فرك كايل عينيه مرةً أخرى، محاولًا فهم ذلك الضوء الذهبي الذي كان ينبعث من أربعة أكشاك متباعدة في المبنى.

لم يفهم كايل ما هو هذا الضوء الغريب، ولا لماذا ظهر فجأة.

تمتم بقلق وهو يغمض عينيه بقوة:

"اللعنة... هل هناك مشكلة في عينيّ؟"

ومع أنه واصل فرك عينيه بإلحاح، فإن الضوء لم يختفِ، بل ظل يلمع بقوة حتى بدأت عيناه تؤلمانه من شدّة الفرك.

عندها، زفر بضيق، وقرّر أن يقترب من أحد الأكشاك ليتحقق بنفسه من مصدر هذا الضوء الغريب.

بخطى سريعة لكنها مترددة، اتجه كايل نحو أحد الأكشاك القريبة.

الجو كان مشبعًا بروائح التوابل النفّاذة، ممزوجة برائحة العرق والجلود المدبوغة.

أصوات الباعة المتداخلة تملأ المكان، كلٌّ منهم يصيح بعروضه وكأن صوته وحده سيجلب الزبائن.

كان السوق يعج بالحركة والحياة؛ أطفال يركضون بين الأرجل، ورنين مطرقة حدّاد يدق على الحديد يتردد في الخلفية كإيقاع دائم لا ينقطع.

وصل كايل إلى كشك صغير بدا شبه مهمل، جلس أمامه بائع عجوز على صندوق خشبي متهالك.

أمامه طاولة منخفضة عرض فوقها عددًا من الأشياء: دروع خفيفة باهتة، مجوهرات بسيطة، وأكسسوارات معدنية زاهية.

لكن ما جذب نظر كايل كانت تلك المزهرية القديمة التي تتوهج بضوء ذهبي خافت، كأنها تنبض بالحياة.

كان الضوء ينساب منها بهدوء، مثل تنفّسٍ بطيء، وكأنه يدعو الناظر إليه.

كانت المزهرية مصنوعة من خزف قديم، بنقوش دقيقة لا تزال واضحة رغم آثار الزمن.

بدا كايل مسحورًا بها، وعيناه تتأملانها بتركيز شديد، كأن الزمن توقف للحظة.

رفع يده قليلًا كأنه يحاول لمسها، لكنّه توقف في منتصف الحركة.

لاحظ العجوز اقتراب كايل، فحدّق فيه بنظرة فاحصة.

وعلى الرغم من أن كايل كان يضع رداءً يخفي ملامحه، فإن البائع استطاع تمييز وقفته، وخيوط الرداء الفاخر، وربما حتى نبرة خطواته.

عرف على الفور أنه أمام شخص ليس عاديًا.

الغريب أن العجوز لم يتحدث، ولم يحاول الترويج لبضاعته مثل بقية الباعة من حوله.

كايل لم يُعر العجوز اهتمامًا كبيرًا، فقد كان كل تركيزه منصبًّا على المزهرية التي ينبعث منها الضوء الذهبي.

عيناه تتنقلان ببطء بين المزهرية وبقية الأغراض، يحاول اكتشاف ما يجعل هذه القطعة مختلفة بهذا الشكل.

وفجأة، ظهرت أمامه شاشة شفافة متوهجة:

> [الاسم: مزهرية زهور ضوء القمر

النوع: قطعة قديمة

الوصف: يعود تاريخها إلى 500 عام من عصر النهضة. كانت في الأصل ملكًا لعائلة دوقية أورين، لكن بعد دمارها في الحرب الكبرى ضد مملكة أستاليا، اختفت جميع آثار تلك العائلة.]

تجمّد كايل في مكانه، عيناه تتسعان في صدمة، وصدره يهبط ويعلو بسرعة.

لكنّه سرعان ما تنفّس بعمق ليُعيد السيطرة على نفسه.

لم يكن يتوقع ظهورًا مفاجئًا كهذا، دون أي مقدمات أو تحذير.

