الفصل 61 - أبناء الشمس
كانت الساحة ميدان حرب، مسرحًا بدا وكأن مصير الكون يتدلّى فيه على خيط رفيع. الأرض ارتجّت تحت أقدام أولئك الذين قاتلوا، وكل خطوة منهم كانت صدى للعنف الذي اندلع لتوّه. لكن لوكاس ودارلين، على الرغم من الدماء التي لطّخت جسديهما، والكدمات التي خضّبت لحمهما، والتعب الذي نخر عظامهما كانا يسيران بكرامة لا يدّعيها إلا القليل.
مع كل خطوة، دوّى هدير الجماهير، أصواتهم كموجةٍ عارمة من التمجيد، تتعاظم مع كل لحظة..
أجسادهما كانت تجرّ نفسها، كأن وطأة المعاناة قد غُرِزَت في عضلاتهما ذاتها. الجروح، الكدمات، الدماء . لكنها لم تكن مهمّة. كانت وجوههما مشدودة بعزيمة صارمة، يحمل كلٌّ منهما فخرًا هادئًا. لقد نجا. لقد انتصر.
جلس سيمان عالياً في المدرجات، يراقب الاثنين، وتعابير وجهه مزيج من الانبهار وشيء أعمق قلق ربما، لكن أيضًا فخر لا يُنكَر. ارتسمت على شفتيه ابتسامة مشدودة بالكاد.
"لقد فعلاها"، همس لنفسه، كانت الكلمات أقرب إلى إعلان منها إلى مجرد فكرة. "رغم كل شيء… فعلاها."
أما والده، الجالس بجانبه، فلم يشاركه الابتسامة ذاتها. كانت عيناه لا تزالان ضيقتين، يركّز بنظرة حادة. "نعم، فعلاها. لكنهما سيحتاجان إلى ما هو أكثر من ذلك ليبقيا على قيد الحياة في الجولة القادمة."
لم يردّ سيمان، وظلّ بصره مثبتًا على لوكاس ودارلين. لم يستطع إنكار الأمر. ما حدث للتو ما حققاه كان استثنائيًا. لكن حتى مع صراخ الجماهير، ومع الهتافات التي ملأت المدرج، كان يعلم أن ما ينتظرهم لاحقًا... عاصفة من نوعٍ آخر تمامًا.
اخترق صوت المذيع التوتّر السائد، يعلن بحماس لم يستطع أن يخفي القلق الذي تسرّب إلى نبرته:
"أيها الأبطال، استريحوا الآن! فالجولة الثالثة ستكون شيئًا مختلفًا تمامًا!"
لكن... الراحة لم تكن خيارًا.
فقط حين بدأت الساحة تهدأ بعد الجولة الثانية الوحشية، ارتفع صوت المذيع مرة أخرى، جهورًا وواضحًا، يأمر الجميع بالانتباه:
"والآن، تبدأ المباراة التالية!"
حبس الجمهور أنفاسه دفعة واحدة، وقد تركزت أنظارهم على وسط الساحة. المعركة لم تنتهِ بعد.
"كوكب سولار ضد كوكب كايل!" تابع المذيع. "كوكب سولار المصنّف سابقًا بالمركز الأول، ضد كوكب كايل الذي كان يحتل المركز السادس."
ضيّق سيمان عينيه قليلًا.
سولار؟
دخل محاربو سولار أولًا، وكانت هيبتهم طاغية بحد ذاتها. أحدهما كان طويلًا، شعره الذهبي يتوهّج كأنه شمس، والحرارة المنبعثة من جسده كانت شديدة لدرجة أنها شوّهت الهواء من حوله. أما الآخر، فكان عملاقًا عضليًا يشعّ من جسده لهب كأن النيران هي جلده.
وعلى الجانب المقابل، ظهر مقاتلو كايل شخصان مهيبان. الأول، رجل نحيل بعينين تتوهّجان ، وكان جسده يهتز كأنه يحتوي طاقة لا تهدأ. والثاني، عملاق مغطى بدرع كثيف.
خمدت همهمات الجماهير تدريجيًا إلى صمت مشحون.
"لن نكون وقودًا لنيرانكم، يا أبناء اللهب!" صاح أحد مقاتلي كايل، كلماته تجلجل في الأجواء كالبرق.
ابتسم محارب سولار، شفتيه ترتسمان بابتسامة مفترسة حادة. "لا تقلق... فالوقود ضروري لبقاء الشعلة مشتعلة."
ثم بدأت المعركة.
لم تكن مجرد مواجهة بل جحيم انفجر.
اهتزّت الساحة بينما تحرّك محاربو سولار بسرعة مذهلة، يطلقون موجات من الحرارة واللّهب نحو خصومهم. الحرارة وحدها كانت كافية لتشويه الهواء، يشقّونه وهم يتحركون كأبناء من نار.
لكن كايل لم يتراجعوا. لم يكونوا مجموعة من الهمج الطائشين. مقاتلوهم كانوا استراتيجيين، حركاتهم محسوبة بدقة. لم يقاتلوا بالقوة العمياء فحسب بل بالذكاء. بالتحمّل.
طوال عشرين دقيقة، غرقت الساحة في إعصارٍ من اللهب والتكتيك، النار والصخر. تصدى مقاتلو كايل لكل ضربة بدقة، تفادوا، صدّوا،.
لكن مقاتلي سولار لم يتوقّفوا.
تزايدت الحرارة. تصاعدت النيران. تماوج الهواء بقوة اللهب الخالص، يصرخ ويتمزّق وهو يشق طريقه في أرض المعركة.
بدأ مقاتلو كايل يضعفون. الحرارة لا ترحم، كانت تحرق بلا هوادة. لم يستطيعوا المواصلة. سقط أحدهم أرضًا، جسده يتلوّى من الألم بينما تبتلعه النيران. صرخاته ملأت الساحة، قبل أن تبتلعها هتافات الجماهير.
أما المقاتل الثاني من كايل، بالكاد واقفًا، فقد رفع يده مستسلمًا. عينيه كانتا مليئتين بالألم لكن لم يكن هناك خيار آخر. النيران انتصرت.
"الفائزون... كوكب سولار!" دوّى صوت المذيع، بالكاد مسموعًا وسط عاصفة الجماهير المتزايدة.
راقب سيمان هذا المشهد، مزيجًا غريبًا من الإعجاب يدور في صدره..
سولار لم يفوزوا فحسب. لقد هيمنوا. لكن النصر كان له ثمن. لقد قاتل مقاتلو كايل بكل ما لديهم، ومع ذلك، لم يكن ذلك كافيًا.
ومع نهاية المعركة، جلس لوكاس ودارلين في الزوايا الجانبية بصمت، أجسادهما متألمة، وعقولهم في سباق. كانت الجولة الثالثة تقترب.