في أعماق غابة، كانت السماء زرقاء، والسحاب الأبيض يسبح بحرية دون قيود، والشمس تراقب الأرض بهدوء مثل حارسٍ وفيٍّ. بين الأشجار برزت قرية بدائية، منازلها جدرانها مصنوعة من الأخشاب، وأسقفها من أوراق أشجار عملاقة وأعشابٍ كثيفة، وكان يحيط بالقرية سياج خشبيٌّ متآكل في بعض أجزائه. كان هناك خمسون منزلًا مصطفّةً بشكل عشوائي وسط خضرةٍ خانقةٍ تفوح منها رائحة رطوبةٍ وأوراقٍ عفنة.

حوله كان هناك سور من خشب، لكن أمام هجوم حقيقي كان هذا السور مجرد مزحة.

لكن المشكلة لم تكن في القرية، بل في من يسكنونها: كائنات خضراء قصيرة قبيحة المظهر، بأنوفٍ كبيرةٍ ومعقوفة، وآذانٍ مدببةٍ، وعيونٍ صفراء تلمع تحت أشعة الشمس المتسللة بين الأغصان، وأجسادٍ هزيلةٍ بالكاد يغطيها جلدُ حيواناتٍ مهترئ. كانوا يمسكون بعصيٍّ في نهايتها حجرٌ مربوط بكروم أشجارٍ جافةٍ، يتحركون بكسلٍ بين الأكواخ، وأصواتهم الغليظة تختلط بشخيرٍ خافتٍ وزفراتٍ نتنةٍ تملأ الجو حولهم.

كانت هذه قرية تابعة لمجموعة عفاريت، واحدة من أحقر الكائنات الحية وأكثرهم بشاعةً وجشعًا، يتنمّرون على الضعيف ويخشون القوي، كما أن هذا الجنس من الكائنات يتكاثر عن طريق اغتصاب إناث الأجناس الأخرى، خاصةً البشر. لذلك كان البشر يحتقرونهم و يتم قضاء عليهم دون لحظة تردّد، حتى مملكة الوحوش لا تهتم لهم، إذ يُستخدمون فقط كعلفٍ مدفوعٍ في حروبٍ واسعة النطاق.

بين شجيرةٍ كثيفةٍ تنبعث منها رائحة طحالبٍ رطبةٍ، ظهر ضوءٌ أحمر دمويٌّ يلمع. إن دقّقت النظر ستلاحظ كائنًا مغطّى بالوحل والأعشاب، مختبئًا بحذرٍ بين الأغصان. كان هذا كايل، الذي اكتشف هذه القرية على الخريطة التي كان يستعملها لعبور الغابة.

في البداية كان ينوي تجاهل هذه القرية وتجنّب صراعٍ بلا فائدة، لكن بعد تكثيف بذرة الحياة قرّر أن يتدرّب على استعمال هالة السيف.

«طوال اليومين الماضيين من المراقبة اكتشفت أنّ عدد العفاريت مئة ذكرٍ، ولم يكن هناك أثرٌ لأنثى أو أطفال.»

رغم أنّ العفاريت تتكاثر عبر استعمال إناث الأجناس الأخرى، إلا أنّ لديهم أيضًا إناثهم الخاصة، وسرعة إنجابهم عالية بشكلٍ سخيف، إذ تضع الأنثى مولودًا كل ثلاثة أشهر. تخيّل أنه كل ثلاثة أشهر يمكن لأنثى واحدة أن تنجب ثلاثة عفاريت، أي أنه في سنةٍ واحدةٍ يولد اثنا عشر عفريتًا، وتكتمل دورة نموهم خلال شهرين ليصبحوا قادرين على القتال.

«بصراحة ما زلت مصدومًا من المعلومات حول سرعة تكاثرهم... إنهم مثل الفطر في المطر.»