مدّ يده ببطء نحو عينيه، لكنه تراجع حين تذكّر الألم الذي لا يزال ينبض فيهما من الفرك.

ابتلع ريقه بصعوبة، وهو يقرأ المعلومات التي عرضتها الشاشة أمامه، وتمتم في نفسه:

"هل تدرك كم ستكون قيمة هذه المزهرية إن تم كشف حقيقتها وبيعها في مزاد؟"

لم يستطع كايل تخيّل السعر الذي قد تصل إليه، لكنه كان واثقًا أنها لن تُباع بثمن بخس.

في نهاية المطاف، هذه المزهرية تعود لأحد أعظم العائلات التي مرّت على القارة: دوقية أورين.

دوقية أورين... تلك التي كانت على بُعد خطوة واحدة من أن تصبح مملكة، لكنها وضعت نظرها على الأرض الخطأ.

كانت تطمع في الاستحواذ على أراضي مملكة أستاليا.

لكن، كيف يمكن مقارنة طموح دوقية، مهما كانت قوية، بمملكة كأستاليا؟

مملكة تُحسب لها الممالك المحيطة ألف حساب.

حتى عائلة ليوثان، التي كانت في ذلك الوقت تُصنّف ضمن أفضل عشرين عائلة نبيلة في مملكة أستاليا، كان بإمكانها تدمير عشر مدن من مدن دوقية أورين.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار قوة أورين. بل على العكس، أثبتت نفسها أمام العالم، وكادت تُصبح مملكة قوية تواجه بقية الممالك.

أما مملكة أستاليا... آسف، حين تصل إلى مستواها، ستكون بالفعل قد أصبحت الإمبراطورية القادمة في هذه القارة.

لكن، لندع كل هذا الآن...

كايل لم يستعجل في فهم كيف ظهرت هذه الشاشة أمامه، ولا الضوء الذهبي الذي رافقها. كان الأمر مربكًا، لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا:

عليه أن يشتري هذه المزهرية، بل وكل ما ينبعث منه هذا الضوء الذهبي.

رفع كايل عينيه عن المزهرية ونظر إلى العجوز.

كانت عينا العجوز حمراء باهتة، لكن هادئة كبركة ساكنة.

قال كايل بصوت هادئ، لكنه يحمل نبرة عزم لا تخطئها الأذن:

"بكم ثمن هذه المزهرية؟"

ردّ العجوز، بصوت عميق ومتعب، كأنه يأتي من زمنٍ بعيد لا من حاضر السوق:

"عشر قطع فضية."

كانت نظراته وصوته يؤكدان أن هذا هو السعر النهائي، ولا مجال للمساومة.

نظر كايل بهدوء دون أن ينطق بكلمة واحدة، وظل ساكنًا لخمس ثوانٍ كاملة، كأن الزمن توقف.

ثم نطق بصوت ثابت، خالٍ من الانفعال:

"عملة فضية واحدة."

تغيرت ملامح وجه العجوز للحظة، عبوس خفيف مرّ على قسماته، لم يغب عن عيني كايل الحادتين.

قال العجوز بنبرة هادئة، لكنها تحمل شيئًا من الانزعاج:

"هل تمزح، أيها الشاب؟ تخفض السعر من عشر قطع فضية إلى واحدة مباشرة؟"

ارتسمت على شفتي كايل ابتسامة خفيفة، بالكاد ملحوظة.

ثم قال بنبرة باردة:

"ماذا؟ هل تعتقد أن هذه القطعة تستحق عشر قطع فضية؟"

أجاب العجوز مباشرة:

"نعم."

"هل أنت متأكد؟"

ظل صوت كايل هادئًا، ثابتًا كبحيرة ساكنة.

تراجع العجوز قليلًا في جلسته، ولم يجب مباشرة، كما لو أن السؤال اخترق يقينه للحظة.

في الحقيقة، كان كايل ينوي دفع السعر كاملاً، لكنه لاحظ منذ اقترابه من العجوز وجود خطوط رمادية تحيط به.

