الفصل 1181: الجيوش الثلاثة
صعد ساني إلى سطح المدرعة (APC) وحدّق في السهل الممزّق لشرق القارة القطبية الجنوبية، الممتد في كل اتجاه إلى مدى البصر.
كان بوسعه أن يرسل ظلاله لترى بدلاً منه، لكن في مثل هذا اليوم، أراد أن يراها بعينيه هو.
الأرض كانت رمادية، والسماء العاصفة رمادية كذلك. جداول المياه الضحلة والبحيرات البعيدة كانت داكنة، تشبه الرصاص. بدا العالم وكأنه قد غرق في صمت مميت، أشبه بمفترس يستعد للانقضاض على فريسته. كان الهواء مشبعاً بتوتر خانق.
أمامه، وعلى مسافة، ظهرت نقطة استيطان مهجورة، مائلة وقد تمزّقت جدرانها المعدنية. أمام الحصن المقفر كان يتلألأ شق أسود بشع، بوابة كابوس تنضح بالظلمة، وقربها، غير مبالٍ بالهمسات الجنونية للنداء، جلس شخص صغير القامة على الأرض.
كان من الصعب تمييز ملامح ذلك الشخص من هذا البعد، إلا أن ما بدا واضحاً أنه إنسان.
…ومن ثلاثة اتجاهات كانت ثلاثة جيوش تستعد للتقدّم.
عشيرة فالور العظمى، وعشيرة سونغ العظمى، والقوة الحكومية التي جُمعت على عجل لتكون وسيطاً في محاولة الوصول إلى تسوية… بجهد وقليل من الحظ – أو من سوء الحظ، حسب وجهة النظر – وصلوا جميعاً إلى بوابة الكابوس في اليوم نفسه.
ثم من يدري… ربما كان الأمر جزءاً من حسابات جنونية. فالبوابة تقع على الحدود الفاصلة بين أراضي العشيرتين، ولم يعد شيء ليفاجئ ساني بعد الآن.
كان ما يزال مع فرقة الحرب التابعة لعشيرة فالور. المقاتلون المستيقظون قد نزلوا بالفعل من وسائل النقل، وبدأوا يصطفون في تشكيل قتالي صامت. من سيقاتلون على الأقدام اصطفوا في المركز، ومن ركبوا مَطايا "إيكو" احتلوا الجناحين. وخمسة أشخاص تقدموا أمام ذلك الصف غير المتماسك: مورغان، مادوك، نيفيس، القديسة تايريس، وفارس الصيف.
وعلى الجانب المقابل كان هناك جيش أكبر بكثير. لم يكن ساني يرى تفاصيله بوضوح، لكنه كان يعلم أن "سيدة الوحوش"، و"المتعقبة الصامتة"، و"الناب المرعب"، و"سيشان" هم من يقودونه. وخلفهم وقف مقاتلو عشيرة سونغ… يحيط بهم بحر من مخلوقات الكابوس المستعبدة. لا تُحصى أعدادها، واقفة في جمود، كأنها متحجرة.
كان من المرعب والمقزّز رؤية تلك الوحوش المقيتة تتصرّف بخضوعٍ وطاعة.
أما القوة الحكومية فكانت الأصغر بفارق شاسع، لا يزيد عددها عن مئة مستيقظ تقريباً. ورغم أن المسافة كانت بعيدة لرؤية وجوههم، إلا أن ساني أحسّ بتيار من القلق والرهبة يتدفّق من تشكيلهم الصغير.
ولهم الحق.
فليس فقط أن السهل قد يتحوّل ساحة معركة في أي لحظة، بل إن النقطة الاستيطانية المهجورة – وبوابة الكابوس أمامها – تقع في عمق أراضي صيد أحد جبابرة الفساد. ذلك الكائن لم يظهر بعد، لكن لا ضمانة أنه لن يأتي قريباً، منجذباً لرائحة الأرواح البشرية ودمائها المسفوكة.
"يا له من كارثة."
كان ساني ممتلئاً بالكراهية تجاه العشيرتين العظيمتين… كراهية استحقوها بجدارة. فقد قتل بيديه الكثير من أفراد سونغ وفالور، سواء عبر التخريب أو المواجهة المباشرة. ومع ذلك، لم يكن سعيداً برؤيتهم يستعدون لذبح بعضهم.
لكنه لم يكن حزيناً أيضاً. فقط… مستسلماً.