كان كايل قد اشترى معلوماتٍ وكتابًا من سوقٍ في مدينةٍ مركزيةٍ قبل الشروع في رحلته.

«حسنًا... أولًا يجب أن أكمل نصب الفِخاخ حول القرية لمنع أيّ عفريت من الهروب.»

خلال يومين من المراقبة صنع كايل العديد من الفِخاخ لمنع العفاريت من الفرار. كانت فِخاخًا بسيطةً لا تجذب الانتباه: أسلاكٌ حديديةٌ ربطها بين الأشجار والشجيرات، لا تنظر بازدراءٍ إلى هذه الأسلاك، فهي حادةٌ بدرجةٍ مرعبة. كما نشر على الأرض أشواك اللبلاب الدموي، حيث عثر عليها في الغابة، وهي حادةٌ بشكلٍ مرعب كما تحمل سمًّا يسبب ألمًا لا يُطاق، إذ يعمل على جعل الأعصاب أكثر حساسيةً للألم، وسبب تسميتها بهذا الاسم لونها الدمويّ الذي اكتسبته عبر سنين من امتصاص الدماء.

كان كايل مطمئنًا لأنّ فِخاخه لم تُكتشف، فهذه العفاريت لا تقوم بدوريةٍ أبدًا حول القرية.

«الليلة... سأقوم بإبادة هذه القرية.»

تحرّك كايل بين الشجيرات دون أن يُصدر خشخشةً تلفت الانتباه، حابسًا أنفاسه حتى لا يسمع أحدٌ وقع خطاه على أوراقٍ جافةٍ أو أغصانٍ متكسّرة. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى أنهى مهمّته وأكمل نصب الفِخاخ. بعد أن تأكّد من كل شيءٍ، انسحب بهدوءٍ نحو مخبئه من أجل أن يأكل طعامه قبل المعركة، إذ إن الحرب ببطنٍ فارغةٍ أمرٌ سيّئ، ويجب الحفاظ على طاقةٍ كبيرةٍ للقتال.

---

بسرعة حلّ الليل وانتشر اللون الأسود عبر السماء، وقليل من النجوم المتناثرة كان يلمع بهدوء.

لكن الليلة كان في السماء ضيفٌ قليل الظهور: كان هناك قمر.

نظر كايل إلى السماء ورأى القمر.

«هذه أول مرة أرى قمرًا في هذا العالم... إنه حقًا أكبر من قمر الأرض.»

كان القمر أكبر بخمس مرات من قمر الأرض ولونه أصفر، لكن أكثر شيءٍ جذّاب حول القمر كان وجود أربعة أقمارٍ صغيرةٍ تدور بهدوء حوله.

تساقطت أشعة القمر على الأرض لتضيء طريق كايل، كما لو أنّها تمهّد طريقه له.

كان كايل يقف على قمة شجرةٍ كبيرةٍ، في يده قوسٌ وسهم.

أخذ كايل نفسًا عميقًا.

«الليلة ستكون ليلة جميلة... قمر بدر، وعدوّ أمامي، وقوسٌ في يدي، وسيفٌ في اليد الأخرى، وقلبي متحمّس ودمي يغلي من الإثارة.»

سحب سهمًا ووجّهه نحو القرية التي كانت مشاعل نيرانها تُضيء.

صوت صفيرٍ وتمزيق هواءٍ ظهر فجأة، كسر صمت هدوء الليل.

بوم.

اخترق السهم رأس عفريت.

بسرعة حلّ الذعر بينهم، لكن كايل لم يتوقّف، أطلق سهمًا آخر.

كان كل سهمٍ يطلقه يسلب حياة عفريت.

بعد أن سقط أكثر من عشرين عفريتًا، قفز كايل من قمة الشجرة ووضع القوس والسهام في خاتم التخزين وسحب سيفه من على خصره.

كان كايل يسير بهدوءٍ، لا بسرعةٍ ولا ببطء، تحيط به جلالةُ ملكٍ لا يمكن مسّه أو تدنيسه.

