بعد أن عاد كايل إلى الفندق الذي يقيم فيه من طريق مختلف، وذلك لتجنّب أن يتبعه أحد أو يلاحظ شخص ما الطريق الذي يسلكه.
كان كايل حذرًا جدًا ومصابًا بجنون العظمة؛ إذ كان عليه وضع جميع الاحتمالات في حسبانه.
عندما وصل إلى الفندق، دخل إلى غرفته وأغلق الباب بإحكام. تجوّل ببصره في الغرفة ولاحظ أن كل شيء في مكانه. تنفّس الصعداء، لكن حذره لم ينخفض، بل بقي متيقظًا أكثر من ذي قبل.
بسرعة، جلس كايل على الكرسي أمام الطاولة، التي رصّ عليها جميع العناصر التي وجدها في السوق.
كانت أمامه مزهرية زهور بسيطة تفوح منها رائحة خفيفة، ومشط شعر خشبي تفوح منه رائحة عتيقة باهتة، وقلادة قديمة، وقناع بسيط المظهر.
لو رأى شخصٌ آخر هذه العناصر لاعتبرها أشياء عادية لا قيمة لها، وربما اتّهم كايل بالجنون بسبب تحديقه فيها بعينين ناريتين تلمعان بالحماس.
لكن عيون كايل لم تكن ترى السطح فقط؛ بل كانت ترى ما هو أعمق… ترى تاريخ هذه القطع.
وهنا جاء السؤال الأهم: كيف يحصل كايل على هذه المعلومات؟
تمتم كايل لنفسه بصوت خافت وهو يمرر أصابعه على حافة المزهرية:
«لا يوجد في ذكريات كايل ما يدل على أن لديه هذه القدرة…»
حاول كايل فهم ما يحدث، لكن عقله لم يجد جوابًا، وبينما كان يفكر، لمعت ومضة إلهام حمراء في عينيه.
همس لنفسه، ونظره مركّز على انعكاس القلادة في الطاولة:
«هل يمكن أن هذه القدرة ليست ملك كايل السابق… بل ملكي أنا؟»
كلما غاص كايل في التفكير، ازداد إدراكه للأمر أكثر.
تسلّل إلى صدره شعور غريب، شعور بالحقيقة. زفر بخفة وتمتم بصوت منخفض وهو يمرر يده على جبينه:
«بصراحة… ما زلت مصدومًا من انتقالي إلى هذا العالم. كنت أعتبر فكرة التناسخ أو التجسّد مجرد خيال موجود فقط في القصص… لكنها حدثت فعلًا. إذن لا بد أن تكون هذه قدرة غش خاصة بي.»
بعد أن شعر أن هذا منطقي بعض الشيء، ظهر سؤال جديد في رأسه: كيف يعمل هذا «الغش»؟
أغمض كايل عينيه ببطء، وأخذ نفسًا عميقًا، واستنشق رائحة الغبار الخفيف في الغرفة، ثم بدأ يفكر في طريقة لفهم غشه.
تمتم بصوت بالكاد يُسمع:
«أذكر أنه في الروايات… عندما ينتقل البطل إلى عالم آخر ويحصل على غش، تكون هناك شاشة حالة تشرح كل شيء… إذن، هل يمكن أن تكون لديّ شاشة مثله؟»
حين خطرت له هذه الفكرة، شعر بشيء من عدم المنطقية، وتقلّصت شفتيه في ابتسامة باهتة ساخرة.
«هل كل شيء يسير معي مثل الروايات؟» همس في داخله.
لكن ما المنطق أصلًا؟ لقد تجسّد في هذا العالم ولم يؤمن به من قبل، ومع ذلك حدث ما حدث، وظَهَرت له هذه القدرة. وآخر شيء خطر له قد يحدث أيضًا… شاشة حالة؟
وفجأة فتح كايل عينيه على وسعهما، وانتصب جسده للأمام وصاح بصوت منخفض لكنه حاد:
«شاشة حالة!»
ظلّ يحدّق أمامه، في انتظار ظهور شيء ما… لكن للأسف، لم يظهر شيء.
