الفصل 66 - رعب المكسب
اهتزت الساحة.
لم تكن الأرض تحت أقدامهم هي التي ارتجت فحسب، بل حتى الهواء. كان نبض هالة لوكاس قويًا للغاية، متفجرًا حتى أن كل متفرج في الاستاد شعر به. حتى المحاربين المتماسكين من كوكب فينوس تمايلوا. لحظة فقط، تراجعوا، وانهار هدوؤهم تحت شدة وجوده. لكن لحظة... كانت كل ما يحتاجه لوكاس.
صمتت الحشود، منتظرة، حاملة أنفاسها كما كان التوتر مشدودًا. ثم، في لحظة واحدة، تحركت دارلين.
استدعت
سم الوحش
كان محاربو فينوس قد توقعوا ذلك.
لم يترددوا، بل اندمجوا في هجوم منسق، حركاتهم رقصة مثالية من الدقة القاتلة. اختفى أحدهم تمامًا، ابتلعته الظلال، بينما مدت الأخرى ذراعيها، وتحولت أصابعها إلى بتلات سامة. انتشرت سحابة من السم النقي، الهواء يثقل بحضورها القاتل. كان سمًا مصممًا لاختراق الجلد، لاختراق اللحم والعظام كما الموت الصامت.
لكن لوكاس لم يرتجف. انحنت شفتاه في ابتسامة ساخرة، تلك الابتسامة المألوفة التي تجعل أولئك الذين شاهدوها يرتعدون.
"هالة الطاغية-إعادة تشكيل البيئة"، تمتم.
كان التغيير لحظيًا. تحولت الساحة، التي كانت فوضى من الظلال المتحركة والغيوم السامة، إلى شيء آخر تمامًا. الأرض تحركت، والجو تشوه حولهم. أصبح وكأنه مرآة تعكس كل ضوء، كل ظل، بطرق ملتوية ومشوشة. كان التلاعب البصري مثاليًا، مطلقًا، لدرجة أن الأوهام التي اعتمد عليها محاربو فينوس تحولت ضدهم. الظلال التي كانوا يختبئون وراءها أصبحت هي نقطة ضعفهم. كل خطوة خطوها، كل حركة قاموا بها، أصبحت مكشوفة في صور مشوهة وكأنها أشباح تتناثر.
كان ذلك فوضى. وكان جميلًا.
ثم، في خضم كل هذا، ظهرت دارلين. لم تكن تهرب، لم تكن تختبئ. كانت تطفو رشيقة…قاتلة، خيوطها القرمزية تحيط بها. عيناها، المتوهجتين بقوة
دم السيادة
"رباط السيادة"، همست.
كان التأثير فوريًا ولا رجعة فيه.
توقف محاربا فينوس، في منتصف الحركة، فجأة. أجسادهم رفضت الاستجابة، توقفت حركاتهم تحت ضغط غير مرئي، مشلًا أطرافهم، رافضًا تحريكهم في مكانهم. لم يستطيعوا التحرك. لم يستطيعوا الهروب.
لم ينتظر لوكاس. كان قد وصل بالفعل.
بومضة مفاجئة من الحركة، ظهر أمام المقاتلة بالعباءة السوداء. التقى نظره بنظرتها، وعيناه مليئتان بهدوء غير مريح.
"التعلم من عدوي... هو سلاح لا يُوقف"، قال لوكاس، صوته منخفض وخطير.
في نفس الوقت، حاولت المقاتلة ذات الشعر الوردي، أن تقوم بحركتها الأخيرة. دفعت إبرة مخفية نحو دارلين، آملة أن تضرب ضربة قاتلة. لكن كان قد فات الأوان بالفعل.
تحركت خيوط دارلين القرمزية أسرع مما يمكن للعين أن تلاحق، التفَّت حول الإبرة، وقامَت باعتراضها في الهواء. السم الذي كان بداخل الإبرة، كان معدًا للقتل، أُعيد توجيهه بحركة سريعة، وأُرسل إلى مصدره. كان ذلك عكسًا أنيقًا هجومًا مضادًا مثاليًا يعكس اتقان دارلين.
