الفصل 257
لم أعرف متى أو أين بدأ كل شيء، لكنني شهدتُ العواقب. هاجمت إيلين آرون ميديرا ودفعته نحو المدخل السري، لكنني قبضتُ عليه بينما كنت على وشك الدخول.
لكن، لم يكن هذا كل شيء.
كانت إليريس تعلم بأمر إيلين بالفعل، لكن ساركيجار لم يكن يعلم.
كانت تحمل سيف لامنت في يدها اليمنى، ومن المؤكد أن ساركيجار ليس جاهلًا مثل لويار.
كان علينا إخراج إيلين من هناك بسرعة قبل أن يتمكن ساركيجار من استيعاب ما يحدث.
"لنتحدث عن هذا لاحقًا."
"...حسنًا."
كان التعامل مع آرون ميديرا هو أولويتي القصوى.
نزعتُ عنه رداءه ونفضتُ اللفافات من جيوبه الباطنة.
لم يكن بوسعه الانتقال الآني بقوته الذاتية، لذا بحثت عن لفائفه. ورغم أنني لم أعرف التفاصيل، فقد سمعتُ الخطوط العريضة للقصة.
"هل جئتِ إلى هنا مع هارييت؟"
"نعم."
"أحضِريها إلى هنا."
"إنه خطير. سأبقى هنا..."
"أحضِريها إلى هنا."
نظرت إيلين إليّ بصمت بعد أن تحدثتُ بنبرةٍ آمرة.
لم يكن ذهابها لإحضار هارييت هدفي الأساسي.
كنتُ أُبعدها لأن ما سأقوله من الآن فصاعدًا كان أمورًا لا ينبغي لها أن تسمعها.
"حسنًا. كُنْ حذرًا."
عادت إيلين أدراجها عبر الممر السري، تاركةً إياي وحدي مع آرون ميديرا. بالطبع، كانت إليريس وساركيجار لا يزالان بقربي، لكنها لم تكن قادرة على رؤيتهما.
"هـ-هذا سوء تفاهم. أنا... لا أعرف ما هذا، لكنه مجرد سوء تفاهم."
حاول آرون ميديرا التفوه ببعض الهراء مدعيًا أنه خطأ ما أو شيءٌ من هذا القبيل.
"وماذا يهم إن كان سوء تفاهم؟"
ضحكتُ وأنا أمسكه من تلابيبه وأرفعه.
"سواءٌ حاولت قتلي بالفعل أم لا، فهذا لا يُغيّر حقيقة أنك وغدٌ تستحق الموت."
كان آرون ميديرا أشبه بعالم مجنون، مجرمًا يستحق الموت في حد ذاته بغض النظر عما إذا كان الشخص الذي حاول اغتيالي أم لا. تأكدتُ من أن إيلين ابتعدت مسافةً كافية.
لو سمعتْ أي شيء مما كنا على وشك مناقشته، لأصبحت الأمور شائكة.
كان لديّ أيضًا ما أسأله إياه.
كان من حسن الحظ أن آرون ميديرا هرب بذلك القدر من اليأس.
لو كانت إيلين قد طعنته، لما تمكن من تزويدي بتلك المعلومة المهمة.
"لا يهمني أي شيء آخر، لكن يجب أن تخبرني كيف أتصل بالنظام الأسود."
"ماذا...؟ الاتصال بالنظام الأسود؟"
"أسرع. إن لم تخبرني قبل عودة صديقتي، فسأقتلك بأبشع طريقة يمكنني تخيلها."
النظام الأسود...
بما أنني عرفتُ أن السحر هو المصدر الأكثر ترجيحًا لحادثة البوابة، كان عليّ تحديد ومعرفة ما تخطط له مجتمعات السحر المختلفة.
فقد يتسبب أحدها في كارثة مروعة.
كانت هناك أيضًا مجتمعات سحرية لم أكن أعرفها بعد، لذا لم يكن بوسعي سوى التحقيق في تلك التي أعرفها.