رمش كايل بعينيه عدة مرات، وارتفعت حرارة أذنيه خجلًا. وضع يده خلف عنقه، وتمتم بامتعاض:
«هذا محرج… من حسن حظي أنني وحدي.»
أطلق زفيرًا ثقيلًا وهو يحاول تهدئة عقله وإخماد خجله، لكن في اللحظة التي هدأ فيها قلبه قليلًا… حدث شيء.
توهّج أمامه ضوء خافت… وظهرت شاشة شفافة تتلألأ وسط الغرفة!
شعر كايل بأن قلبه ينبض بقوة، يكاد يقفز من صدره. رمش عدة مرات، كأنه يريد التأكد أن ما يراه ليس وهْمًا.
تمتم بشفتيه، يحدّق في الشاشة بشيء من الذهول:
«يا رجل… قبل لحظة كنت أشعر بالإحراج… والآن تظهر شاشة الحالة أمامي!»
سرعان ما انحنى إلى الأمام، يقترب من الضوء الشفاف الذي تلوّن بأطياف زرقاء وخضراء خافتة، وبدأ يراقب المعلومات التي تتوالى أمام عينيه:
[الاسم: كايل ليوثان
العمر: 15
المهنة: فارس
الصفة: نار / ؟؟؟
الرتبة: فارس برونزي منخفض
التقنيات: تقنية تأمل أسد اللهب
(انقر للانتقال إلى الشاشة الثانية)]
كانت شاشة بسيطة، لكنها عرضت كل شيء يعرفه بالفعل. قطّب كايل حاجبيه وهز رأسه بخفة، وقال بصوت خافت، وهو ينقر بأصبعه في الهواء وكأنه يحاول لمس الكلمات:
«لكن ما الفائدة؟ أعرف كل هذه المعلومات… انتظر، لماذا توجد علامات استفهام في الصفة؟»
حاول فهم الأمر، لكن النظام أمامه بدا بلا عقل ولا ذكاء ليفسر له. شعر بشيء من الحموضة يملأ صدره، زفر من أنفه ببطء وهو يمرر يده على ذراعه المتوتّر.
ثم لمحت عيناه جملة صغيرة أسفل الشاشة جعلته يحدّق فيها بشك:
«انقر للانتقال إلى الشاشة الثانية.»
قرأها كايل، وارتسمت على شفتيه ابتسامة مائلة نصف ساخرة، ثم تمتم بضيق:
«لماذا عليّ النقر؟ أريد تفعيل نظام تحكم عن بعد بدلًا من هذه… الشاشة الغبية.»
رغم تذمّره، رفع يده ببطء، مرّر إصبعه في الهواء، ولمس الكلمة كما لو أنه ينقر على زجاج. على الفور تغيّرت الشاشة أمامه، وظهرت صفوف جديدة من المعلومات تتدفّق أمام عينيه.
[السمات:
1: قلب وعقل بارد
لا يفقد أعصابه مهما كان الخطر أو الألم أو الضغط. يمنحه أفضلية في القتال والتخطيط واتخاذ القرارات.
2: تكيف
قادر على التأقلم بسرعة مع أي بيئة أو موقف، سواء في صحراء قاحلة أو سجن مظلم أو وسط معركة نارية.
3: مقاومة السموم واللعنات
يستطيع تطوير مقاومة لأي سم أو لعنة أو حرارة أو برودة أو تلاعب عقلي.
4: اللمسة الذهبية
قدرة خيالية لتحويل أي شيء قديم أو مهمل إلى كنز، بمنحه خصائص سحرية أو قيمة تجارية عالية.
5: عين الاستثمارات
يرى الأشياء أو الأشخاص القادرين على منحه نفعًا (مال، حلفاء، أدوات قوية)، مع تقييمات دقيقة لقدراتهم.
6: تقييم
يستطيع تقييم كل شيء.
7: ضد القدر
هو يسير ضد القدر، فلا يستطيع أحد رؤية قدره أو التلاعب به، يصعب على السحرة أو المتنبئين قراءته أو استهدافه. حتى الحكام لا يمكنهم رؤيته إلا إن كان ضمن مجالهم، ومع ذلك لا يستطيعون التحكم بقدره أو تغييره، حتى حكام القدر أنفسهم.
