تحرّك كايل نحو الغابة، وكان شكله يختفي تدريجيًا عن نظر الحارس على سور المدينة.

كانت الغابة التي سيدخلها ليست خطرة جدًا، إذ يتم تطهيرها سنويًا من الوحوش وقطاع الطرق، لكن الخطر لا يختفي تمامًا بل يقلّ فقط.

كان كايل يسير على حافة الطريق، يشاهد العربات وهي تتخذ طرقًا أخرى وتلتفّ حول الغابة، كما رأى بعض الفرق تتجه نحو الغابة مثله.

بسرعة، وصل كايل إلى أطراف الغابة وامتزج مع ظلال أشجارها العملاقة.

كان يتحرك برشاقة وحذر بين الظلال، فلم يكن مغرورًا ليسير وحيدًا في الغابة بكل تبختر وغرور. كانت رائحة التراب الرطب والأوراق المتعفنة تملأ أنفه وتزيده يقظة.

وبينما يسير، كان أحيانًا يسمع أصوات الوحوش وحفيف الرياح بين الأغصان.

توقف كايل على قمة غصن شجرة، استقام جسده بثبات بينما يراقب الأعماق المظلمة تحت قدميه.

«يستغرق المرور عبر الغابة يومين على أقل تقدير…»

نظر كايل إلى أعماق الغابة وفي يده بوصلة صغيرة يتتبع بها الاتجاه.

بسرعة، قفز من فوق الغصن وبدأ يركض بخفة بين ظلال الأشجار المتساقطة أوراقها على الأرض الرطبة.

كان صدره يرتفع ويهبط مع كل نفس بارد يدخل رئتيه محملًا برائحة الطين والأشجار.

وبينما كان يركض، شعر بخطر يحدق به. حيث تم تفعيل سمة الحسة خطر ، لكن لم يتوقف عن الركض، لكن شعور الخطر كان يتزايد في صدره مثل وخز الإبر.

«من تسبب في هذه الهالة؟ لا بد أن يكون في المقدمة…»

وبينما كان يفكر، لمع ضوء في الأفق أمامه.

قبل أن يتمكن كايل من التراجع عن مواجهة الضوء، انطلق نحوه سهم!

كان السهم سريعًا جدًا، ولم يكن لدى كايل وقت ليتجنبه، لكن جسده تحرك غريزيًا، فتمكن من تفادي الإصابة القاتلة، إلا أن السهم مزّق جلده وترك جرحًا عميقًا على يده اليسرى. سال الدم دافئًا برائحة معدنية نفاذة.

لكن من واضح ان طرف آخر لا يريد منحه لحظة راحة، انطلقت نحوه مجموعة من الأسهم بسرعة السهم الأول نفسها.

لم يكن كايل يستطيع تجنبها كلها، فتمتم:

«إن لم أستطع تجنبها… أشقها!»

بسرعة، أخرج سيفه ولوّح به بمهارة، فحطّم بعض الأسهم الموجهة إليه وتفادى الأخرى، بينما يتراجع بخفة بين الأشجار ليختبئ ويستخدم جرعة ماء مقدس مخففة من أجل العلاج. رغم أنه يمتلك سمة جسد طبيعي تساعده على الشفاء، إلا أن الأمر خطير ويستلزم تدخلًا سريعًا.

لم يلحظ المهاجمون ذلك، لأن كايل كان يتمايل يمينًا ويسارًا، وسيفه يشق الهواء ويصد الأسهم بصوت معدني حاد.

فجأة، ودون سابق إنذار، اخترق شجيرة كثيفة واختفى خلفها مبتعدًا عن وابل السهام.

اختبأ كايل خلف جذع شجرة عملاقة، كان يشعر بألم لكن بفضل سمة قلب و عقل بارد جعله يتحمل الألم حيث قم بأخرج من خاتم التخزين قارورة صغيرة تحتوي ماء مقدسًا مخففًا. بسرعة، سكب السائل البارد على جرح يده اليسرى، بينما زفرت جروحه رائحة دم طازج مختلطة بعطر الماء المقدس.

بدأت الجروح تلتحم ببطء تحت أنفاسه اللاهثة، وأسند ظهره إلى جذع الشجرة الصلب، ناظرًا بحذر إلى الجهة التي جاء منها الهجوم. رأى بين الشجيرات مجموعة من الرجال يخرجون ببطء، كانوا عشرة أشخاص تقريبًا.