ظهرتْ مجتمعات السحر في القصة الأصلية، لكن لم تُعامل كشيء ذي أهمية، لذا لم أكد أعرف عنها شيئًا يُذكر.
كان النظام الأسود هو أول ما تبادر إلى ذهني.
لحسن الحظ، كنت أعرف عنهم أكثر قليلًا من المجتمعات الأخرى.
أصيب آرون ميديرا بصدمة بالغة لأنني كنت أنتظره بالفعل عند مخرج هروبه، بل وعرفتُ أيضًا أنه جزء من النظام الأسود.
"أ-أنت... من تكون بحق الجحيم؟"
بدأ يظن أنني شخص أعظم شأنًا بكثير مما تصور.
حسنًا، لقد كان محقًا.
"ليس عليك أن تعرف."
رفعته من تلابيبه ورمقته بابتسامة مريبة.
"أتظن أنني سأقتلك؟ لا، لن أفعل."
استحضرتُ إحدى الحقائق القليلة التي عرفتها عن النظام الأسود...
"إن لم تخبرني، فلن تموت بيدي. بل سأسلمك إلى كانتوس ماجنا."
كانوا مجتمع السحر المعروف لدى العامة باسم 'صائدي المحرمات'.
واسمهم الحقيقي هو كانتوس ماجنا.
صائدو المحرمات، كانتوس ماجنا، والنظام الأسود الذي انتهك العديد من المحرمات...
لقد كانوا أعداءً أزليين.
كان يفضل الموت على أن يُسلّم إلى كانتوس ماجنا، وقد ازداد وجهه شحوبًا.
قد يعرف عامة الناس مصطلح 'صائدي المحرمات'، لكنهم لن يعرفوا اسم 'كانتوس ماجنا'.
حقيقة معرفتي باسمهم وحده كفيلٌ بأن يكون صادمًا.
وطالما أنه كان مدركًا للعلاقة بين النظام الأسود وكانوس ماجنا، فسيراني أغرب مما أبدو عليه.
"إن... إن تركتني أذهب، فسأصلُك بالنظام الأسود! يمكنني تعريفك بأعضائنا! أنا... سأفعل أي شيء! يمكنك حتى الانضمام لعضوية النظام إن أردت—!"
-بووم!
وبهذا، انفجر رأس آرون ميديرا دون أدنى سابق إنذار.
"..."
حدقتُ بذهول في الدم المتدفق من عنق الجثة مقطوعة الرأس.
كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها مشهدًا كهذا.
لقد بتُ أرى حقًا كل أصناف الأهوال...
استطعتُ أن أخمن تقريبًا ما حدث.
التفتُ فرأيت ساحرًا يحدق بي، يلفّه بالكامل رداءٌ أسود.
كنتُ أتوقع ظهورهم. لا، بل قدرتُ أنهم سيراقبون الموقف عن كثب دون الكشف عن أنفسهم.
لكنهم تدخلوا.
ما كانوا ليكترثوا لو أنني لم أكن أعرف بشأن النظام، لكنني ذكرته بالفعل.
بقيتْ إليريس وساركيجار جامدين، لكنهما كانا في حالة تأهب قصوى.
كان الشخص ذو الرداء الأسود يحدق بي من تحت ظلام قَلَنْسُوَتِه.
"..."
"قُل شيئًا على الأقل بعد ظهورك المفاجئ هذا."
"..."
على الرغم من أن آرون ميديرا كان عضوًا في النظام، إلا أنه كان ذا رتبةٍ دنيا.
ومع ذلك، تخلّص منه ذلك الشخص على الفور، مما يرجّح أنه كان ذا رتبة عالية.
لكنني لم أكن أعرف من هو.
"يا هذا، ألا يمكنك التحدث؟ لمَ تكتفي بالتحديق بي؟"
"هل لديك أيةُ معلوماتٍ عن كانتوس ماجنا؟"
ابتسمتُ في سرّي عندما نطق ذلك الرجل أخيرًا.