8: ذكاء استراتيجي
عقل فذ للتخطيط، تحليل المعارك، إدارة الموارد، وفهم نوايا الخصوم.
9: موهبة فريدة
يحمل «موهبة وُلدت مرة واحدة في التاريخ»، تجعله يتفوّق على كل من في عمره في أي مهارة يتعلّمها.
10: بصيرة المشاعر
يرى المشاعر الحقيقية للآخرين نحوه كهالات: حب، كراهية، خوف، خيانة، ولاء، طمع…
11: حاسة الخطر
إحساس خارق ينبهه إلى وجود أي خطر، مع تقدير مستوى التهديد (من إصابة بسيطة إلى موت محقق).
12: جسد طبيعي
سرعة شفاء مذهلة، استرجاع مانا سريع، جلد ذهبي، عظام فضية، قدرة تحمّل مذهلة، وقوة جسدية مرعبة.]
قرأ كايل السطور ببطء، أحسّ بقشعريرة تزحف على ظهره. في البداية ارتبك، ثم شكّ، ثم سرى فهمٌ غامض في صدره، تلاه مزيج غريب من فرح وخيبة ودهشة.
وجهه تغيّر مرارًا، بين عينين متسعتين، وابتسامة متوترة، وشفاه ترتعش قليلًا. في النهاية، هدأت تعابيره شيئًا فشيئًا، لكنه بقي يحدّق في الشاشة بعينين تغشاهما نظرة حائرة ومشاعر متداخلة.
تنهد بعمق، وخرج من صدره نفس ثقيل امتزج بصوت خافت:
«لم أتوقع هذا أبدًا…»
شعر بشيء دافئ وثقيل يطفو في صدره، ذكريات بعيدة تفجّرت أمام عينيه كشرائط ضبابية. لم تكن ذكريات كايل… بل ذكريات «جاك».
همس لنفسه بنبرة واهنة، بينما كانت أطراف أصابعه ترتجف بخفة فوق مسند الكرسي:
«لم أتوقع أن ما كتبته قديمًا… أصبح غشي هنا. هيهي…»
خرجت ضحكة من فمه، لكنها لم تكن ضحكة فرح، بل كانت ضحكة ثقيلة امتزج فيها الحزن والألم. شعر بمرارة تنساب من صدره إلى حلقه، ثم رفع رأسه وأسند مؤخرة رقبته إلى ظهر الكرسي، وأدار وجهه نحو سقف الغرفة الباهت.
حدّق في السقف وكأنه يقرأ عليه كل ما فاته. ذكريات متقطّعة، مشاهد باهتة، لكن مزعجة.
تلك السمات التي أمامه الآن… ليست مجرد كلمات على شاشة. كانت هي «الشاشة» التي ابتكرها بنفسه ذات زمن، عندما كان شابًا مرحًا في المدرسة الثانوية. كان يبحث عن طريقة غريبة لكسب المال، وأراد أن يطرق باب كتابة الروايات.
بدأ حينها في كتابة روايته الأولى والوحيدة، تلك التي لم يرها أحد، سوى من سخروا منه وأجبروه على التخلّي عن حلمه. بطل تلك الرواية كان يمتلك شاشة حالة بسيطة ومجموعة سمات ستساعده على شقّ طريق القوة بصعوبة ومشقّة. كان جاك في ذلك الوقت شابًا حالمًا، بخيال جامح وطموح لا يُروّض.
ابتسم كايل بسخرية خافتة، والدمع يلمع في عينيه دون أن يسقط. همس في داخله، وصدره يعلو ويهبط ببطء:
«بصراحة… ما زلت لا أفهم لماذا أنا هنا… أو لماذا ظهر غشي الذي كتبته بيدي…»
شدّ قبضته ببطء، وضغطها على صدره وكأنه يقبض على قلبه نفسه. ثم همس في صمت، بينما عينيه تحدّقان في الفراغ:
«أيًا كان من أحضرني هنا… وما هدفه… أو إن كنت هربت إلى هنا… أو دخلت دوّامة تناسخ… هناك شيء واحد سأفعله: سأصل إلى القمة… وأكتب قدري بيدي… مهما كانت الظروف.»