كانوا يرتدون ملابس بسيطة، لكنهم مجهزون بدروع جلدية وسيوف على خصورهم، وأقواس مشدودة في أيديهم.

قال رجل نحيف بصوت خافت موجهًا كلامه إلى رجل طويل عريض الكتفين يرتدي درعًا حديديًا بجودة عادية:

«يا زعيم، أين اختبأ ذلك الطفل؟»

ابتسم الرجل العضلي ابتسامة بشعة كشفت أسنانه الصفراء، وقال:

«لا تقلق… لن يستطيع الهرب، السهام التي أصابته كلها مسمومة.»

بينما كانوا يتحدثون، شعر كايل بدوار مفاجئ، ارتعشت يده ووضعها على رأسه وهو يشعر أن رؤيته أصبحت ضبابية.

«اللعنة… ماذا يحدث…»

فجأة، انبثقت أمامه شاشة شفافة:

[تم تفعيل مقاومة السموم]

[تم اكتساب مقاومة سم التخدير الشائع]

بدأ كايل يشعر براحة أكبر قليلًا، لكن لم يكن لديه وقت لفهم ما اكتسبه. ضغط قبضته على سيفه بقوة، وغمغم لنفسه:

«الشخص الذي يمثل أكبر خطر لي… هو زعيمهم.»

[الاسم: زو

الرتبة: قريب من أن يصبح فارسًا متدربًا

الوصف: زعيم مجموعة قطاع طرق نشأت حديثًا، ليس لديهم الكثير من الأموال، لكن لديهم خريطة قديمة.]

«لم يصبح بعد فارسًا برونزيًا منخفض الرتبة، أي أنه أقل مني…»

بسرعة، حسب كايل الأمور وبدأ يخطط لخطة مثالية.

نهض عندما تأكد أن جرحه التأم بالكامل، ثم ركض نحو أعماق الغابة، تاركًا وراءه آثار أقدامه على الأوراق المبللة.

سمع قطاع الطرق صوت خطواته، وابتسموا بسخرية، وقال أحدهم:

«اهرب… هذا سيجعل اصطياد الفريسة ممتعًا!»

«نعم، نعم… سيكون ممتعًا!»

صرخ زعيمهم:

«هيا يا إخوتي، لنلحق به!»

ركضوا خلفه عبر الظلال، يظنون أنه هرب بعيدًا… لكن كايل كان يجلس ثابتًا فوق شجرة ضخمة مرّت عصابتهم تحتها. كانت خطته بسيطة؛ أوهمهم أنه هرب، ثم اختبأ لينقضّ عليهم من الخلف بسلاحهم ذاته.

أخرج كايل قوسًا وبعض الأسهم من خاتمه، بسرعة ثبت سهمًا على القوس، وعيناه الباردتان تخترقان كل شيء أمامه.

أخذ نفسًا عميقًا، رئتيه تمتلئان برائحة الغابة العميقة.

«أنا أقتل كي أعيش… لا، لن أكذب على نفسي. أنا أقتل لأنهم حاولوا قتلي… لن أحل خصمي بسلام.»

كانت يد كايل ثابتة، وقلبه ينبض بقوة، ينبعث من صدره دفء غريب رغم برودة ظل الشجرة.

«السن بالسن… الدم بالدم… موت بموت»

فِـيـش!

صوت صفير يمزق الهواء، تلاه صرخة ألم حادة وتمزق لحم.

اخترق السهم رقبة أحد اللصوص ليسقط أرضًا وسط دهشة الباقين.

"اللعنة… أخي! أخي!"

"من أين أتى هذا السهم؟!"

بسرعة، حلّ الذعر بين اللصوص، لكن كايل لم يمنحهم وقتًا للفهم، إذ ظهر مجددًا صوت صفير يمزق الهواء، واخترق سهمٌ آخر منتصف جمجمة أحدهم، فتفجر دماغه في الهواء.

تحرك كايل بسرعة وغيّر مكانه، كان يقفز من غصن إلى آخر مثل ظلٍ حي، فيما كان زعيم اللصوص قد جمع شتات نفسه.

صرخ بصوت أجش وهو يصفع أحد رجاله الذي تبلل سرواله بسائل أصفر من شدة الخوف:

"اللعنة عليكم! اختبئوا بسرعة!"

تفرقوا واختبؤوا خلف جذوع الأشجار، وكانت رائحة البول والعرق الخائف تنتشر في الهواء المختلط برائحة الدم. في تلك اللحظة، كان كايل قد وجد شجرة أخرى يراقب منها أفعالهم، أنفاسه هادئة رغم كل هذا الجنون.