لم أكن أؤمن حقًا بإمكانية الاتصال بالنظام الأسود عن طريق آرون ميديرا، لكنني كنت أعرف أنني إن ذكرتُ اسم كانتوس ماجنا أمام أعضاء النظام الأسود، فسيكونون هم من يبادر بالاتصال بي.
ورغم أنني كنت قد استنتجتُ التفاصيل بشكلٍ عشوائي إلى حدٍ ما، إلا أنه لا تزال هناك أشياء أعرفها، وقد ساعد ذلك بشكلٍ كبير.
كَرِهَ المجتمعان السحريان بعضهما البعض حتى الصميم؛ كان تدمير أحدهما الآخر أكثر أهمية لديهما من أي شيء آخر، لذا كان طبيعيًا أن يتشبثا بأية معلومةٍ يمكنهما الحصول عليها عن خصمهما.
طالبٌ شابٌ من المعبد يعرف بالفعل عن كانتوس ماجنا...
شخصٌ عاديٌ يعرف بشأن مجتمع سحري سريٍّ لا يفترض حتى لأحدٍ أن يعرف اسمه.
هذا وحده كان كافيًا ليدفعهم للاتصال بي.
"أليست الصفقاتُ قائمةً على تبادلٍ متكافئ؟ لن أخبرك مجانًا."
"...وماذا تريد أيها الفتى؟"
نظرتُ إلى الساحر المقنّع.
"معرفتَك."
المحرّمات...
الفنون المحظورة العديدة التي يمتلكها النظام الأسود...
ربما كانوا مصدر حادثة البوابة.
ولمنع وقوع حادثة البوابة، كان عليّ أن أسير على حبلٍ مشدودٍ آخر.
لم يبدُ عليه أنه يمانع إعدام تابعٍ صغير الشأن. ولم يظهر لأنني هددتُ آرون ميديرا، بل لأنني ذكرتُ اسم كانتوس ماجنا.
"مقابل ذلك، يجب أن تكون معلوماتك قيّمةً، يا فتى."
"وهل لديك المعرفة الكافية لتمييز ما إذا كانت معلوماتي قيّمة أم لا؟"
"..."
كان النظام الأسود مجموعة من الأشرار، لكنهم لم يكونوا أشرارًا بالمطلق.
كانت لديهم مبادئهم الخاصة التي تختلف عن مبادئ العالم فحسب، ولهذا السبب لم يُبدِ أي رد فعلٍ على ملاحظاتي الساخرة.
"سوف نلتقي مجددًا في الوقت المناسب."
"...في المعبد؟"
"ليس ذلك بالأمر الصعب علينا."
هل كان هؤلاء القوم قادرين على دخول المعبد مباشرةً؟ بدأتُ أدرك ببطء أنني أتورط مع أشخاص لا يجب أن أختلط بهم. وخزني جلدي من شدة التوتر، ولكن كان عليّ إكمال ما بدأته.
"فتى يعامل سيد مصاصي الدماء كتابعٍ له لن يحاول التفوه بكذبةٍ سخيفة."
بالطبع، كان مدركًا لوجود إليريس، التي كانت تتربص متخفيةً بسحر الاختفاء.
إن كان الأمر كذلك، فربما عرف أيضًا بشأن العصفور المتكلم.
ورغم أنني كنتُ مجهولاً تمامًا لديه، إلا أنه أبدى بالفعل نوعًا غريبًا من الثقة بي.
اختفى ساحر النظام الأسود وكأنه لم يكن إلا سرابًا.
إدراكي بأنني كنت أخوض فعلًا في مياهٍ خطرة جعل القشعريرة تسري في أوصالي.
كان عليّ المضي قدمًا حتى النهاية.
حتى لو تعثرتُ وسقطتُ في منتصف الطريق، كان عليّ أن أستمر وأتجاوز الأمر.
0 0 0
ظنتْ إيلين أنني قد أكون في خطر، لذا أسرعتْ عائدةً مع هارييت.
كان ساحر النظام الأسود قد غادر بالفعل، وكنا قد تخلصنا من جثة آرون ميديرا.
