بانغ!

ارتطمت قبضة بسطح الطاولة الخشبية، محطّمةً كل ما تحتها.

“تنين؟ تنين…!؟”

وقف عدة أشخاص مقابله، ورؤوسهم منحنية. لم يُبدِ أيٌّ منهم أي تعبير، بل انتظروا بهدوء حتى يهدأ الرجل أمامهم. لكن قول ذلك كان أسهل من فعله، إذ تلا ذلك صوتٌ يغلي بالغضب.

“ماركيز، فسّر لي كيف يمكن لهذا أن يحدث.”

رفع المركيز ويلشير رأسه لينظر إلى زوج العيون الصفراء المحدّقة نحوه.

عضّ شفته قبل أن يفتح فمه ليتحدث أخيراً.

“…لم أُبلغ بالوضع. لقد تفقدت القط من قبل، وكل شيء بدا طبيعياً. لم يكن تنيناً. والقوة التي كان يبثها لم تكن بالمستوى الذي يستدعي القلق.”

“إذن كيف تفسّر الوضع الحالي؟”

توقف المركيز لحظة، وملامحه تغيم وهو يرفع نظارته للأعلى، ثم لزم الصمت في النهاية.

“لا يوجد عذر.”

بغضّ النظر عمّا فعلوه أو حاولوا فعله، كانت النتيجة قد حُسمت سلفاً. وحتى لو اعترضوا على الأمر، فإن احتمالية إلغائه كانت شبه معدومة. كان واضحاً أنّ هذه النتيجة هي ما يريده الرئيس الحالي لمركز السلطة، وهو على استعداد لاستخدام كل ما بوسعه للحفاظ عليها.

لم تكن هذه المعركة مجرّد صراعٍ سياسي يخصّ العائلة الملكية.

بل كانت أيضاً مواجهة بين نبلاء المركز. ومع اقتراب موعد الانتخابات، كان هذا الصراع كفيلاً بتحديد من سيظفر بالزخم الأولي بين الأطراف المتنافسة.

وفي هذه اللحظة، كان أورسون روزمبرغ يتقدّم

"كيف سأشرح لهم الوضع؟

لقد وصل بهم الأمر إلى تسليمنا كتاب التحسين. لحسن الحظ، لم نفقده. لو فقدناه، لما استطعنا حتى إنقاذ رؤوسنا."

وأخذ جون يقضم أظافره وهو يهوي جالساً على كرسيه.

وكلما ازداد تفكيره في الموقف، ازداد نهشه المحموم لأصابعه.

لقد كانت هذه النتيجة أبعد ما تكون عن المثالية. صحيح أنّ المعركة لم تحسم الفائزين بشكل مباشر، لكنها فعلت ما يكفي… ما يكفي لتضع أخته في المقدّمة عليه.

لم يكن بوسعه السماح بحدوث ذلك.

كان عليه أن يفوز بالعرش.

وقبل أن يُدرك، كان جون قد بدأ يقضم جلد أصابعه. ولمّا شعر بوخزٍ خفيف أدرك ما كان يفعله فتوقف. رفع رأسه من جديد، وحدّق بالشخصين الجالسين أمامه.

تنقّلت عيناه بينهما.

ثم—

“لم تُفقد كل سبل الأمل بعد.”

تحدّث المركيز مجدداً.

“لم تُفقد كل سبل الأمل بعد؟”

أمال جون رأسه، ونظراته يكسوها ضبابٌ غامض وهو يحدّق بالمركيز. وفي تلك اللحظة انتشرت هالةٌ ضاغطة في أرجاء الغرفة.

“ماذا تعني بذلك؟ هل يدور في ذهنك شيء ما؟”

وإذ شعر المركيز بنظرات الأمير، ضمّ شفتيه قليلاً قبل أن يومئ برأسه في النهاية. عاد بذاكرته إلى القتال، بل وحتى زار القائد ألباس. وخلال تلك المحادثة القصيرة، تبيّن له أمرٌ مثير للاهتمام.

“…خاتم العدم.”

تمتم بصوتٍ خافت:

“إنه في حوزة طفل إيفينوس. إن كشفت هذه المعلومة لهم، فأنا واثق من أنهم قد يغفرون هذه الإساءة. بل في الواقع…”

توقف قليلاً، ناظراً إلى الأمير وهو يعدّل نظارته.

“قد يدعمك ذلك أكثر أيضاً. كما تعلم، لقد كانوا يحاولون جمع القطع الأثرية السبعة منذ وقت طويل.”

ساد الصمت الغرفة بعدها مباشرة.

حدّق الأمير بالمركيز لثوانٍ، ثم ارتد للخلف على كرسيه وهو يربت بخفة على فمه.

وفي النهاية، تلألأت عيناه الصفراوان.

