بعد أن اتخذ كايل قراره بالتخلي عن ماضيه كـ "جاك" واندماجه الكامل في هذا العالم، عاقدًا العزم على القتال من أجل بلوغ القمة ونيل الثروة، أدرك أن هذا العالم يختلف جذريًا عن الأرض. هنا، لا يتحكم المال وحده في المصير؛ بل إن القوة والسمعة يمكن أن تغير قدرك بالكامل.

خاصةً أنه ما يزال يحمل اسم "ليوثان" في خلفيته. وطالما استطاع إثبات نفسه من جديد، وتخرج من أكاديمية الفجر بنجاح، فسوف يحصل على الموارد والتدريب في مجالات متعددة. وربما يُختار لاحقًا ليصبح جنرالًا في جيش المملكة. ومع دعم عائلته، يمكنه أن يرتقي بسرعة... لكن عليه أولًا أن يُثبت قيمته.

تمتم بصوت منخفض وهو يحدّق في المرآة التي تعكس صورته أمامه، مخاطبًا نفسه:

"حسنًا... بقي نصف سنة على دخول الأكاديمية، وخمس سنوات من الدراسة بداخلها."

نصف سنة ليست بالمدة الطويلة، لكنها ليست قصيرة أيضًا... إنها فترة كافية لوضع أساس جيد، ووقت الدراسة نفسه سيكون فرصة لمواصلة التطور.

أخذ كايل نفسًا عميقًا، ملأ صدره بالهواء البارد الرطب الذي يحمل رائحة الخشب القديم والعفن الخفيف المتسلل من زوايا الغرفة الرطبة.

"يجب وضع خطة مفصلة للأشهر الستة القادمة."

توجه نحو الطاولة بخطوات حذرة، وسحب الكرسي الخشبي الصغير ببطء، فصرّ صريره في أرجاء الغرفة الضيقة، ثم جلس عليه. مدّ يده نحو خاتمه، وأخرج بسرعة بعض الأوراق وقلم ريشة مغموس بالحبر من داخل مساحة التخزين.

كان الخاتم يبدو بسيطًا من الخارج، مظهره لا يختلف عن أي خاتم عادي. لولا ذكريات كايل، لظنّ أنه قطعة عديمة القيمة.

"بصراحة... ما زلت مندهشًا أن العائلة قدمت لي خاتم تخزين متوسط."

عقل كايل بدأ يُحلّل سريعًا:

هل تعرف قيمة خاتم تخزين متوسط؟ إنه يساوي نصف مليون عملة ذهبية، وبمساحة تخزين تبلغ مائة متر مكعب!

في لحظة عابرة، خطرت له فكرة بيعه، لكنها سرعان ما تبددت، وكأن عقله ركلها بعيدًا.

"لا... لا، هذا الخاتم سيسهّل حياتي كثيرًا. لا يمكن التفريط به."

أمسك كايل قلم الريشة، وبدأ يدوّن أفكاره بتركيز واضح، حاجباه مقطّبان، وعيناه الحمراوان تلمعان بحدة.

"حسنًا، يجب أن أفرز ممتلكاتي أولًا."

رفع أصابعه وعدّ:

"أولًا: لدي 1000 قطعة ذهبية، وسأتلقى نفس المبلغ شهريًا من العائلة، يُرسل عبر الغرفة التجارية التابعة لها."

توقف لحظة، وهو يشعر بخشونة الورق بين أنامله، ثم تابع:

"ثانيًا: لدي عشر جرعات من الماء المقدس عالي التركيز، تم شراؤها من المعبد... سعر الزجاجة الواحدة 150 ذهبية، أي ما مجموعه 1500 ذهبية."

مرر أنامله على إحدى القوارير بلطف، زجاجتها النقية ووهجها الأزرق الناعم يمنحان شعورًا بالطمأنينة.

"تعمل على شفاء الجروح وتطهير الشرور... لكنها لا تنفع في الكسور. مع ذلك، طالما لم تقتلني الضربة مباشرة، يمكنها إنقاذي."