بدا وجه هارييت شاحبًا للغاية، ربما بسبب ما رأتهُ هناك.
"ماذا فعلت؟"
"...وهل يتوجب عليّ إخباركِ؟"
تظاهرتُ بأنني أحاول تجنب قول 'لقد قتلته'، لكن في الحقيقة، لم أكن أنا من قتل آرون ميديرا.
كانت بقع الدم من جثة آرون ميديرا متناثرة على الأرض، لذا استطاعتَا تخمين ما حدث تقريبًا.
لم ترَ هارييت الجثة، لكنها عجزتْ عن الكلام عندما رأت أنني -كما بدا لها- قد قتلتهُ دون تردد.
وبدلًا من الغضب أو الخوف، بدا عليها الحزن.
حزينةً لأنني أصبحتُ ذلك النوع من الأشخاص.
"لنتحدث عما حدث لاحقًا."
أجلتُ إخبار إيلين وهارييت بسبب وجودي هناك وحدي، ولم أسألهما عن سبب وجودهما أيضًا.
"عليّ حل هذه المشكلة أولاً."
لقد قتلنا معلمًا من المعبد، لذا توجّب علينا تقرير ما سنفعله.
أرسلتُ إيلين وهارييت أولاً، وأخبرتهما أنني سأتدبر الأمر.
بدا أن لدى كلٍ من إيلين وهارييت الكثير ليقولاه لي، وبدتا قَلِقَتَيْنِ نوعًا ما، لكنني تمسكتُ بعنادي. ففي النهاية، لم يكن بوسعهما إجباري على العودة معهما.
في الواقع، كنتُ منزعجًا حقًا من وجودهما هناك أصلًا.
بالعودة إلى خارج قصر آرون ميديرا عند أطراف العاصمة الإمبراطورية، رفعتْ إليريس عن نفسها سحر الاختفاء وتحوّل ساركيجار إلى هيئةٍ مختلفة، لكنها لم تكن هيئة الكونت أرغون بونتوس.
كان يبدو تمامًا كسيدةٍ بالغة عادية يمكن مصادفتها في أي مكان.
بدا أن لدى إليريس وساركيجار الكثير ليقولاه.
أرادتْ إليريس على الأرجح معرفة سبب رغبتي في الاتصال بالنظام الأسود. وكان موقفها متحفظًا إلى حدٍ ما، لأنه بغض النظر عن نواياي، لا يمكن أن ينبع عن ذلك أي خير.
وكان حال ساركيجار أسوأ.
"سمو الأمير، إن لم تخُنّي عيناي، فأعتقد أنني رأيتُ إحدى الطفلتين اللتين كانتا تساعدانك تحملُ سيف لامنت."
بالطبع، كان محتومًا على ساركيجار أن يسأل عن إيلين. ساركيجار، الذي طالما أطاعني واتبع كل ما أقول، بدا مختلفًا.
كانت عيناه خالية تمامًا من أي تعابير.
ورغم أنه كان يبدو كشخصٍ عادي، إلا أن مواجهته كانت مرعبةً للغاية.
فهذا دريدفيند (شيطان الرّوع) في نهاية المطاف، وهم شياطين يسودون بالخوف.
لم أتمكن من إيجاد تفسيراتٍ كافية لساركيجار.
السيف المقدس لحاكم القمر، لامنت، إلى جانب ألسبرينجر، كان معروفًا بكونه سيف راغان أرتوريوس.
لم يستخدمه راغان خلال حرب عالم الشياطين، فظل مكانه مجهولاً، ثم فجأةً رأى ساركيجار فتاةً تتمتع بقوة كبيرة بالنسبة لعمرها تحمله.
ربما استطاع ساركيجار استنتاج بعض التكهنات من ذلك، وكانت ستكون على الأرجح قريبةً جدًا من الحقيقة.
نظر ساركيجار إليّ.
نظرته الحادة الخالية من التعابير، وقد برز منها بياض عينيه، جعلت أطرافي تخدر لمجرد رؤيتها.