“أنت محق.”

عاد الابتسام إلى شفتيه أخيراً.

“قد تكون هذه في الواقع فرصة.”

“آه…”

أصلحتُ ياقة ملابسي بينما كنت أحدّق بالمبنى الضخم البعيد. لم يكن شيئاً مذهلاً على الإطلاق، فلم يتجاوز حجمه حجم القصر الذي أقمتُ فيه.

تحرّكت عدة شخصيات في أرجاء الساحة، وكلٌّ منهم يرتدي ثياباً رسمية أضفت على المكان جوّاً احتفالياً يكاد يكون مهيباً. كان الجو مشحوناً بالتوتر، وكأن كل خطوة نحو المدخل تحمل معها مستقبل الإمبراطورية.

…وربما كان الأمر كذلك بالفعل.

في وسط الباحة ارتفع نافورة فخمة، تتلألأ مياهها المتدفقة تحت ضوء الغروب المتلاشي. وعلى جانبي الطريق، اصطفت الشجيرات المشذّبة بعناية والزرع المعتنى به بعناية فائقة.

وفوق كل ذلك، كانت الشمس تهبط أكثر، ملطّخة الأفق بتوهّج برتقالي ناعم امتد عبر السماء.

…لا تخبرني أنّه هذا.

أعدتُ تعديل ياقة ثوبي بينما أحدّق في القصر البعيد.

لم يكن الأمر وكأني لم أتوقّع حدوث هذا. كان لا مفرّ منه. المشكلة الوحيدة أنني لم أكن مستعداً له.

على الأقل… ليس وأنا في هذه الحالة.

قد يكون صحيحاً أيضاً أنني أبالغ في التفكير. ففي النهاية، لم يخبرني أحد بأي شيء عن هذا.

لكن الحقيقة أيضاً أنني كنت نائماً طوال الأيام القليلة الماضية.

تمتمت بصوتٍ خافت.

ولحسن الحظ، عندما نظرت أمامي، لم يبدو أن أحداً قد تعرف عليّ بعد. وكان ذلك بفضل استخدامي لـ[حجاب الخداع] لإخفاء وجهي. لم أرغب في أن أكون محط الأنظار كثيراً.

على الأقل… ليس في حالتي الحالية.

“كيف تشعر؟”

وقف ليون بجانبي.

كان يرتدي بدلة فاخرة تحمل شعار إيفينوس، وشعره مرتب بعناية. كان القماش يلتصق بجسده بشكل أنيق، مبرزاً رقيّ التصميم. ومع كل خطوة يخطوها، كانت الأنظار تلقي نظرات خفية تجاهه، ليس لمظهره فحسب، بل للطريقة التي يحمل نفسه بها أيضاً.

…إنه يبالغ كثيراً.

تنهدت ونظرت أمامي.

رأيت كيرا وإيفلين تسيران أمامنا. كما اجتذبتا انتباه من حولنا بملابسهما اللافتة، التي كانت تتناغم مع لون عينيهما وشعريهما.

تقدمت بضع خطوات إلى جانب الطريق ودخلت المبنى.

على عكس التجمعات والولائم المعتادة، كان الجو عند دخولي القصر مشحوناً بالتوتر، إذ كان الناس منقسمين إلى عدة مجموعات متميزة. كان الصخب خافتاً جداً، والطعام الموضوع على الطاولات لم يلمسه أحد.

إلى أن—

“همم، لا مانع لدي.”

“…انتظري!”

تقدمت كيرا وإيفلين نحو الطعام.

لفتت الاثنتان انتباه عدد من النبلاء على الفور، لكن لم تبدُ أي منهما مهتمة بذلك وهما تتجادلان عند منطقة الطعام. تبعتهما بصمت، وألقيت نظرة على الطعام المرتّب بعناية.

في الواقع، أشعر بالجوع الشديد. لم آكل منذ ثلاثة أيام…

فور استيقاظي، اضطررت لتغيير ملابسي وحضور هذا التجمع. كان معدتي على وشك أن تصدر صوتاً في أي لحظة.

'…سآخذ شيئاً سريعاً وأنتهي من الأمر. في الوقت الحالي، سأأخذ هذا.'

ركزت نظري على بعض الأطعمة الباردة. بدا وكأنه نوع من اللحم موضوع فوق قطعة صغيرة من الخبز. التقطته وأخذت قضمة منه.

لكن—

هذا…

هذا بلا طعم.

نظرت حولي.

'أعلم أنهم ربما أوشكت أموالهم على النفاد بسبب ما أنفقوه على هذا الحدث بالكامل، لكن على الأقل كان يمكنهم توظيف طاهٍ محترف.'

ضممت شفتيّ وضيقّت عينيّ وأنا أتفحص المكان. وفجأة، شعرت بلمسة على كتفي.

