كانت السماء سوداء مرصَّعة بالنجوم، والقمر يرقب العالم من علوٍّ، كأنه فستان ترتديه الأرض في ليلةٍ باردةٍ هادئة.

كلّ شخصٍ كان يفعل ما يشاء؛ من يتدرّب، ومن يشرب، ومن يغطّ في نومٍ عميق.

في ذلك الوقت، كان «أريس» يسير نحو الحمّام بعد انتهائه من التدريب، جسده يقطر عرقًا، وعضلاته مشدودة من الجهد.

تساقطت قطرة ماءٍ باردة على جسده عند ملامسة الماء له، فأزالت كلَّ عرقٍ وأوساخ، كما لو أنّها تطرد التعب من أعماقه.

بعد انتهائه من الاستحمام، لفَّ منشفة حول خصره وخرج ببطء، والماء يتساقط من جسده على الأرض الرخامية، تاركًا خلفه آثار أقدامٍ رطبةٍ وقطراتٍ متتابعةٍ تشكّل خطًّا لامعًا تحت ضوء القمر المتسلّل من النوافذ العالية.

كان يسير في الممرّ الطويل بخطواتٍ هادئة، لم يلتفت إلى الخلف ولو لمرةٍ واحدة، وكأنه يمشي في طريقٍ لا عودة منه.

لكن في ذلك الهدوء، كانت هناك رغبةٌ خافتة تلمع في عينيه… رغبةُ انتقامٍ باردةٍ تتصاعد من أعماق قلبه.

تمتم بصوتٍ منخفضٍ يحمل نغمة ازدراء:

"أعتقد أنّني منحتهم فترةً طويلةً كفايةً ليتنفّسوا بعض الهواء... لكن يبدو أنّ الوقت قد حان لأتخلّص منهم، فأنا لا أطيق الهواء الذي يتنفسونه معي."

أخيرًا، بدأ «أريس» يفكر في بداية انتقامه، وقد اختار أول هدفٍ له بالفعل.

"أسبوعٌ واحد... هذه هي الفترة قبل أن أبدأ. سأجعلهم يرون ما الذي يمكن أن يخرج من ظلٍّ و يتجسّد ككائنٍ حيٍّ بنفسه."

نظر عبر النافذة نحو الحديقة المضيئة بأشعة القمر الفضية، ثم رفع بصره نحو القمر ذاته، قبل أن تلمع عيناه بلونٍ أرجوانيٍّ داكنٍ يشبه ظلام ثقبٍ أسودٍ يبتلع العالم بأسره.

رفع يده بهدوء، بينما تساقطت قطرة ماءٍ باردة من خصلات شعره الرمادي، وفجأة تجمّعت حول كفّه هالةٌ مظلمة.

لم تكن هالة سحرية أو طاقة مانا... بل كان الظلام نفسه، يتراقص مثل ألسنة لهبٍ سوداء، لكنها باردة، تحمل إحساسًا خانقًا وقدرةً رهيبةً على الشفط.

"هذه القدرة... بعد إنشاء عالم الظلام. إنها تبتلع كلَّ شيءٍ مهمٍّ كان."

حتى الهواء من حوله بدأ يُشفَط بهدوء، وانخفضت درجة الحرارة قليلاً.

ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ باردة، لا تحمل سوى الموت والظلام.

استدار بعدها بخطواتٍ هادئة، واتجه نحو غرفته بينما تلاشى الظلام من كفّه شيئًا فشيئًا، كما لو أنه لم يكن موجودًا أصلًا.

هكذا مرَّ الليلُ، ومع حلول الصباح، أشرقت الشمس معلنةً يومًا جديدًا مفعمًا بالحيوية والنشاط.

بدأت الأكاديمية بالعمل كقلبٍ نابضٍ من الحماس؛ الطلاب يتناولون الطعام في مطعم الأكاديمية، وبعضهم يركض في الساحات للتدريب، وآخرون ما زالوا نصف نائمين.

في تلك الأثناء، كان «أريس» يتناول فطوره في قصره الفخم، بعد أن طلب من «ألفريد» إحضاره إليه شخصيًا.