«يبدو أنهم لم يقتلوا أحدًا من قبل…»

تمتم كايل في نفسه، كان صوته داخليًا باردًا بشكل مرعب، لم يشعر سوى بقليل من انزعاج وتوتر في البداية، لكن بفضل سمة قلب و عقل بارد كان يحافظ على هدوئه، حتى وهو يشم رائحة الدم الطازج تتسرب مع نسيم الغابة الرطب.

لم يطل التفكير، شدّ وتر القوس مجددًا، أطلق سهمًا تسلّب بروحه، كأن منجلاً من الموت يحصد أرواحهم واحدًا تلو الآخر.

استمرت العملية نحو نصف ساعة، لكنها بالنسبة لكايل وللصوص كانت حربًا طويلة مرعبة.

خلال ذلك، كان إطلاق السهام متبادلًا، أصابت بعض سهامهم الأشجار أو خدشت كتفه أحيانًا، لكنه كان حذرًا كذئبٍ في الليل. وفي النهاية، بقي كايل وثلاثة لصوص فقط؛ زعيمهم ورجلان آخران، كانوا يحاولون حفظ ظهورهم متقاربين، لكن كايل كان يرى في عيونهم ظل الخوف والذعر ينهشهم.

نظر حوله؛ كانت الجثث متناثرة، سهام مغروسة في الأرض وجذوع الأشجار، الدماء صبغت الأعشاب الخضراء بلون أحمر داكن، والهواء محمّل برائحة حديدية خانقة.

مدّ كايل يده إلى جعبته، فتلمّس الفراغ…

«يبدو أن سهامي نفدت…»

تنفس ببطء واتكأ بظهره إلى جذع شجرة باردة، يلمس نصل سيفه الذي لم يذق طعم الدم بعد. نظر إلى الرجال الثلاثة المشتتين أمامه. فكرة تركهم أحياء لم تخطر بباله حتى.

«كيف عرفوا طريقي وأنا لم أخبر أحدًا…؟»

ومضت عيناه بوميض أحمر بارد، سحب خنجره من خلف خصره، وانسلّ بين الظلال مثل شبح بلا صوت.

اقترب من لصّ يرتجف قرب جذع شجرة، كان يسمعه يتمتم بذعر بين شهقات متقطعة:

«لماذا استمعتُ لـ زو… أخوه قال إنه مجرد طفل… اللعنة… هذا ليس طفلًا، هذا وحش بدمٍ بارد…»

ابتسم كايل ابتسامة ضيقة، تأكدت شكوكه؛ كان هناك من يتتبعه. لا وقت للندم الآن.

مدّ يده، كمخلب ذئب، وأطبق كفه بقوة على فم اللص، الذي اتسعت عيناه رعبًا وحاول الصراخ، لكن يد كايل كانت حديدية.

سحبه في الظلال وهمس في أذنه:

«للأسف، لا عودة لك في حياة أخرى… فكر قبل أن تتصرف.»

كان صوته باردًا، كأن الشيطان يهمس لرجل يحتضر.

مرر كايل نصل خنجره بسرعة على حلق اللص، فتفجر الدم دافئًا برائحة حادة، تلطخت قطراته على وجنة كايل.

تخبط جسد اللص للحظة ثم سكن، فوضعه كايل بهدوء على الأرض ليتجنب كشف نفسه.

مدّ يده إلى جعبة القتيل، وجد فيها ثلاثة سهام فقط. سحب قوسه مجددًا، ثبت سهمًا بعناية، ثم عيّن هدفه: لصّ آخر كان ظهره مكشوفًا جزئيًا.

«غبي… ظهره المكشوف هو قبره.»

أطلق السهم، فشقّ الهواء بخطٍ حاد، وعندما سمع الزعيم الصوت، ارتفع قلبه إلى حلقه مع رجاله، ثم تمزق الصمت بصوت اختراق لحم ورائحة دم نفاذة. سقط اللص أرضًا بلا صوت، تجمد الموقف لحظةً كأن الغابة كلها حبست أنفاسها.

اختفى كايل مجددًا في الظلال.

زعيم اللصوص رفع يده وأطلق صيحة، لكنها ضاعت في الفراغ، إذ لم يتلقَ أي رد سوى صفير السهام التالية، التي كانت تخترق الهواء لتدمر أعصابه.

مرّت الدقائق ثقيلة، لم يسمعوا سوى صوت الريح وصفير الموت.