"سمو الأمير..."
"حتى لو لم تخبرني، لديّ طرقٌ كثيرة لاكتشاف الحقيقة."
"أرجوك، أخبرني بكل شيء الآن."
ما كان يحتاجه ساركيجار، ذو الولاء المطلق، مني لم يكن مالًا ولا ثناءً ولا أية مكافأة أخرى على الإطلاق.
كان يحتاج مني فقط امتلاك الإرادة لإعادة بناء عالم الشياطين.
كان ساركيجار مستعدًا للتضحية بحياته في سبيل ذلك وحده، وبدون تلك الإرادة، كان سيفعل أي شيءٍ ليراني أتبنى هذا العزم.
كانت إيلين في خطر.
إن لم أقل شيئًا، سيكتشف ساركيجار من تلقاء نفسه أن إيلين هي في الحقيقة إيلين أرتوريوس.
بالطبع، كان أكثر من يبغضه ساركيجار في العالم هو راغان أرتوريوس — المحارب الذي قتل ملك الشياطين.
كانت أختُ أرتوريوس تتحول ببطء إلى وحشٍ داخل المعبد، لذا لن يستطيع تركها وشأنها.
إن لم أتحدث في تلك اللحظة بالذات، وإن لم أستطع إقناع ساركيجار...
ستموت إيلين.
لو قرر ساركيجار قتل إيلين، لما استطعتُ إيقافه.
"نعم. كان ذلك لامنت."
"..."
"اسم الفتاة هو إيلين أرتوريوس. هي الأخت الصغرى لراغان أرتوريوس."
اتسعتْ حدقتا ساركيجار عند سماعه كلماتي.
"لمَ بحق الجحيم يُقيم سمو الأمير صداقةً مع سليل ذلك البطل اللعين؟"
لم تحمرّ عينا ساركيجار فحسب، بل أخذ لون بشرته يتبدل بين الأزرق والأحمر.
ألعلّهُ لم يستطع التحكم في هيئته كما يجب بسبب غضبه العارم؟ وكانت يدا إليريس ترتجفان أيضًا وكأنّ التوتر قد سيطر عليها.
انتابتها هي الأخرى ريبةٌ كبيرة بشأن نواياي من الاتصال بالنظام الأسود.
أراد ساركيجار الحرب، وأرادتْ إليريس السلام، وكلاهما ارتابا في أمري في تلك اللحظة.
لكن أولاً، كان عليّ إقناع ساركيجار الثائر.
كان مستشيطًا غضبًا لأنني لم أخبره بأمر إيلين، ولأننا كنا مقربين لدرجة أنها كانت مستعدة للمخاطرة بحياتها من أجلي.
كلمة واحدة خاطئة...
إن تفوهتُ بكلمة واحدة خاطئة، فسيعني ذلك مقتل إيلين. وربما كان ذلك أسوأ حتى من أن يقتلني أنا.
ومثلما كانت إليريس في صفي لكنها تظل خطيرة، كان ساركيجار أيضًا في صفي، وكان لا يزال خطيرًا بدوره.
كنتُ ألمس ذلك بنفسي.
"أليس هذا واضحًا؟"
"وما الواضح في ذلك؟"
"هي أخت راغان أرتوريوس، فلمَ بحق الجحيم لا يُفترض بي التقرّب منها؟"
"..."
"أتقول إن رغبتك في إعادة بناء عالم الشياطين نابعةٌ من دوافع وضيعةٍ كالانتقام؟"
لم تتحسن ملامح وجه ساركيجار.
"ألستَ أنت من أمرني بالذهاب إلى المعبد لأتعلّم كيف أهزم البشر بأساليبهم وباستخدام أسلحتهم؟"
"..."
'عليك دخول المعبد وتعلّم أساليب البشر بإتقان! ألن يكون مرضيًا حقًا أن تهزمهم بأسلحتهم ذاتها؟!'
كان ساركيجار أول من اقترح عليّ دخول المعبد.
