاجة النبيذ التي وعدتني بها؟ لا تقل لي إنك نسيت!»

ابتسم أريس بخفّة، دون أن يلتفت إليه فورًا، ثم قال بنبرةٍ هادئة:

«لا، لم أنسَ. لكن السوق الداخلي للأكاديمية لا يفتح إلا في نهاية الشهر، عندها سأشتري لك واحدة.»

رفع بوفو حاجبه بخبث وهو يضحك:

«هاه، سأذكّرك كل يوم إذًا، حتى لا تتظاهر بالنسيان.»

«كما تشاء،» ردّ أريس بابتسامةٍ جانبية، ثم أضاف بنبرةٍ مازحة:

«لكن لا تلومني إن اضطررتُ لشربها قبلك.»

ضحك بوفو بصوتٍ عالٍ جعل بعض الطلاب يلتفتون نحوهما، ثم انضمَّ إلى المجموعة المتجهة نحو المطعم.

في داخل المطعم، كان المكان يعجّ بالحركة والضحك، بينما كانت عيونٌ كثيرة تقع على «أريس». بدأ بعض الطلاب يتهامسون فيما بينهم:

«إنه أريس...»

«أجل، إنه أكثر وسامة من البث المباشر...»

بعد تناول الطعام، انفصل الجميع، حيث اتجه أريس نحو مختبر الكيمياء، وهناك قابل إديسون وأريل.

ظلّ كلاهما ينظران إليه بشدة، لو كانت عيونهما تحمل أشعةً، لذاب جسده من شدّة التحديق.

كان هذا أول يومٍ دراسيٍّ عاديّ، حيث إن الأكاديمية «القلب» كانت دروسها تمتدّ لخمس ساعات: ساعتان للدرس الرئيسي، وساعتان للتدريب، وساعة للدروس الاختيارية.

لم يعد أريس مباشرة، بل اتجه نحو المكتبة التي كانت مكوّنة من ثلاثة طوابق.

الطابق الأول كان مفتوحًا للجميع، حيث توجد فيه جميع أنواع المعرفة العامة، ويمكن لأي طالب دراستها ودخوله بحرية.

أما الطابق الثاني، فكان يحتوي على كتبٍ خاصة تضمّ أنواعًا كثيرة من المعارف حول كل شيءٍ تقريبًا.

وفي الطابق الثالث، لم يكن أريس يعرف ما يوجد بداخله، لكنه سمع في حياته السابقة أن هناك أعظم عشرة كتبٍ في العالم، وما تحتويه تلك الكتب لا يزال مجهولًا تمامًا.

عندما دخل أريس المكتبة، كان المشهد أمامه كبحرٍ واسعٍ من الرفوف المليئة بالكتب.

رائحة الورق القديم الممزوجة بخشب الأرفف والجوّ البارد الخافت جعلته يشعر وكأنه دخل عالَمًا آخر.

كانت هناك سبعمئة رفٍّ تقريبًا، وكل رفٍّ يحمل ثلاثمئة كتاب، بينما الطلاب يتحركون بهدوءٍ بين الممرات؛

بعضهم يختار الكتب، وآخرون يقرؤون في أركانٍ خاصة، والصمت يخيّم على المكان، لا يُسمع سوى صوت تقليب الصفحات وهمسات الأوراق.

سجّل أريس اشتراكًا في المكتبة مقابل مئة نقطة، ما سمح له باستعارة أي كتابٍ والدخول والخروج في أي وقتٍ يشاء.

ثم اتجه بسرعة نحو ممرّ الرفوف رقم 430، حيث كانت توجد كتبٌ عن صحراء اليأس.

اختار كتابًا واتجه نحو طاولةٍ خشبيةٍ قديمةٍ، وجلس عليها وبدأ في القراءة.

كان عنوان الكتاب «رحلة في صحراء اليأس»، وكان يتحدث عن قصة فريقٍ من المغامرين قرروا عبور الصحراء وكشف حقيقتها.

لكن أريس لم يكن يهتم بالقصة نفسها، بل كان يبحث عن معلوماتٍ دقيقة.

ورغم أن أحدًا لم يتمكّن من كشف أسرار الصحراء، إلا أنه كان يعلم أن كل بحثٍ و تدقيق في مختلف الكتب قد تجمع له خيطًا يقوده إلى فهم أمورٍ خاصة، خصوصًا أنه ستكون له رحلةٌ فيها يومًا ما.

أخرج أريس دفتر ملاحظاتٍ وقلمًا، وبدأ يقرأ بتركيزٍ، وكلما وجد شيئًا مثيرًا أو مفيدًا، دوّنه بعنايةٍ بلغةٍ مشفّرةٍ كان هو مخترعها، رغم أنه سيضعها في مستودع النظام، إلا أن الاحتياط واجب.

قضى بقية يومه هناك يقرأ حتى حلّ الليل، وطلب استعارة الكتاب ليكمله لاحقًا.

بعد العشاء، كان أريس يسير بهدوءٍ نحو القصر الذي يعيش فيه.

الهواء البارد حمل معه نسيمًا خفيفًا برائحة الأعشاب المبللة، والقمر بدأ يختفي تدريجيًّا، كأن قطعةً منه قد التُهمت،

بينما النجوم القليلة في السماء بدت وكأنها تراقب العالم بصمتٍ حزين.

شعر أريس برعشةٍ تسري في جسده من البرد، ويداه تنغلقان تلقائيًّا على عباءته.

فجأة، توقّف في مكانه، والأشجار من حوله تتمايل مع الرياح بصوتٍ يشبه الهمس.

قال بصوتٍ باردٍ كالجليد:

> "اخرج... أعتقد أنه سيكون جيدًا لك."

لم يأتِ أيّ ردّ.

ثم في لحظةٍ واحدة، انفجر ضغطٌ خانق، مزيجٌ من نيّة قتلٍ قاتمةٍ وهالةٍ حادّةٍ تحمل أثر سيفٍ قويّ،

ضغطت على صدر أريس حتى شعر بأن الهواء يختفي من رئتيه.

صرخت غريزته في أعماقه: خطر! اهرب!

تدفّق العرق البارد على ظهره، لكنه لم يتحرك للخلف.

الهروب؟ سيكون مهزلةً بعد أن قاتل ملك الشياطين «أنتاريس» دون أن يفرّ.

بسرعةٍ، تحرّك مستخدمًا تقنية «خطوة الشبح»، لتظهر عدّة نسخٍ منه متوزّعةٍ في أماكن مختلفة.

أخرج خنجر الليل، الذي لمع معدنه الأسود تحت ضوء القمر الشاحب.

2025/10/24 · 47 مشاهدة · 1306 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025