الساعة العاشرة ليلًا.
المدينة نائمة،
لكن هذا المنزل في أطراف مرسى لا يعرف النوم.
دلف "موريس" إلى الداخل، خطواته هادئة، لكن عيونه لا تزال متوترة، تبحث في الظلال.
لم يكن المكان فخمًا، بل بسيطًا... بشكلٍ مبالغ فيه.
خشب قديم، عطر شايٍ أخضر، وستائر رمادية تخنق ضوء القمر.
من خلف الطاولة، ظهر "تاي".
ابتسامة رفيعة، وعينان لا تتوقفان عن المراقبة.
— "كنت أعلم أنك ستأتي قبل الوقت."
قالها وهو يسكب الشاي، ثم أشار إلى الأريكة المقابلة له.
جلس "موريس"،
شمّ رائحة الأكل، ثم نظر إليه:
— "ما هذه الليلة؟ أنت تُطعم أعداءك؟"
ضحك "تاي" ضحكة خفيفة:
— "الأعداء لا يُدعون لمنتصف الليل، بل يُدفنون فيه.
أنت ضيف."
ثم أضاف بهدوء:
— "استدعيت أكاي أيضًا... سيصل بعد دقائق."
رمش "موريس" ببطء، ثم سأل:
— "إذن... ما القضية؟"
"تاي" شرب جرعة من شايه، ثم قال ببطء:
— "علينا البدء من حيث لا يتوقعون."
— "أودجين؟"
قالها موريس، وعيناه تشعّان بالدم.
أومأ تاي.
ثم أخرج من جيبه صورة.
شاب غريب، لا يرتدي زيّهم، يعمل ضمن فريق تنظيف في أحد الفنادق القديمة.
لكن... كان وجهه مألوفًا.
— "هذا أحد خدم رئيس المختبر تشريح أعضاء التايع لأودجين اللذي مسكناه و هذا الخادم هرب . لا يظهر كثيرًا.
لكنه يُرافق أحد الكوادر من بعيد،
يلتقط الملاحظات، ويختفي."
نظر موريس للصورة ثم قال:
— "و؟"
— "نتبعه... نُمسكه... نكسره من الداخل.
لن يعطينا الأسرار، لكن سيمنحنا خيطًا صغيرًا.
مجرد اسم... مكان... لمحة من الظل."
صمت، ثم أكمل:
— "من هناك، أعدك أني سأفتح صدر هذه العائلة بأظافري."
موريس ابتسم أخيرًا، تلك الابتسامة التي تشبه السكاكين:
— "وأنا سأكون الخيط."
"موريس" عبث بسيجارٍ مغلّف داخل جيبه لكنه لم يشعله، ثم قال:
— "بشر؟ هل تسمي من يخدم أودجين بشريًا؟"
ابتسم "تاي" ابتسامة ضيقة:
— "مهما ظنّوا أنفسهم آلات، هناك دائمًا شعور...
جُملة ندم...
وجه أمّ يباغتهم في الحلم."
"موريس" نظر إليه بشكّ:
— "أظنّك تُخطط لشيء أعمق من التتبع."
— "أنا لا أتبع، بل أُغرق."
قال "تاي"، ثم أضاف:
— "حين أُمسك بخادمهم، لن أطلب منه معلومات...
سأجعله يختنق بأسئلته الخاصة."
"موريس" يضحك بهدوء:
— "تُحب اللعب بالنار، أليس كذلك؟"
يرد "تاي" دون تردد:
— "وهل هناك غير النار نُسلِّي بها أنفسنا في هذا العالم القذر؟"
ثم رفع رأسه، ونظر مباشرة في عينَي موريس:
— "أخبرني... متى آخر مرة أحسست أنك تُمسك برقبة عدوك؟"
سكت "موريس"، عيناه تلمعان. ثم قال:
— "حين قتلوا عزيزتي إيلي."
سحب تاي نفسًا طويلًا، ثم قال:
— "سنأخذ رقابهم واحدة... واحدة... لكن نبدأ بالخيط.
أريدك خلف هذا الخادم...
لكن لا تلمسه، فقط راقبه،
راقبه حتى تتعب جفناك."
"موريس" أومأ، ثم قال:
— "وإن دخل وكرًا آخر؟"
— "ندخله."
قال موريس بنبرة مزيج من التسلية والريبة:
— "وماذا عن الاختبار؟ لم تخبرني بعد عن تفاصيله... لا أحب أن أُزجّ في فوضى بلا خرائط."
أغلق تاي الملف برفق، ثم شبّك أصابعه وقال:
— "الاختبار هذا العام... سيكون مختلفًا."
— "كعادتكم دائماً، أليس كذلك؟"
ابتسم موريس ابتسامة باهتة.
ردّ تاي بصوت أكثر جدية:
— "المشرفة الرسمية عليه ستكون بلاك داون من فرقة بيق وان...
الفتاة التي تمسح الأرض بخصومها دون أن تتعب حتى."