في النهاية، ألم يكن هذا مجرد امتدادٍ لذلك المنطق؟
"لمَ تغضب هكذا وأختُ البطل، التي من المؤكد أنها ستصير أقوى سلاح للبشرية، قد خاطرتْ بحياتها لإنقاذي؟"
"..."
"لم يكن موقف اليوم كما خططتُ، لكنني ظننتُ أنك ستغتبط برؤيته."
هزّ ساركيجار رأسه.
"أنت تستغلّ سلالة ذلك البطل اللعين... أهذا ما ترمي إليه؟"
"تمامًا."
راقبني ساركيجار في صمت.
خطا خطوةً للأمام وأدنى وجهه من وجهي.
كان قريبًا جدًا حتى كاد طرف أنفه يلامس طرف أنفي.
"سمو الأمير، أنت كاذبٌ فظيع."
"..."
بدا وكأن عينيه الجامدتين تخترقانني بنظراتهما.
"أظننتَ حقًا أنني لن ألاحظ مدى قلقك عليها؟"
كنتُ قد فقدتُ رباطة جأشي لظهور إيلين المفاجئ.
لم أملكْ إلا أن تُصيبني صدمةٌ حقيقية لأنه كان أمرًا غير متوقعٍ بالمرة. وقد لاحظ ساركيجار ذلك في وقت سابق.
أنا أستغل إيلين... كسبُها إلى صفي لمجرد استغلالها...
لم يستطع ساركيجار تصديق تلك الكلمات الجافة منذ البداية. كان ساركيجار قد أدرك بالفعل مدى أهمية إيلين بالنسبة لي من خلال ردود أفعالي وحدها.
فكما كانت إيلين تُقدّرني، كنتُ أُقدّرها بدوري.
لقد كشفني بالفعل.
كنتُ أحدّق مباشرةً في عيني ساركيجار.
كنتُ خائفًا، ولكن لم يكن بوسعي التراجع.
"وماذا إن كنتُ أهتم؟"
"...ماذا؟"
صُدم ساركيجار بعض الشيء من كلماتي الواثقة، بل إن إليريس بدتْ متفاجئةً أيضًا لأنها لم تتوقع مني قول شيءٍ كهذا.
"هل راغان أرتوريوس هو من قتل أبي، أم تراه كانت إيلين؟"
"ماذا؟"
"تبًا، ألا يحق لي أن أُعجب بالبشر؟ هل هذه مشكلة كبيرة لهذه الدرجة؟ هاه؟"
إزاء نوبة غضبي المفاجئة تلك، اتسعتْ عينا ساركيجار على نحوٍ مختلف.
"سمو الأمير! راغان أرتوريوس هو العدو اللدود لملك الشياطين السابق! حتى إبادةُ نسل عشيرة أرتوريوس لن تكون كافية! كيف لك أن تعامل شخصًا من هذه السلالة المقيتة والقذرة كشيءٍ ثمين؟ هذا لا يجوز!"
"لا أعرف، تباً لك! صحيح أنني خططتُ لاستغلالها، وصحيحٌ أيضًا أنها غاليةٌ عليّ، فماذا تريدني أن أفعل حيال ذلك بحق الجحيم؟"
"سمو الأمير!"
"يا للهول! مهلًا، هل يعقل أن تملي عليّ ما يجب أو لا يجب على ملك الشياطين فعله؟"
"..."
تراجع ساركيجار خطوةً للخلف وأنا أحملق به. رأيتُهُ يتراجع أكثر، فهززتُ رأسي.
"يا هذا، الأمر فوق طاقتي."
"مـ-ماذا تقصد بهـذا؟"
"فلتصرْ أنت ملك الشياطين القادم إذًا."
"عفوًا؟"
"كن أنت ملك الشياطين، أيها الوغد الحقير. بما أنك تملي عليّ دائمًا أن أفعل هذا وذاك، فلِمَ لا تصير أنت ملك الشياطين بنفسك، هاه؟ ما الخطب؟ فقط افعلها، أيها النغل. تحوّل إلى آركديمون وقم بها بنفسك، أيها العاهر."