اتسعت عينا المقاتلة ذات الشعر الوردي بدهشة، لكن كان ذلك متأخرًا جدًا.
انفجرت دفعة من الضوء، ملأت الساحة بتوهج ساطع. تبعها صمت مدوٍ، حيث احتفظت الساحة بأنفاسها.
ثم
الاصطدام.
كان الصوت حادًا للغاية، مفاجئًا لدرجة أنه بدا كصوت الموت. سقط جسدان، اثنان من المقاتلين، إلى الأرض في نفس اللحظة، انهارا كما الدمى المهملة. كانت الساحة هادئة بشكل غريب بينما استقر الغبار، تاركا وراءه ما تبقى من سقوطهم.
تردد صوت المذيع، مرتجفًا بالإيمان.
"الفائزون... كوكب تيان!"
صوت المذيع كان مثل الرعد، تأثير كلماته يهز الاستاد الكوني. لحظة قصيرة من الصمت، لا أصوات، لا هتافات، لا صرخات. فقط وزن اللحظة الثقيلة. ثم، كما لو أن السد قد انهار، انفجرت الساحة بهتاف قوي يمكن سماعه عبر المجرة. تقدمت الحشود إلى الأمام، أصواتهم كانت أمواجًا فوضوية من الدهشة والفرح.
لكن لوكاس ودارلين لم يتحركا. كانا واقفين في وسط الساحة، أنظارهما مثبتة على أجساد أعدائهما الساقطة. كان تنفسهما ثابتًا، وقلوبهم هادئة..
–
–
"تيان! تيان! تيان!"
كانت الأعلام السوداء ذات الحدود الفضية ترفرف في الهواء وحركتها تبتلع الأفق، وتلون السماء بألوان النصر. كان الهواء مشبعًا برائحة العرق والدم، والحضور الطاغي للانتصار.
في وسط الساحة، كان لوكاس يقف، جسده لا يزال يرتعش من تداعيات المعركة، ودمه يغلي من حرارة القتال الشديدة. كان صدره يرتفع ويهبط ليهدأ، لكن قلبه كان ينبض بسرعة. كانت عيناه، المتوهجتان بحماسة البطولة، تراقبان آلاف الوجوه في المدرجات، عيونهم واسعة بالإعجاب،.
بجانبه، كانت دارلين تمسح بيدها أثر العرق الممزوج بدم خصومها عن جبهتها. كان تعبيرها لا يزال باردًا وحسابيًا كما هو دائمًا، ونظرتها تخترق بحر الوجوه في المدرجات بحدة.
أعلى منهم، في شرفة الحكام، كان أبو سيمان يقف في كامل زيه الرسمي، وضحكته اللامبالية تتردد عبر الفضاء. كانت تهز جدران الساحة، وتتردد في عظام من سمعها. كانت فرحته واضحة، قوة خامة وغير محبوسة لا يمكن احتواؤها.
"هاهاها! سيمان! ألم أخبرك؟!" صرخ وهو يربت على كتف ابنه بقوة غير مكبوحة. كانت عيناه تتوهجان بالحماسة، والفخر يشع منه.
كان سيمان، الذي لا يفقد اتزانه أبدًا، يبتسم ابتسامة هادئة فقط وهو يراقب الثنائي المنتصر أسفله. كان نظره يطول على لوكاس ودارلين، أفكاره غير مفهومة..
فجأة، صوّت المعلق مجددًا، صوته هادئ، وكلماته تتردد في أرجاء الساحة كما لو كانت قوة في حد ذاتها.
"مبروك"، نطق المعلق، وكلماته تتردد عبر مكبرات الصوت، مضاعفة بقوة اللحظة. "كوكب تيان قد فاز رسميًا بالمركز الأول في البطولة بين الكواكب الكبرى... قسم الكواكب تحت تصنيف SS."
