كان صني مضطرًا للموت، لكنه لم يستطع السماح لنفسه بأن يُقتل.

كان عليه أن يكون هو من ينهي حياته بنفسه...

لكن قول ذلك أسهل من فعله.

فبعد كل شيء، كان صني بارعًا في البقاء على قيد الحياة رغم كل الظروف. روحه كانت واسعة وعنيدة، وجسده كالحصن المنيع. يمكنه تحمّل قدر لا يُصدق من الألم، ويُشفى بسرعة تخطف الأنفاس. وحتى إن توقف قلبه عن النبض لسبب ما، فثمة احتمال كبير بأنه سيتمكن من النجاة بمجرد أن يُجبر دمه على الجريان من تلقاء نفسه.

لهذا السبب، غرز صني خنجرًا مظلمًا في صدره... الثعبان. النصل القاتل الذي يُجسّد الموت ذاته.

اتسعت عيناه حين اخترق النصل البارد قلبه. انتشر ذلك البرود في لحظة، متغلغلًا في كامل كيانه... ساحبًا إياه للعدم، ومُبطئًا أفكاره.

كان مؤلمًا بوحشية، لكن الألم تضاءل أمام الإدراك المفزع لما فعله.

’أنا...’

شعر بذلك. الموت قادمٌ لينتزع ما كان يومًا إنسانًا... ما كان هو. شعر بضعف جسده، وانهيار روحه، وتحوّلت رؤيته إلى السواد. كانت هذه النهاية، ولا مفر منها. لا حيلة يمكن استخدامها، ولا استراتيجية ذكية يمكن أن تنقذه.

نهائية كل شيء — واللاشيء الأبدي الذي ينتظره — أرعبت صني في اللحظة الأخيرة.

لكن على الأقل، كان الموت سريعًا ورحيمًا.

لم يشعر حتى بعذاب الاحتراق بالنور الساطع... فقط رأى ذراعيه تنهاران إلى رماد، كما لو أنه يشاهد شخصًا آخر يختفي من الوجود عن بُعد.

’آه...’

تنفّس آخر زفراته، لتغدو شفتاه صامتتين إلى الأبد.

تمايل جسد لورد الظلال الراكع، ثم سقط.

لكن جسده لم يمس الأرض أبدًا، بل تحوّل إلى سحابة من الرماد قبل أن يصلها. وتفرّق الرماد بفعل الريح.

آخر ما انهار كان اليد التي تمسكت بسيف أنفيل، رافضةً التخلي عنه حتى اللحظة الأخيرة.

وسرعان ما لم يتبقَ من لورد الظلال المخيف سوى القناع الأسود الذي سقط على الأرض، مستلقيًا هناك، كئيبًا، يحدق إلى السماء بعينين مظلمتين فارغتين.

...وظلّه.

***

كان هناك بحيرة ساكنة، صامتة، تغتسل بظلام سبعة شموس بلا نور.

معبد عظيم من الرخام الأسود يعلو فوق الماء الداكن، مليء بالفراغ.

حشود من الظلال الصامتة أحاطت بالمعبد، واقفة فوق سطح البحيرة الساكنة دون حركة، تحدق بنظارات ميتة نحو صرح المعبد العتيق.

كما لو أنه يتنتظرون شيئًا ما.

لم يقطع سكون البحيرة المظلمة شيء... حتى، فجأة، هبّت ريح باردة فوق سطحها.

فتموّج الماء الساكن...

ثم، دون سابق إنذار، شقّت صاعقة سوداء الظلام الساكن، نازلة من الأعلى لتضرب المعبد العظيم.

مرّت عبر بلاط السقف دون أن تعترضها عوائق، واختفت داخله.

وبمجرد انحسار اللهب الأسود، وقف ظل جديد وحيدًا في عتمة القاعة الكبرى الخالية.

كان ظل شاب نحيل، ملامحه جميلة وثابتة لا تتحرك.

عيناه مغمضتان.