فتح إحدى الزجاجات قليلًا، واستنشق الرائحة المنعشة التي امتزج فيها عبير النعناع مع الأزهار المقدسة.

"أعتقد أنني سأقوم بتخفيف خمس جرعات مع الماء للاستخدام اليومي، وأحتفظ بالبقية للطوارئ."

وضع الزجاجات برفق داخل علبة مبطّنة بالقماش وأعادها إلى الخاتم، ثم عاد إلى الورقة:

"ثالثًا: لدي مجموعة من معدات القتال عالية الجودة... وبعض الجرعات التي تزيد من تدفق المانا، وتقوّي الجسد والروح."

مرر أصابعه على مقبض السيف المركون بجانب الطاولة، فشعر ببرودته تعبر جلده كتيار خفيف من الطاقة المتوهجة.

"وأهم شيء... التقنيات."

سحب كتابين من الخاتم ووضعهما أمامه على الطاولة بعناية.

الأول كان كتابًا لتقنية زراعة تساعد على بلوغ المستوى الذهبي، والثاني يحتوي على تقنية سيف من الدرجة الذهبية، كلاهما يتوافق تمامًا مع صفته النارية.

ابتسم كايل بخفة، وهمس:

"يبدو أن العائلة ما تزال تقدّر دمها..."

رغم أنه مطرود مؤقتًا ولا يرافقه حراس، إلا أن العائلة لم تبخل عليه بدعم جيد في بدايته.

"بصراحة، هذا تقليد قديم في العائلة... أشبال الأسود يجب أن تصطاد وحدها. إن أثبتوا أنفسهم، عادوا مرفوعي الرأس، وإن فشلوا... فعلى الأقل ماتوا كالأسود."

أغمض كايل عينيه للحظة، وتمتم تحت أنفاسه:

"وقد يكون الأمر قاسيًا، لكن من يلمس أحد أفراد العائلة... ستدوسه العائلة كلها كما يدوس قطيع الأسود خصمًا دخل أراضيه."

بينما كان يكتب على الأوراق ويضع خطة لمسار رحلته نحو موقع أكاديمية الفجر، تذكّر أنه الآن في إحدى المدن المركزية الواقعة شرق مملكة أستاليا. وقد تم إرساله إلى هنا عبر بوابة نقل آنية، حيث كانت أراضي عائلته تقع في الجنوب.

أكاديمية الفجر تقع في منطقة محايدة بين أربع ممالك تشكل تحالفًا، وتتدفق إليها أعداد من النبلاء أو الموهوبين الذين حصلوا على خطاب توصية. بالطبع، ليس بإمكان الجميع دخولها، فالجميع يخضع لاختبارات صارمة لاكتشاف الموهبة والقدرة الكامنة.

أما المدن المركزية، فهي أراضٍ تتبع للعائلة الملكية، لا تخضع لسلطة النبلاء. والغرض منها أن تكون مركزًا للتجارة والرقابة على العائلات النبيلة، ومنع اندلاع الحروب بينها. إلا إذا وُجد سبب وجيه يخضع لموافقة رسمي في المعبد "حاكمة الحياة" تحت شهادة كاهن المعبد الحياة.

تفاصيل العقد لم تكن واضحة لكايل بالكامل، لأن عائلة ليوثان لم تخض حربًا مع أي عائلة أخرى منذ أن تولّى جده الحكم.

كما أن أهم نقطة تكمن في أن هذه المدن تشكل قوة تجميع وحماية في حال اندلاع حرب كبرى ضد الغزاة.

تمتم كايل وهو يكتب:

"يبدو أن الحرب التي تحدث كل خمسين سنة ضد الوحوش ستبدأ خلال سنتين إلى ثلاث سنوات."

تُعرف باسم "حرب الشد والجذب". تهدف مملكة أستاليا من خلالها إلى التوسع على حساب أراضي الوحوش، بينما تسعى الوحوش إلى استعادة أراضيها المنهوبة.