"ستتم مراسم التكريم الرسمية غدًا عند شروق الشمس في النظام المركزي"، أضاف المعلق، وجاءت الكلمات التالية بعد توقف درامي. "يجب على جميع الفائزين التوجه إلى القصر النجمي لاستلام جوائزهم."
بدت الجماهير وكأنها تحبس أنفاسها، اللحظة معلقة في الزمن.
لكن صوت المعلق، المثقل بالعاطفة، ارتفع إلى قمة جديدة.
"نعم، أصدقائي... هذه المرة، الجائزة ليست رمزية!" صرخ. "إنها كوكب!"
كوكب فرعي من الدرجة الثانية كوكب خاص بهم.
"كوكب فرعي من الدرجة الثانية!" كرر، صوته يرن كصوت جرس يدق عبر السماوات. "صغير، نعم، لكنه ملك لكم بالكامل!"
كانت الكلمات تضرب لوكاس كالموجة العاتية، والواقع يكاد لا يدخل عقله. لوهلة، شعر وكأنه عالق في حلم، عقله يفشل في استيعاب ما قيل للتو. جمد جسده. نظرته ثبتت على المعلق، وعيناه مفتوحتان مندهشتين.
"...كوكب؟" همس لوكاس، صوته بالكاد مسموع فوق الهتاف العالي للجمهور.
لم يستطع سيمان، الذي كان واقفًا بجانب أبيه، أن يخفي ابتسامة صغيرة، شفتاه ملتويتان قليلاً وهو يلتفت إلى والده.
"كوكب فرعي من الدرجة الثانية؟" كرر سيمان، صوته جاف، تقريبا هازل.
ملأ ضحك أبو سيمان الأجواء مجددًا، يهز جدران الساحة.
"هاهاها! الآن هذه هي الجائزة الحقيقية!" ضحك، صوته يرن بسرور. "لوكاس يستحقها!! قلب الطاولة، أليس كذلك؟"
لم يرد سيمان فورًا، وكانت عيناه تضيقان قليلًا وهو يراقب لوكاس، الذي كان لا يزال متجمدًا من الصدمة. تحركت أصابعه قليلاً، ولحظة واحدة، تزعزع قناع اللامبالاة الذي كان يرتديه، وتسللت لمحة من شيء آخر عبر تعبيره ربما فضول، أو ربما إعجاب.
"لكن..." بدأ سيمان بصوت منخفض ومتفكر. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه، لكن كلماته كانت ثقيلة في الهواء.
قاطع أبو سيمان كلامه، وارتفعت نبرته مرة أخرى بفرح عارم.
"أنت تمزح معي؟" ردد صوته عبر الاستاد. "لقد أصبحنا الآن الأوائل بين جميع الكواكب تحت تصنيف SS! هذا فوز ضخم! نحن على القمة الآن، هل تشعر بذلك؟"
لكن سيمان بقي صامتًا. كانت عيناه، اللتان بقيتا مشدودتين على لوكاس، لا تكشفان أي شيء مما كان يفكر فيه.
أغمض لوكاس عينيه، وأخذ يعي ما حدث. كان قلبه يدق بقوة في صدره، وثقل كلمات المعلق يغمره.
كوكب.
نظر إلى دارلين، التي كان تعبيرها لا يبين شيئًا، لكن عيناها كانت ثابتة عليه بشدة كأنها تقول كل شيء. هي تعلم هي تفهم.
"دارلين..." بدأ لوكاس بصوت خافت، والكلمات تتدفق ببطء الآن. "كوكب... هل يحدث هذا حقًا؟"
برقت عينا دارلين. للحظة قصيرة جدًا، تغير شيء لا يكاد يُلاحظ في نظرتها. ثم تقدمت خطوة واحدة إلى الأمام، صوتها هادئ.
"لا تفكر في الأمر كثيرًا," قالت، كلماتها ثابتة وطمأنة. "لقد استحقناه. الآن، سنجعل منه ملكًا لنا."
كوكب فرعي من الدرجة الثانية. أصبح الآن ملكهم.