بينما كانت الرياح الباردة تعصف فوق البحيرة الهائجة، والشموس السبع تحترق بنيران مظلمة فوقها، ظل الشاب صامتًا وساكنًا، تمامًا مثل حشود الظلال في الخارج.

لكن بعد ذلك، ارتعشت جفنتاه .

وحين فتح الشاب عينيه المعتمتين ببطء، بدا كما لو أن موجة من قوة غير مرئية انبعثت من المعبد، مخترقة الظلال الصامتة وجعلت البحيرة الشاسعة تهتاج. اشتعلت الشموس السبع الخالية من الضوء بإشعاع مظلم، وغلت المياه الساكنة.

كان هناك شيء يحدث لتلك الشموس السوداء، للبحيرة المعتمة... للامتداد الشاسع من الصمت المظلم ذاته. كما لو أنه يمر بتحوّل عميق، يبلغ أغوارًا لا يمكن تصورها.

بدا الشاب وكأنه يكسر القيود التي أبقته ساكنًا، فتحرّك قليلًا... ثم دبت فيه الحياة. نظر حوله ببطء، وكأنه يكتسب الوعي، ثم تنفّس بعمق.

ثم، سار عبر القاعة الكبرى للمعبد المظلم، ومرّ من بوابته.

واقفًا على أعلى درجات الرخام الأسود، نظر الشاب المذهل إلى حشود الظلال بعينين مظلمتين، باردتين، خاليتين من الضوء.

وكأنها تجيب على وجوده، تحركت الظلال التي كانت ميتة ساكنة أخيرًا.

التي كانت لها هيئات تشبه البشر ركعت. والتي كانت أشبه بالوحوش انخفضت لتلامس سطح الماء.

جميعها سجدت أمام الشاب، كما لو كانت تستقبل سيدها... ملكها.

سيّدها الأوحد.

نظر الشاب إليهم، ملامحه جامدة وباردة...

ثم ارتسمت ابتسامة شريرة على شفتيه الساحرتين.

’لقد نجح الأمر.’

أراد صني أن يضحك.

لقد فعلها. مات، ثم عاد من الموت.

وهذه المرة، دون أي مساعدة من ذكريات قوية، أو مياه النهر العظيم المتدفقة بلا نهاية.

لقد هزم الموت بقوة إرادته فقط...

بمعنى آخر، تحدى قانونًا مطلقًا، وصقل روحه حتى أصبحت سامية.

بالطبع، كان هناك خدعة صغيرة في الأمر.

لو قُتل صني، لكان ظله قد أُرسل إلى عالم الظلال، وهناك كان سيُحوّل إلى جوهر نقي بواسطة العالم، مما يعني محوه التام من الوجود.

لكن ظلال الكائنات التي قتلها صني بنفسه لم تكن تذهب لعالم الموت. بل تدخل إلى بحر روحه، وتنضم إلى صفوف ضحاياه السابقين.

لذا، عندما قتل نفسه، أرسل ظله إلى بحر روحه. لهذا السبب كان عليه أن يموت بسيفه، لا بسيف أنفيل... وهكذا استطاع أن يُجبر نفسه على العودة بدلًا من أن يُلتهم من قِبل عالم الظلال.

وعندما فعل ذلك، انكسرت الجدران التي منعته من بلوغ السموّ.

وتجلى نطاقه الوليد في الوجود.

نظرًا إلى حشود الظلال الساجدة، تنفّس صني ببطء.

’إذًا هذا ما كان يوريس يعنيه.’

تلك الظلال الصامتة...

كانت هي نطاقه.

لقد كان يبنيه طوال هذا الوقت دون أن يدري.

ويا له من نطاق قوي!

تحولت ابتسامته الشريرة إلى شيء أعمق... أكثر قتامة.

’حسنًا إذًا...’

رفع صني نظره.

كان هناك شخصٌ في الخارج... عليه أن يقتله.

وعلى ساحة المعركة المتصدعة، ارتجف القناع الأسود المخيف.

2025/04/08 · 94 مشاهدة · 805 كلمة
FURUTA
نادي الروايات - 2025