مع حلول الساعة 16:00، هبط ظلّان أمام بوابة قصر "تيوانا" الواقع على أطراف "تشاد"، في منطقة قاحلة لا تصلها سوى الرياح المغبرة والصمت القديم.
السماء حارقة. الأرض جافة كجلد ميت. لا أصوات. لا طيور.
خطوات "إيفا" و"ميشا" لم تكن فقط خطوات...
كانت نبضات موتٍ تقترب.
مشيتهم لم تكن سريعة، ولم تكن بطيئة.
كانت محسوبة. كل خطوة تقطعُ مسافة بين حياة واغتيال.
وجهيهما؟ هادئان.
عيناهما؟ لا تعكسان اهتمامًا بالقصر ولا بحراسه المختبئين في الظلال.
أجسادهما؟ تتحرك برشاقة قاتلين يعرفان تمامًا من أين تخرج الرصاصة الأولى.
لكن الغريب؟
أن حديثهما... لا علاقة له بأي شيء يحدث هنا.
رفعت "ميشا" نظرها إلى السماء، ثم قالت بنبرة كسولة:
— "هل تعبتِ من الرحلة؟ الطائرة كانت مزعجة، خاصة مع ذلك الطفل في الخلف..."
ردّت "إيفا" دون أن تحوّل عينيها عن البوابة:
— "تعب؟ لا... فقط اشتقتُ لصوت انفجار صغير يوقظني."
ضحك ميشا، ثم رمقها بنظرة جانبية:
— "معطفك... ليس من تشكيلتك المعتادة. من أين اشتريته؟"
أجابت وهي تمسح الغبار عن كمّها:
— "سحبته من أحد محلات باريس قبل أن نحرقه... لا أدري، ربما كان صاحب المحل جاسوسًا... أو مجرد مسكين."
مرّت لحظة.
الريح تعصف بالرمال، وتضرب معطف "ميشا" فيحلق للحظة كراية سوداء.
ثم تابع، كأنهما يتمشيان في سوق قديم
ميشا" مرّرت يدها على شعرها ، ثم قالت وهي تتنهّد:
— "الرحلة كانت طويلة. والمضيف كان يتحدث كثيرًا. لو كان أقرب قليلًا من وجهي، لخلعت لسانه."
ابتسمت "إيفا" بخفة، كأنها ترد بابتسامة فقط، لأن قتل ذلك المضيف ما زال ممكنًا غدًا.
سألتها:
— "وشعرك؟ ألم تكوني تنوين صبغه؟"
ردّت "ميشا" وهي تنظر في انعكاس ظلّها على الرمال:
— "كنت. أردت لون البحر في الشتاء... لكن لا أظنه يناسب حفلات الدم."
ضحكت "إيفا". ضحكة واحدة، قصيرة.
ثم توقفت.
في اللحظة نفسها…
صوت تمزق الهواء.
حركة خافتة خلف الجدار.
ثم انفجار صامت.
عشرة حراس، اندفعوا من كل زاوية.
كأن أحدهم قرأ من كتاب الموت:
"اقتلوهما قبل أن تبتسم السماء."
كل واحدٍ منهم جاء محمّلًا بمهارة شيطانية:
– أولهم، جسده كله معدن، يده اليمنى تتحول إلى مطرقة حين يغضب.
– الثاني، يمتلك زمجرة صوتية تشقّ الهواء وتفجر العظام.
– الثالث، يمتدّ ظله كعناكب سوداء تطعن في الزوايا.
– والبقية… كأنهم كلّهم قُطِعوا من مسرح للخراب.
ولكن...
قبل أن يصلوا.
قبل حتى أن يروا أعين "إيفا" أو يسمعوا نفس "ميشا"…
توقّف الزمن.
لا مجاز هنا. بل حقيقة.
أجسادهم التفّت على نفسها.
ذراعه صارت خلف ظهره.
عنقه التفّ ثلاث مرات.
ساقه اخترقت صدره.
واحدهم سقط كأنّ أحدًا ضغط على رأسه من الأعلى بإصبع.
انكمشوا كما ينكمش ورق محترق في رماد.
لا صوت. لا دماء تتطاير.
فقط...
السكون... حين يعلو.
خطوتا "إيفا" و"ميشا" لم تتوقفا.
بل عبرتا فوق الجثث كأنهم غبار لا يُرى.
"إيفا" لم تنظر حتى.
لكنها قالت:
— "هؤلاء الحراس كانوا يفتقرون للخيال."
ردّت "ميشا" وهي تنفض رمادًا عن كمّها:
— "كان يمكنهم أن يتظاهروا بالنوم."
ثم عادت لنبرة الحديث السابق، كأن شيئًا لم يكن:
— "على فكرة، رأيت معطفًا أزرقَ داكنًا في واجهة متجرٍ في روما... يصلح لك."
"إيفا" أمالت رأسها قليلاً، كأنها تفكر، ثم أجابت:
— "أزرق؟ لا بأس، أحتاج شيئًا لا يظهر عليه دماء الليل."