الفصل 62 - جولات و جولات
كانت المباراة النهائية من الجولة الثانية تلوح في الأفق. أجواء الساحة كانت مشحونة بالكهرباء. التوتر كان ملموسًا، كضغط متزايد.
كوكب الزهرة.
كان يحتل المرتبة الثانية في النظام القديم، وقد اكتسب سمعة يهابها الجميع بقدر ما أُعجبوا بها. مقاتلو الزهرة لم يكونوا مجرد محاربين، بل فنانون. حركاتهم كانت شعراً يُجسَّد رشيقة، دقيقة، ومخيفة. كل مقاتل منهم يجسّد جوهر الجمال في الدمار. كانوا يبتسمون، لكن تلك الابتسامات لم تكن ودية....
وفي الجهة المقابلة، وقف متحدّوهم: كوكب سيترا الخفاء المجسّد، واللامتوقَّع. أساتذة التخفي، لم يرتدوا دروعًا، بل ملابس خفيفة انسيابية. صامتون، سلسون، حضورهم بالكاد يتعدّى الهَمْس..
دوّى صوت من بين الجمهور بينما خطا مقاتلو سيترا إلى الحلبة، بحركات رشيقة بدت كأنهم يتلاشون في الهواء:
"لن تدرك أنك قد متّ... حتى يكون كل شيء قد انتهى."
وأضاف المقاتل الآخر من سيترا، بعينين ضيقتين وتحليلية: "الموت... يكون في أبهى صوره حين يتسلّل ببطء."
ارتجف الجمهور بينما انطلق صوت المذيع يملأ الساحة، صوته حاد وقاطع: "والآن... لتبدأ المباراة النهائية من الجولة!"
تحرك مقاتلو الزهرة بجمال آسر. كل خطوة، كل حركة، كانت انتقالًا سلسًا للأخرى. أجسادهم انسيبت عبر ساحة القتال برشاقة قاتلة، كل إيماءة منهم كانت تمهيدًا للعنف القادم. لم يكونوا يوجّهون الضربات فحسب؛ بل كانوا يداعبون الموت حتى يتجسّد.
أما سيترا، فلم يُخدعوا بذلك. لم يشاركوا في رقصة الفناء نفسها. بل اختفوا في الظلال، وجودهم لم يكن سوى وميض حركة. في طرفة عين، كانوا يتلاشون، ليظهروا مجددًا في موقع مختلف، دائمًا خارج المتناول..
السم بدأ يتسرّب إلى الهواء، ينساب كسُحب خفيفة مسمومة. نبضة نفسية تموّجت في أرجاء الساحة، مشوشةً كل من حاول التركيز. كل خطوة بدت كأنها قد تكون الأخيرة. ثم قبل أن يتمكن أحد مقاتلي الزهرة من الرد جرح سطحي، دقيق بالكاد يُرى، شقّ جانب مقاتل من سيترا.
بعد لحظة، انهار المقاتل الأول من سيترا، جسده يرتجف بينما كان السم القاتل يجري في عروقه. لم يتح له الوقت حتى ليصرخ.
لم يتردد المقاتل الثاني من سيترا. اندفع ليردّ الضربة. لكن... كانت المعركة قد انتهت بالنسبة له أيضًا.
الزهرة قد توقّعوا ذلك. لقد راقصوا خداع سيترا، يترصّدون، ينتظرون اللحظة المثالية. أحد مقاتلي الزهرة تحرّك كوميض، وأوقع خصمه في فخ شبكة هوائية من الضوء المنحني. كافح مقاتل سيترا لالتقاط أنفاسه بينما السموم تملأ رئتيه... لكن الوقت كان قد فات.
سيترا هم سادة التخفي، لكن الزهرة هم أسياد التوقيت.
"الفائزون... كوكب الزهرة!" دوّى صوت المذيع.
انفجرت الساحة. لم يستطع الجمهور كبح جماح نفسه، فارتفعت الأصوات إلى عنان السماء. لكن، وسط هذا الضجيج، كان لوكاس ساكنًا.
جلس في زاوية جناح العلاج، المكان الذي أصبح له خلال الساعات الأخيرة ملجأً وسجنًا في آنٍ واحد. كان جسده يؤلمه، ويداه ملفوفتان بضمادات سميكة.
الشاشة أمامه كانت تومض، تعرض إعادةً للمعركة التي شاهدها للتو. الزهرة، برشاقتهم التي لا يمكن إيقافها. سيترا، بأناقتهم في التسلل المميت..