رفع موريس حاجبه:
— "آه، الصيادة الغراب ... سمعت عنها. وما زالت لا تتكلم، أليس كذلك؟"
هزّ تاي رأسه إيجابًا:
— "لكنها تفهم كل شيء... وتقتل قبل أن تفكر."
ثم أضاف:
— "سيكون معها راغنا أيضًا. كلاهما من بيق وان.
وإلى جانبهما، ثلاثة معلمين مختارين بعناية."
موريس اعتدل في جلسته:
— "من؟"
بدأ تاي يُعدّ على أصابعه:
— "المعلم كيزيرو... خبير الاختراق العقلي والتلاعب بالوعي.
المعلمة سافا، التي درّبت نخبة الاغتيالات في أوروبا الشرقية.
والمعلم ليو زان، القاتل الصيني السابق، المتخصص في الفنون الداخلية، والرؤية الحسية."
صمت موريس لحظة ثم قال:
— "مجموعة فاخرة... كأنكم تنتظرون هجومًا لا اختبارًا."
ضحك تاي ضحكة خافتة:
— "نحن لا نختبر فقط... بل نصطاد في الوقت نفسه. إن اجتازوه، أصبحوا أصلب من أن يُكسروا... وإن سقطوا؟ فهم مجرد عشب في حقل لا يتّسع إلا للحديد."
موريس تنهد، ثم قال:
— "وهل تُمانع إن أضفت وجهي بينهم؟ أودّ رؤية هؤلاء المعلمين... وأختبر عضلاتي القديمة."
رد تاي بعينين جادتين:
— "أنت؟ موريس؟ وجودك في الاختبار نفسه قد يجعل الطلاب ينتحرون قبل أن تبدأ الجولة."
.
دَقٌ عنيف... ثلاث طرقات متتالية على الباب الأمامي، ليست كطرق زائرٍ معتاد، بل كأنها إعلان حرب.
رفع تاي رأسه ببطء، لم يتفاجأ، كأنّه كان ينتظرها... بل كأنه توقّع التوقيت بالدقيقة.
وقف عن كرسيه، ونظر إلى موريس لحظة، ثم تمتم:
— "لقد أتى أكاي..."
اتجه إلى الباب، وفتحه دون تردد.
كان أكاي واقفًا هناك، مرتديًا معطفه الداكن، عيناه تُشعّان بنوعٍ خاص من الازدراء، وابتسامة باردة تلوح على طرف شفتيه، كأنها لم تُخلق للدفء.
نظر إليه لحظة طويلة ثم قال:
— "جميل... جميل... كنت أعلم أنّك تُهيّئ لي مكيدة، يا تاي.
منذ اللحظة التي استدعيتني فيها، ورائحة الخيانة تفوح منك كما لو أنك تغليها في إبريق على النار."
تاي لم يرمش، ظلّ واقفًا في مكانه، يرد بهدوء خالٍ من أي دفاع:
— "أنت تبالغ... إنه مجرد عشاء مع أصدقاء قدامى."
قهقه أكاي، قهقهة قصيرة تنضح بالسخرية:
— "أصدقاء؟ وأنت؟... عجيب.
لكن لا بأس، دعني أرى وجه الصديق الذي يبرّر هذا اللقاء."
ثم تابع بتهكّم ثقيل:
— "لكنّي متأكد أن جلوسك خلف الباب، دون أن تُرسِل خادمًا لفتحه، دليل واضح على أنك تخفي شيئًا في الداخل... أم أنك كنت تنتظرني لأشهد على ما سترتكبه؟"
تاي أشار بيده إلى الداخل، لا يزال محافظًا على برود ملامحه:
— "موريس هنا... إن كنت تشك في شيء، فلتتأكد بنفسك."
وفجأة، من داخل الغرفة، ارتفع صوت موريس ساخرًا:
— "هل ستدخل أم تنتظر أن يُفرش لك بساطٌ أحمر؟ لا تجعل طعام تاي يبرد، نادرًا ما يطبخ بنفسه."
تجمّدت نظرة أكاي لثوانٍ... كأن صوت موريس أعاد ترتيب أوراق الشك في رأسه. تلك النبرة الساخرة التي يعرفها جيدًا، لا تنبع من رجل خائف.
تنفّس أكاي ببطء، ثم تنحّى تاي جانبًا، ودخل بخطى واثقة.
ابتسم، لكن ابتسامته كانت تفيض بالتحذير أكثر من الترحيب:
— "آه موريس... إذًا أنت هنا..."
ضحك موريس، بينما سكب لنفسه كأسًا من الشراب
جلس أكاي، ونزع قفازيه ببطء، نظر إلى تاي، ثم قال:
— "أخبرني، يا تاي... ما الذي سنأكله الليلة؟ خططًا؟ أسرارًا؟ أم نهايات محتملة؟"
وردّ عليه تاي بصوت هادئ:
— "ربما مزيجًا من كل ذلك... لكن لا تستعجل اللقمة، فقد تُخنقك."