لم يكن الوحيد، فبعض المشردين الذين مرّ بهم كايل سابقًا كانت تحيطهم خيوط سوداء، حيث كانوا ينوون سرقته من قبل.

في البداية، اعتقد كايل أنها آثار تحوّله إلى فارس برونزي منخفض الرتبة،

لكن مع ظهور الضوء الذهبي، بدأ يشكّ في أن لهذه الألوان معنًى.

ثم لاحظ أن لون العجوز تغيّر من الرمادي إلى الأصفر، بل أصبح يغلفه بالكامل.

حينها أدرك كايل، بشكل غرائزي، أن هذه الألوان تمثل مشاعر الكائنات الحيّة تجاهه.

الرمادي يرمز إلى الحياد، الأسود إلى الشر، والأصفر إلى الجشع.

فهم كايل أن العجوز لا يعرف قيمة المزهرية الحقيقية.

حسنًا، لو كان يعرف، لما وضعها على كشك متداعٍ...

وبما أنه أراد استغلاله، فما عليه إلا أن يردّ الصاع.

لذلك للأسف بالنسبة له، هذه "الصفقة" أصبحت في يد كايل الآن.

أما من أين أو كيف عثر عليها، فلم يسأل كايل.

عندما لاحظ كايل تردد العجوز، واصل الضغط:

"إذن أنت لست متأكد، ترددك فضحك."

صرخ العجوز فجأة:

"أنا متأكد! إنها تستحق عشر قطع فضية!"

نظر إليه كايل بعينين ثابتتين.

التفت بعض الباعة من الأكشاك حوله، وهزوا رؤوسهم عندما رأوا أن كايل، الذي كان من الواضح أنه شاب ولا يعرف الكثير، قد يتعرض للاحتيال من قبل العجوز.

ابتسم كايل بخفة، ثم قال:

"هاه، إن كانت هذه الخردة تساوي كل هذه الأموال، لماذا لا تبيعها في غرفة التجارة؟"

بدأ اللون الأصفر يتحوّل تدريجيًا إلى برتقالي.

ثم أضاف بهدوء:

"هيا، ما القرار؟ عملة فضية واحدة، أم لا تريد إتمام الصفقة؟"

لم يواصل كايل الضغط، بل انتظر بصمت.

وحين لاحظ أن اللون أصبح برتقاليًا بالكامل، في دلالة على الشك والتردد، تظاهر بالرحيل.

وما إن استدار، حتى صاح العجوز بصوت مرتجف:

"تمت الصفقة! عملة فضية واحدة!"

توقف كايل، ثم التفت إليه دون تعبير واضح على وجهه، وأخرج عملة فضية ودفعها.

أخذ المزهرية، وانسحب بهدوء وسط الزحام، دون أن ينظر خلفه.

راقب العجوز ظهر كايل يختفي بين الحشود، ثم تمتم بضيق:

"اعتقدت أنني سأربح من هذا الطفل... لكن للأسف، خسرت الصفقة أمامه."

بسرعة، تجوّل كايل بين بقية الأكشاك التي ينبعث منها الضوء الذهبي؛

حيث وجد مشط شعر يعود إلى مائة عام، كان ملكًا لكونتيسة دموية، وقلادة تعود إلى 300 عام كانت ملكًا لقديسة من معبد الحياة، وأخيرًا قناع لم يكن له تاريخ طويل ولا مستعمل سابق.

بعد التفاوض مع الباعة، عاد كايل نحو الفندق الذي يقيم فيه من أجل فهم ما يحدث هذا اليوم،

حيث ظهر أولًا الضوء الذهبي الذي أرشده إلى أدوات قديمة، ثم شاشة عرضت معلومات العناصر، وأخيرًا قدرته على رؤية مشاعر الأشخاص تجاهه.

كل هذا حدث دفعة واحدة، ويحتاج إلى تحليل وفهم ماذا يحدث معه .

من أجل تعديل خططه، أو الاستمرار كما هو دون تغيير.

2025/06/25 · 91 مشاهدة · 1231 كلمة
General_13
نادي الروايات - 2025