في النهاية، لم يكن ثمة مكان لمشاعر عقيمة الآن. عليه أن يقسو على نفسه ويتهيأ لفعل ما يجب فعله.
لم يتحرك أي من الجيشين بعد. الريح كانت تشتد، والشخص الوحيد أمام بوابة الكابوس ظلّ ساكناً، وكأنه يدعوهم للاقتراب.
بعد حين، تقدّم عدة أشخاص من تشكيل المستيقظين الحكوميين وساروا للأمام. وكأنها إشارة، خطت مورغان خطوة بدورها، وتبعها قادة فالور الآخرون. وبعد لحظة تردد، قفز ساني من على المدرعة وأسرع ليلحق بهم.
وأثناء مغادرته التشكيل، ألقى نظرة على كاسي التي بقيت في الخلف، تحرسها فارسان من فالور. بدت الفتاة العمياء هادئة، لكنه رأى يديها ترتجفان قليلاً.
تركها خلفه، ثم لحق بمورغان والباقين. نيفيس وتايريس نظرا إليه بملامح عصية على الفهم، بينما الأميرة نفسها بدت مسرورة بمشاركته في التفاوض.
"المعلم صنلس… يا لها من لياقة أن تنضم إلينا."
رمقها ساني بنظرة مظلمة وهز كتفيه.
"حسناً، مديري هناك. ماذا عساني أن أفعل غير هذا؟"
قهقهت مورغان، غير عابئة بأن اليوم قد يكون آخر أيامها وأيام رجالها.
بل على العكس… بدت متحمسة تقريباً.
"بالفعل. وما رأي عميل الحكومة مثلَك في هذا الموقف؟"
تجهّم ساني.
"أولاً، لستُ عميلاً حكومياً. أنا فقط تطوّعت بخدماتي لجيش الإجلاء طوال حملة القارة القطبية الجنوبية. ثانياً… أعتقد أنكم جميعاً فقدتم عقولكم."
كانت لديه أفكار كثيرة حول ما يجري، لكنها جميعاً انحصرت في استنتاج واحد: أنه ما يزال لا يفهم بوضوح دوافع العشيرتين. من وجهة نظره، هذه الحرب الحقيرة جنون خالص.
…وذلك يعني الكثير، قادماً منه هو.
حتى لو أخذ برغبة السادة السياديين في توسيع نطاق سيطرتهم، فما زالت أشياء كثيرة لا معنى لها. توقيت الصراع، الاستراتيجيات المهدرة، الاستعجال المفرط في أفعالهم – لا فالور ولا سونغ يتصرفان على نحو طبيعي. لم يكونوا حمقى، إذاً…
فلا بد أن شيئاً ما قد أصاب عقولهم.
ابتسمت مورغان.
"فقدنا عقولنا؟ آه، أفهم. أظن أنه يبدو كذلك فعلاً من الخارج."
ثم اختفت ابتسامتها، وحل محلها برود قاسٍ.
"لكنني أؤكد لك. العالم هو من جنّ، لا نحن."
بعد تلك العبارة الغريبة، لم يعد هناك وقت للكلام.
اقتربوا من بوابة الكابوس، وأخيراً رأى ساني من كان ينتظر في ظلها.
كان شاباً نحيلاً مرتدياً درعاً داكناً، بشرة شاحبة وشعر حالك كسواد الغراب. وجهه حاد ونحيل… ليس وسيماً تماماً، لكنه في الوقت ذاته فاتن وغريب الجمال.
أما أكثر ملامحه بروزاً فكانت عيناه، اللتان لم يكن لهما لون ثابت، بل تعكسان العالم من حولهما كسطحين من فضة سائلة.
كان موردريت جاثياً على الأرض، تعابيره هادئة ورصينة. وما إن لاحظ المبعوثين يقتربون حتى نهض ببطء وحدّق بهم ببرود مكثف.
كان ساني يتوقع ابتسامة مألوفة ترتسم على شفتي "أمير اللاشيء"، لكن موردريت ظلّ جامداً بشكل غريب.
ثم أخيراً، ارتفع جانب من فمه بابتسامة مظلمة، بلا فرح.
"لقد وصلتم أخيراً."
.................................
.................
........
في النهاية اتمنى تكونوا استمتعتوا بالفصل
واتمنى لو في خطا في الترجمة توضحولي في التعليقات واتمنى تشجعوني وتدعموني عشان اكمل القصه
⚡ANORAK