كان عبير الطعام الدافئ يملأ القاعة، ورائحة الخبز الطازج تمتزج مع نكهة القهوة السوداء.

جلس أريس بهدوء يتفقد نقاط الأكاديمية على اللوح أمامه.

لقد حصل على 12,000 نقطة، ومع الألف التي كانت بحوزته، أصبح يملك 13,000.

أما النقاط التي ربحها من البثّ المباشر فكانت 45,000، بعد أن أخذ «باين» نسبة 10%، ليصبح المجموع الكلي لأريس 58,000 نقطة.

ارتفعت شفاه أريس قليلًا بابتسامةٍ خفيفة، وقال بصوتٍ منخفضٍ وهادئ:

"حقًا... لم يكن خطأ عندما يقولون إن الحرب أسهل طريقٍ للثراء، لكن يجب أن تحذر من الدوامة التي تصنعها بنفسك. ما رأيك، ألفريد؟"

تقدّم «ألفريد» خطوة إلى الأمام بانحناءةٍ خفيفة، وقال بهدوءٍ واحترام:

"معك حقّ، سيدي... لكن نتيجة ذلك أنك أصبحت أقوى."

أغلق أريس عينيه للحظةٍ قصيرة، ثم فتحهما بابتسامةٍ هادئةٍ خاليةٍ من مشاعر:

"ألفريد... هذه لغة الضعفاء والجبناء، لأنهم لا يريدون تغيير أنفسهم."

كان صوته باردًا كصوت الريح، ونظرته حادّة كحدّ السيف، تحمل في طياتها شيئًا من الظلام الذي بدأ يتشكّل داخله.

عندما رأى ألفريد تلك النظرة الخالية من المشاعر، شعر بتوترٍ شديد، وارتعش جسده لا إراديًا، إذ بدا له أن كل أسراره مكشوفة أمام أريس.

لم يهتم أريس بأمره كثيرًا، ففي النهاية هو رجلٌ عادي، حتى لو تلقّى تدريبًا احترافيًا، سيظل يفكر من منظوره هو، لا من منظور الأقوى.

استمر أريس في تناول طعامه بهدوء، ولم يكن هناك أي صوتٍ في القاعة سوى صوت أنفاسه ومضغ الطعام.

سرعان ما أنهى أريس طعامه، ونهض تاركًا ألفريد الذي ما زال متجمّدًا في مكانه كأنه تمثال من حجر.

وبعد أن رحل، تنفّس ألفريد بعمقٍ كمن تحرّر من ضغطٍ ثقيل.

قال محدّثًا نفسه:

"إنه حقًا مختلف عن جميع الطلاب الذين مرّوا على الأكاديمية، كما أن شعبيته أصبحت كبيرة."

صفّق بيديه، فدخل صفٌّ من الخادمات لجمع أطباق الطعام من على الطاولة.

صرخ قائلاً بنبرةٍ حازمة:

"هيّا أسرِعن بإنهاء العمل، فبقيّة اليوم ملكٌ لكم"

بدأ الجميع في التحرك بسرعة، حتى هو أيضًا كان يريد العودة إلى منزله للعب مع حفيدته.

عندما تذكّرها، ارتسمت على وجهه ابتسامة سعيدة، وازدادت تجاعيد وجهه دفئًا.

تمتم مبتسمًا:

"تلك الطفلة ظلت البارحة تصرخ بأنها ستصبح مثل أريس..."

ضحك على نفسه، ثم هزّ رأسه طاردًا تلك الفكرة من ذهنه، فلم يستطع تخيّل حفيدته تتصرّف بأسلوبٍ باردٍ مثل أريس.

---

في الفصل...

عندما وصل أريس، كان الجميع هناك، وقد ضُمِّدت أماكن إصاباتهم.

رفعوا أنظارهم نحوه، وكانت عيونهم تحمل خليطًا من الغضب، والكراهية، والحزن، والاحترام.

لكن بطبيعة الحال، تلك المشاعر لم تكن تخص كاي ولا كيرا.