"سولار سيكون الخصم الأصعب... صوته خافت، بالكاد يُسمع. عيناه لم تبتعدا عن الشاشة. –
كانت الساحة تعجّ بهمسات الترقب، وقد هدأ صخب الجمهور قليلاً، لكن الهواء كان مشحونًا بتوتر يمكن أن ينفجر في أي لحظة. الجولة النهائية من البطولة تقترب بسرعة، لكن قبل ذلك... كان هناك عرض يستحق المشاهدة.
اقتربت الكاميرات من الشرفات العلوية في الساحة الكبرى، تلك المرتفعات المتلألئة التي تطل على ساحات المعارك. وهناك كانوا... أربعة أشخاص. وقفوا شامخين بفخر.
أول من خرج من الظلال كان حاكم كوكب "سولار"، وهيبة حضوره طغت على كل شيء. كان متّشحًا بنيران حية، تتراقص حوله، متوهجة بحرارة مدمّرة لا تُحتمل. الهواء بدا وكأنه ينكمش عند مروره، يتلألأ من شدة السخونة التي يُشعّها، والأرض تحت قدميه كانت تحترق خفيةً مع كل تحرّك.
وحين نطق صوته، جاء خافتًا… خطِرًا، كنغمة مشتعلة تحمل عبءَ ألف شمس: "من لا يحترق..." جال بنظره الحاد أرجاء الحشد، وعيناه توهجان ككرتين من الحمم المنصهرة، "لا يستحق أن يبقى." كانت كلماته كالنار، تحرق معناها في قلوب من سمعها. لم يكن في نبرته رحمة، ولا في كلماته تردّد. بل كانت إعلانًا للهيمنة. قوة كوكبه مطلقة، وأي من يعترض طريقها... سيتحوّل إلى رماد.
ثم ظهرت حاكمة كوكب "الزهرة"، امرأة جمالها قاتل بقدر ما هو ساحر. سارت بخفة راقصة، بحركات انسيابية دقيقة، مرتديةً ثوبًا متلألئًا يتغير لونه مع كل خطوة تخطوها. كان الثوب ينساب كالسطح المائي، ويلقي بظلال متحركة في كل اتجاه. لكن ما جذب الانتباه حقًا كانت عيناها خضراوان كالسم، حادتان كحد السيف.
ابتسمت... ابتسامة جذّابة لكنها مميتة. ابتسامة تعد بالمتعة والعذاب معًا. قالت بصوت عذب، يحمل تحته نغمة جليدية: "الرقصة لم تبدأ بعد..." همست، وكأن كلماتها نسيم يلامس الجلد، "لكن قليلًا من الدم... يضبط الإيقاع." كانت كلماتها تحذيرًا، تمهيدًا قاتمًا لجمال الخراب القادم. كان كوكب "الزهرة" معروفًا بمقاتليه الأنيقين المحسوبين، لا يضربون بعشوائية، بل ينسجون العنف بخيوط الدقة. لعبة موت راقية....
بعدها، تقدم حاكم كوكب "تيراتا". لم ينبس ببنت شفة ولم يكن بحاجة لذلك. فمجرد ظهوره أسكت الساحة بأكملها. كان كجبل شاهق، جسده الضخم مكسوّ بدِرع عضوي ينبض. الدِرع كان جزءًا منه، سلاحًا بقدر ما هو واقٍ.
وحين رفع يده، خيّم الصمت التام على المكان. لا هتاف، لا همس فقط سكون مطلق. حتى المذيع كتم أنفاسه..
حبس الجمهور أنفاسه، بانتظار أيّ شيء لكن الحاكم ظلّ صامتًا، وعيناه تحدثان بصمتٍ أبلغ من أي كلمات.
وأخيرًا، حاكم كوكب "تيان". كانت هيئته مهيبة كغيره، لكن هالته هي ما استحوذ على الانتباه. كان يرتدي بدلة فضية أنيقه....
لم يتكلم، ولم يبتسم. لكن حين التقت عيناه بعيني حاكم "تيراتا"، بدا وكأن العالم كله قد توقف عن التنفّس. التوتر بينهما كان ملموسًا لدرجة مادية..
حاكم "تيراتا" لم يُظهر ردّ فعل صريح، لكن التغير الطفيف في وقفته، والتوتر الخافت في عضلاته، كانا كافيين لرواية ما لا يُقال..