«اللعنة… ما كان عليّ القدوم!»

كانت ساقا الزعيم ترتعشان، وارتجف جسده كله. فجأة، امتد ظل خلفه، يدٌ قوية أمسكت رقبته بشراسة حتى شعر وكأن عظام عنقه تتحطم.

اقترب نفس دافئ من أذنه، وصوت بارد همس في ظلمة روحه: «هل هذا كل ما لديك…؟»

شعر زو برعبٍ جعل سائل أصفر يسيل على فخذيه.

ضحك كايل بسخرية وهو يشم رائحة قذرة النتنة:

«آه… مقرف. تتمنى أن تقتلني لكنك تبلل سروالك؟»

قرب فمه من أذنه أكثر: «تريد أن تموت بسلام… أم نلعب قليلًا؟»

لم يخرج صوت من الزعيم، بل غرق قلبه في هاوية رعبٍ مظلمة.

شدّ كايل قبضته على عنقه أكثر وهمس:

«من أخبرك عني؟»

لم ينطق زو. فأمال كايل رأسه وأغمد نصل خنجره فجأة في كتفه، فتفجر الدم وارتفعت رائحة حديدية لاذعة.

«هل ستتكلم الآن أم أواصل؟»

هذه المرة خرج صوته متقطعًا: «إنه… إنه النادل في الفندق… أخي في قسم الخدم… أخبرني أنك طفل ثري لم يرَ العالم… فتتبعناك… نصبنا الفخ…»

ضيّق كايل عينيه قليلًا. لم يتوقع أن خادمه الحقير سرب تحركاته. هز رأسه ببطء، ثم قرّب النصل من عنقه مرة أخرى.

«في حياتك القادمة… اختر أعداءك جيدًا.»

رفع سيفه ليقطع رأسه، لكن زو تمتم برجاء مبحوح: «هل… يمكنني معرفة اسمك؟»

زفر كايل بابتسامة باهتة: «اسمي كايل ليوثان.»

اتسعت عينا زو بصدمة، ومع آخر ذرة ندم، رفع كايل سيفه بينما أطاح كايل رأسه بضربةٍ واحدة.

انتشرت الدماء الساخنة على وجه كايل، واستنشق رائحتها وهو يحدق في الجثة بلا أي تأثر.

«العودة إلى المدينة ستكون مضيعة وقت… لكن لا أحب الديون.»

تمتم، ثم بدأ يجمع سهام اللصوص وبقايا أسلحتهم ودروعهم البالية. سحب الخريطة من جثة الزعيم، لكنها كانت مبللة بدماء، وفجأة لمع عليها ضوء ذهبي.

[الاسم: خريطة قديمة

الوصف: باتباع هذه الخريطة ستصل إلى آثار قديمة نُسي ذكرها في صفحات الزمن.]

حدق فيها كايل بدهشة خافتة، شمت رائحة الدم الذي سال منها، وتمتم: «مكسب غير متوقع»

حول كايل فهم أمر فجأة ظهر وميض ادراك في عيونها.

"يجب ان يكون دماء من فعل خريطة سرية"

جمع بعض الأحماض النووية من اللصوص بسرعة، صنع قناعًا نحاسيًا، واستخدم قطرة دم لتفعيله. أعاد تنكره في هيئة زو، ركض بسرعة، وحين وصل إلى المدينة كان وقت الظهيرة قد انقضى. عبر البوابة كأنه الزعيم نفسه، أنجز التفتيش بهدوء، ثم انسلّ إلى الأزقة.

أمسك بالنادل في زقاقٍ مظلم، وبدون كلمة زائدة، قطع حلقه بسكين بارد، تسرب الدم على جدارٍ حجري قديم، لم يفهم النادل أمر لأنه في هذه اللحظة كان قد شاهد اخاه قطع حلقه كانت نظرة صدمة و خوف و هو يمسك في رقبته محاول منع دماء من خروج لم يهتم كايل بامر بل خرج من الجهة الأخرى متنكرًا كأحد أفراد العصابة، دون نظر الي خلف وانطلق خارج البوابة مدينة مجددًا.

«عندما يجدون الجثة… سأكون بعيدًا جدًا. عليّ أن أكون أكثر حذرًا من الآن.»

قالها بين أنفاسه، فيما كان يبتعد ، في طريقه نحو أسرارٍ أعمق… نحو الآثار القديمة .

2025/07/05 · 83 مشاهدة · 1795 كلمة
General_13
نادي الروايات - 2025