لم يهتم أريس بنظراتهم، واتّخذ مكانه بهدوء.

وقبل أن يتكلّم أحد، دخلت "مي" إلى الفصل، ووقفت خلف المكتب.

قالت بصوتٍ واضح:

"حسنًا، هذا أول يومٍ دراسيٍّ لكم، لكن قبل أن نبدأ، أتمنى أن يكون الجميع قد شُفي من إصاباته وتعلّم من تلك النزالات... أريس، هل لديك كلمات قبل أن نبدأ؟ باعتبارك رئيس الفصل؟"

تكلم أريس من مقعده، بصوتٍ هادئٍ وحازم:

"أولًا، لستُ مهتمًا بمشاعركم نحوي، لكن عليكم وضع هذا في عقولكم: أوامري هي قواعد هذا الفصل بعد أوامر الأستاذة مي.

كما تعلمون، هناك تقييم في الأكاديمية للفصول، ولا أريد فصلي في الأسفل. لذا، لا أريد منكم أي تهاونٍ أو تراخٍ بسبب رغبةٍ في الانتقام."

توقّف للحظة، ناظرًا إلى وجوههم الخالية من التعبير، حتى يستوعبوا كلامه، ثم تابع:

"لذلك، سأضع جدول تدريبٍ جماعي للفصل. أعلم أنكم غير راضين عن نتائج القتالات، لكنني سأمنحكم فرصة: كل ثلاثة أشهر، وقبل عطلة الأكاديمية، يمكن لأيٍّ منكم أن يخوض نزالًا معي لأخذ مكاني، لكن بشرط و هو نفس قاعدة قديمة ألف نقطة ،هذا كل ما لدي."

اشتعلت مشاعر الغضب في البداية داخل الطلاب، لكن بعد سماع كلماته الأخيرة، خمدت تلك النيران تدريجيًا.

نظر كل من خسروا إلى بعضهم البعض، وارتسم الهدف ذاته في أعينهم — سحق ذلك المغرور بعد ثلاثة أشهر.

أما "مي"، التي شاهدت كيف حوّل أريس الموقف لصالحه، وكيف جعل من نفسه هدفًا لدفعهم نحو العمل بجدية، فقد ابتسمت بارتياحٍ خفيف.

لكنها لم تستطع تجاهل إحساسٍ داخلي يقول إنها تحتاج إلى حديثٍ خاص مع أريس حول أسلوبه الفظ في الكلام.

قالت بعد أن عدّلت وقفتها:

"حسنًا، لنبدأ الدرس الأول، وهو حول الـ«مانا».

كما تعلمون، سواء كنتم فرسانًا أو سحرة، فنحن نستخدم تقنيات التأمل لتحويل المانا إلى هالةٍ أو طاقةٍ سحرية.

وذلك لأن الكائنات الحية لا تستطيع احتواء المانا نفسها، لأنها جزءٌ من الكون ذاته، لذلك..."

هكذا انغمس الجميع في الدرس، واستمعوا إلى "مي" بانتباهٍ عميق.

كانت تسأل، فيجيب الطلاب، ثم يسألونها هي فتجيبهم.

تحوّل الدرس إلى حوارٍ حيٍّ مليء بالحيوية، أشبه بجلسة أصدقاءٍ تحت ظل شجرةٍ في نزهةٍ ربيعية.

أسلوب "مي" في الشرح كان يجمع بين التحاور، وتبادل وجهات النظر، وتبسيط المفاهيم، وتقديم الأمثلة بأسلوبٍ سحريٍّ ممتع، مما جعل الفهم سلسًا وسهلًا حتى لأضعف الطلاب.

وقد امتلأت القاعة برائحة الورق الجديد، وصوت أنفاس الطلاب المتناغم مع وقع كلماتها الهادئة، بينما تساقط ضوء الشمس من النوافذ ليعكس لمعة العيون المليئة بالشغف، معلنًا بداية يومٍ جديد في حياة الفصل.

2025/10/22 · 55 مشاهدة · 1147 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025