كان شعره الأسود الطويل يتراقص خلفه مع نسيم الرياح، وعيونه خالية من المشاعر، قلبه هادئ وعقله ثابت.

اقترب كايل من سور القرية، وتجولت عيونه بسرعة. كان العفاريت يبحثون عن المهاجم وهم في حالة فوضى.

بسرعة لاحظ العفاريت كايل الذي كان يحمل سيفًا ويسير نحوهم.

ورغم غباء هذه الكائنات، إلا أنّهم استنتجوا أنّ المهاجم هو كايل.

فجأة صرخ عفريت بلغةٍ لم يفهمها كايل، إذ لم تكن لغةً مشتركةً للقارة التي يتحدث بها كل السكان تقريبًا.

«$$#"#$$#-»

«+&&$#@$&»

فجأة اندفع نحوه العفاريت.

«كما هو... عرقٌ يتنمّر على الضعفاء ويخشى الأقوياء.»

تمتم كايل بهدوء بينما بدأ في الركض، رفع سيفه ووجّه هالته نحو السيف، فظهر بسرعة بريقٌ برتقاليٌّ حول شفرته.

نظر كايل إلى اللون البرتقالي على شفرة سيفه، وظهرت بسرعة ومضة معلوماتٍ في ذهنه.

يمكن تقسيم الهالة إلى رُتب، مثل العين، ففي الرتبة البرونزية المنخفضة يستطيع تعزيز سيفه وجعله أقوى وأكثر حدة.

في الحقيقة هنا يبرز دور بذرة الحياة، وهي تسهيل استعمال الهالة.

وفي رُتبٍ متقدّمةٍ يمكن تعزيز الجسد أيضًا، كما يُضاف عنصرٌ لهجومه.

لكن كايل لا يمتلك كثيرًا من المعلومات، كما أنّ وضعه لا يسمح له بالتفكير كثيرًا، فهو في قتال.

بسرعة أرجح كايل سيفه بقطعٍ أفقيٍ، قطع أربعة عفاريتٍ مثل تقطيع بطيخ.

انفجرت دماء في الهواء تاركةً خلفه رائحةً قوية، كانت دماء هذه الكائنات تميل إلى اللون الأخضر.

توقّف العفاريت الذين كانوا يندفعون نحوه بسبب قوة كايل.

لكن فجأة ظهر صراخٌ من الخلف جعلهم يستمرّون في التقدّم.

كان من الواضح أنّه كان زعيم القرية، لكن كايل لم يهتم، بل تحرّك قبل صراخ الزعيم واستمر، إذ رفع سيفه وأرجحه مرةً أخرى ليسلب أرواحهم.

كان كايل مثل أسدٍ دخل إلى قطيع خرافٍ، بسيفٍ واحدٍ يقطع في العفاريت مثل الخضروات.

كان العفاريت يحيطون به من كل مكان، يلوّحون بعصيّهم، بينما كان كايل يتحرك بسرعةٍ ويتصدّى ويهاجم.

بسرعةٍ كان عدد العفاريت يتناقص، ولاحظ عديدٌ منهم ذلك.

وكما هو من عرقٍ جبانٍ، استداروا وبدأوا في الهروب، لكن كايل تحرّك برشاقةٍ، يلوّح بسيفه مثل شبح الموت، مغطّىً بدماءٍ خضراء ورائحةٍ أكثر كثافةً من الدماء العادية، تحمل دماء العفاريت رائحةً نتنةً تخترق الأنف.

لاحظ كايل أنّ هؤلاء العفاريت يركضون بسرعةٍ ويتفرّقون في اتجاهاتٍ مختلفة.

أخرج كايل قوسه ومجموعة سهامٍ وقفز فوق منزلٍ وثبّت نفسه وبدأ في اصطيادهم واحدًا تلو الآخر.