ومنذ تحوّل دوقية أستاليا إلى مملكة قبل 1600 عام، لم تخسر المملكة سوى ثلاث إلى خمس مرات فقط، بخسائر محدودة.

وهذا وحده يثبت مدى قوة المملكة. رغم الإيمان بـ"حاكمة الحياة"، إلا أن أستاليا كانت مملكة حرب، كُتب تاريخها القصير بالدم والنار.

قد تقول: 1600 عام... هل هذا تاريخ قصير؟ والإجابة: نعم، بالنسبة لمن بلغوا المستوى الأسطوري، يمكن أن يعيشوا حتى 5000 عام على الأقل.

ليس لأنهم خالدون، بل لأن أعمارهم طويلة فحسب. ويمكن قتلهم بالطبع، لكن توجد اتفاقيات تمنع الأساطير من القتال ضد بعضهم البعض إلا في ظروف خاصة جدًا.

"أحتاج إلى خريطة لتحديد الطريق وإعداد مؤن السفر."

أنزل كايل قلمه، وأسند ظهره إلى الكرسي، ورفع رأسه نحو السقف الخشبي المتشقق، متأملًا في عروق الخشب التي رسمت خطوطًا تشبه الخيوط القديمة لحكايات منسية.

"حسنًا... هل أتدرب قبل حلول الصباح؟"

فتح كايل كتاب تقنية الزراعة.

(التقنية: أسد اللهب)

هذا هو اسم التقنية. بسرعة بدأ كايل في تصفح الكلمات واتباع التعليمات الموجودة داخل الكتاب، ثم جلس على أرضية الغرفة الباردة، واتخذ وضعية التأمل. استقام ظهره، أغمض عينيه، وأخذ شهيقًا عميقًا وزفيرًا بطيئًا، وبدأ بتدوير الهالة داخل جسده وامتصاص المانا من الهواء المحيط.

عند امتصاص المانا، يمكن تحويلها إلى هالة أو طاقة سحرية. فجأة، شعر كايل بشيء غريب.

كانت هالة نارية حمراء تحيط بجسده، وشعر بدفء حارق يسري عبر عروقه. فتح عينيه فجأة، ووجد نفسه قد أصبح "فارسًا من الرتبة البرونزية – منخفض".

صُدم كايل؛ فحسب ذكرياته، لم يكن قد بلغ هذه المرتبة بعد.

لكن سرعان ما تذكّر أنه عند امتصاصه لروح كايل السابقة، شعر بقوة تجري في عروقه في تلك اللحظة... لكنه لم يدرك معناها بالكامل آنذاك.

هدأ أنفاسه، واستمر في التدريب.

في هذا العالم، تم تقسيم مراتب المحاربين والسحرة على النحو التالي:

برونزي، فضي، ذهبي، بلاتيني، أرضي، سماوي، أسطوري.

وكل مرتبة تنقسم إلى أربع مراحل: منخفض، متوسط، عالي، ذروة.

الآن، وبعد أن أصبح كايل فارسًا برونزيًا منخفضًا، يمكنه أن يعيش 150 عامًا بهدوء... ما لم يُقتل قبل ذلك.

استمر كايل في التدريب حتى بزغ أول شعاع شمس وبدأ يطرد الليل من السماء.

فتح كايل عينيه الحمراوين بهدوء، وفيهما بريق لامع. أطلق نفسًا عكرًا، وعندما وقف، خرج صوت طقطقة من مفاصله، يشبه صوت الرعد الخافت.

كانت هذه المرحلة تُعرف بـ"طقطقة الرعد"، إذ يحدث تغيّر جسدي عند اختراق الرتبة البرونزية.

شعر كايل بجسده يشتد، وبدأ لون الشحوب يختفي من بشرته شيئًا فشيئًا.

"إن شعور أن تصبح أقوى... ممتع."

ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهه، ثم قرر الخروج لتناول الطعام، والقيام بجولة، وشراء خريطة استعدادًا لرحلته القادمة.

2025/06/15 · 122 مشاهدة · 1185 كلمة
General_13
نادي الروايات - 2025