"سمو الأمير! أنت تعلم أنني لم أقصد هذا! أنا لا أطمع بمنصبك، ولا يمكنني ذلك أصلًا!"
"حقًا؟"
"أجل، سمو الأمير!"
دنوتُ من ساركيجار، ومع اقترابي، تراجع بضع خطواتٍ للوراء.
"إذًا اخرس ونفّذ ما أقول. افعل ما آمرك به. وما شأنك إن كنتُ لطيفًا وأفعل أشياء لا تستوعبها؟ وماذا يهم إن كنتُ صديقًا لأخت البطل أو لأي نكرةٍ آخر بحق الجحيم أقرر مصادقته؟ ماذا ستفعل حيال ذلك؟ وما شأنك إن لم تفهم؟"
"..."
"أنا الآركديمون الوحيد. ولا يهم إن كانت مؤهلاتي أو نواياي موضع شك!" قلتُ، دافعًا وجهي أمام وجه ساركيجار مباشرةً.
"ليس أمامك خيارٌ آخر سواي."
"..."
"إياك أن تمس إيلين."
كانت عينا ساركيجار ترتعشان.
"لا تفعل ذلك إن كنت لا ترغب في تسلّم جثة آركديمون. هل فهمتَ ما أعنيه؟"
يمكنني دائمًا أن أقتل نفسي ببساطة.
لم أكن أرغب بأن تصل الأمور إلى هذا الحد.
كنتُ أهدد تابعيّ بحياتي بينما إيلين ليست هنا. استطعتُ أن أرى بوضوح كيف امتزج الخوف والغضب والحزن في عيني ساركيجار.
"سمو الأمير... لا."
وأخيرًا، انهمرت الدموع من عينيه المشحونتين بالعاطفة.
"هل تعلم تلك الفتاة شيئًا؟"
"..."
"لا أفهم، ولكن حتى لو كنتَ تستطيع تقبُّلها، فهي لن تتمكن من تقبُّلك."
كانت دموع ساركيجار، في نهاية المطاف، دموع قلقٍ صادقٍ عليّ.
"سمو الأمير، هذه... هذه علاقة شديدة الخطورة تخوضُ غِمارها، وهي مخاطرةٌ لا ينبغي لك الإقدام عليها."
بكى ساركيجار وتوسل إليّ أن أتوقف.
كانتْ إليريس قد قالتْ شيئًا مشابهًا، معربةً عن أملها بألا تؤول علاقتُنا إلى نهايةٍ مأساوية.
مجرد كوني قادرًا على معاملة قريبةِ قاتلِ أبي بلطف لا يعني أن إيلين ستستطيع تقبُّل ابنِ قاتلِ أخيها.
—فلن نكون مجرد أعداءٍ فحسب.
ففي حين كنتُ سليلَ ألدِّ أعداء البشرية، كنتُ أيضًا شرارةً يمكن أن تشعل حربًا عظمى أخرى.
كان من المستحيل تمامًا أن تتقبلني إيلين.
دموع ساركيجار ومخاوفه وقلقه وكلماته، كانت كلها مفهومةً تمامًا؛ ولم يكن عسيرًا عليَّ فهمُهُ.
لكن، رغم قدرتي على الفهم، لم أكن لأتقبل ذلك أبدًا.
"اصمت! لا يهمني أي شيء آخر، ولكن إن مسستَ ولو طرف شعرةٍ من إيلين، فستكون تلك هي النهاية."
"..."
"هذا هو الشيء الوحيد الذي عليك أن تضعه نصب عينيك."
"سمو الأمير... أرجوك."
"قل إنك فهمت."
"لا، أرجوك. هذا الأمر بالذات... لا أهتم بالآخرين، ولكن هذا..."
"قلها."
انتحب ساركيجار وأومأ برأسه موافقًا.
"فهمتُ... يا سمو الأمير."
لم أستطع إقناعه، لكنني نجحتُ في إخضاعه على الأقل.