وبينما هرب بعضهم، انتهى أمرهم مقطوعين إلى أشلاء بفضل الأسلاك الحديدية، أو ينزفون دماءً بسبب الأشواك اللبلاب الدموية.

كان الهواء مشبّعًا برائحة دماءٍ نتنة.

قفز كايل من فوق المنزل وبدأ يتجوّل بين المنازل، لكن لم يكن هناك شيءٌ يستحق القيمة.

وبينما كان يتجوّل، لاحظ قمةً من تُرَبٍ مرتفعةٍ على شكلٍ غريب.

عندما اقترب لاحظ وجود فتحةٍ تؤدي إلى أسفل، وكانت رائحةٌ نتنةٌ لدرجة أنّه أغلق أنفه.

بسرعةٍ أحضر مشعلًا ونزل إلى الأسفل، كان الطريق عميقًا، وعندما وصل كان المكان واسعًا جدًا، بداخله عديدٌ من السجون مبنيةٌ في الجدران بأقفالٍ حديدية.

كان كايل مستغربًا، فهذه القرية في الأعلى لا يمكنها بناء سجنٍ كهذا.

تقدّم كايل إلى الداخل، والرائحة كانت أقوى، مما جعله يجعد أنفه ويضع يده الأخرى حول وجهه لتخفيف الرائحة.

نظر كايل إلى السجن، فإذا به يصدم: كان هناك بشر، كنّ إناثًا بشرًا، لكن مظهرهنّ بائس وعيونهنّ خاليةٌ من الحياة وأجسادهنّ مكشوفةٌ وبطونهنّ بارزة.

بسرعةٍ تجوّل كايل بعينيه بين غرفٍ أخرى، كانت كلها تحتوي على إناثٍ بشريات.

كنّ جميعًا بلا حياةٍ تقريبًا، يتنفّسن لكن فقدن الرغبة في الحياة.

« من واضح انه تم استعملهم لي يكونوا ادوات انجاب.»

أطلق كايل تنهيدةً طويلة.

«لا أعرف ماذا أفعل.»

كان كايل في حيرةٍ من أمره، هل يقتلهم وينهي معاناتهم أم يتركهم لمصيرهم؟

وبينما كان يفكّر خطرت له فكرة.

«لنجرب الماء المقدّس المخفّف... لأرى هل هناك نتيجة.»

بسرعةٍ قطع كايل القضبان ودخل نحو امرأةٍ كان من الواضح أنّها في منتصف عمرها، لم يهتم كايل حقًا بجسدها العاري أمامه.

انحنى قليلًا، حمل المرأة برفق وأخرج زجاجةً من خاتم التخزين، تحتوي على ماءٍ مقدّسٍ مخفّف.

«سيدتي، من فضلك افتحي فمك.»

لكن لم يكن هناك ردّة فعل، لذلك فتح فمها برفقٍ وسكب قليلًا من الماء المقدّس المخفّف وساعدها على البلع.

لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا، بعد ثلاث دقائق تحرّكت المرأة للأمام بسرعةٍ من يد كايل وبدأت تتقيّأ.

بسرعةٍ خرجت مادةٌ سوداء مقرفة، بها جمجمةٌ وأعضاءٌ لم يكتمل نموّها.

استمرّت المرأة في التقيّؤ لمدة نصف ساعة.

لم يتحرّك كايل بل راقب بطن المرأة المنتفخ يختفي تدريجيًّا.

وبعد أن توقّفت عن التقيّؤ انحنت إلى الخلف، لم يكن لديها ردّة فعلٍ مزلزلة كما كانت، لكن دموعًا انهمرت بهدوءٍ من عينيها.

عندما رأى كايل ذلك بدأ يفعل الشيء نفسه مع بقية النساء، حيث بلغ عددهنّ ثلاثين امرأةً.

2025/07/13 · 68 مشاهدة · 1452 كلمة
General_13
نادي الروايات - 2025