“همم؟”

التفت لأرى إيفلين.

“هل كنت تبحث عن هذا؟”

“أوه!”

تألّقت عيناي عندما رأيتها ترفع زجاجة صغيرة، تحتوي على حبيبات بيضاء دقيقة.

الملح!

“نعم، هذا بالضبط ما أبحث عنه.”

هززت رأسي عدة مرات. كالعادة، إيفلين لاحظت المشكلة في الطعام أيضاً.

“هاه، دعني أضعه لك.”

“…تفضل.”

سلّمت إيفلين طبقي لها، ففتحت الزجاجة وصرّفت محتواها بالكامل فوق الطعام.

نظرت إلى إيفلين.

حدّقت بي هي الأخرى.

قبل أن أتمكن من نطق أي كلمة، دفعت الطعام في يدي نحوّي.

“هل هذا يكفي؟”

“…هل تعتقدين ذلك؟”

نظرت إلى الطعام المغطّى بالملح بالكامل. لم أعد أرى الطعام نفسه بعد الآن…

'ما الذي أصابها؟ لماذا صبّت كل هذا الملح فجأة على الطعام؟'

من تظنّني؟

الآن أصبح الطعام غير صالح للأكل تماماً.

“انظري، أعلم أنك تريدين المزاح معي، لكن—”

“لا، لست أفعل.”

وضعت إيفلين الملح جانباً.

“جربه فقط.”

ضيّقت عينيّ ونظرت إلى الطعام. لم تكن تمزح، أليس كذلك؟ ومع ذلك، عندما نظرت إليها ورأيت تعبيرها المُصِرّ، رضخت وأزلت بعض الملح قبل أن أتناول قضمة منه. أسوأ ما يمكن أن يحدث هو ان ابصق طعام .

لكن…

“أوه!”

كان الطعام مُتَبّلاً بشكل مفاجئ ورائع.

لم أستطع إلا أن أنظر إلى إيفلين بدهشة. لقد كانت تعرف حقاً ما تفعل.

توقفت بعد عدة لقيمات. ولاحظت تعابير إيفلين، ثم كيرا الواقفة خلفها، فضممت شفتيّ ونظرت إلى الطعام في يدي.

“هل تريدونه…؟”

حدّق الاثنتان بي بصمت. كان نظرهما بلا حياة لسبب ما.

كنت على وشك أن أسأل عن السبب، لكن قبل أن أتمكن من ذلك، تردّد صوتٌ معين في المكان:

“يبدو أن الجميع قد حضروا لنهاية الطقس.”

عندما التفت الحشد نحو مصدر الصوت، ظهر رجل يرتدي بدلة بيضاء نقية، وكانت كل خطوة له تصدح بهدوء في المكان.

بدا حضوره وكأنه يترسّخ في المكان من تلقاء نفسه، يفرض سيطرته دون أي جهد.

ارتسم على وجهه ابتسامة خفيفة وهو يتفقد المكان حوله.

وعلى جانبه سارت دليلة ، مرتدية زيها الرسمي المعتاد، ونظرتها الجافة تجوب الحشد قبل أن تلتقي عينيّ لفترة وجيزة. لوهلة خاطفة، تقابلا نظراتنا، ثم حولت انتباهها إلى مكان آخر.

ورغم أن ملابسها لم تكن مميزة، إلا أن دليلة لم تكن بحاجة لأي زخارف لتجذب الانتباه.

وجودها وحده كان يفرض الاحترام، كوزنٍ خفي يضغط على أي شخص يجرؤ على التحديق فيها طويلاً.

تقدّم الاثنان معاً بثبات نحو مركز القاعة.

وعند توقفه، نظر أورسون حول المكان.

ساد الصمت القاعة. جميع العيون كانت موجهة نحوه.

في تلك اللحظة، وفي ذلك الصمت، شعرت وكأنني أسمع الأصوات الداخلية لكل من كان حاضرًا.

ما كان الإعلان الكبير؟ ماذا أراد أن يقول…؟

لكن فضولهم لم يدم طويلاً.

“…أستطيع أن أرى تقريباً ما يفكر به كل شخص هنا. لذلك، لن أطيل الإعلان كثيراً.”

ترددت همهمات في المكان.

كان الترقب عالياً.

ثم—

حوّل أورسون انتباهه نحو دليلة .

“أنا هنا لأعلن رسمياً أن ابنتي مخطوبة الآن.”

ساد الصمت المكان بالكامل.

كانت كل العيون مركّزة على دليلة

لكن سرعان ما…

بوم!

اندلع المكان في فوضى عارمة.

2025/09/09 · 55 مشاهدة · 1384 كلمة
AA
نادي الروايات - 2025