‎ 23:00 ......

‎في ظلمة الليل، غفت الأنفاس في عنابر المنظمة، وساد

‎ السكون كأن المكان مهجور.

‎غير أن العيون المفتوحة خلف الجفون، والأفكار المشبكة في الرؤوس، كانت تضجّ أكثر من أي ضوضاء.

‎كان سون مستلقيًا على ظهره، يحدّق في السقف الرمادي، كأنما يفتّش بين شقوقه عن مخرج... عن مستقبل.

‎لم يلتفت حين سمع همسة خافتة، بل فقط قال:

‎— "أنت أيضًا لم تنم، ماريو؟"

‎ظهر وجه ماريو من وراء سريرٍ علويّ، عينيه نصف مفتوحتين، لكن فيهما حذر المتربص:

‎— "ولا أظن أنّ أحدًا هنا نائم فعلًا... الكلّ يمثل. الخوف ينام في قلوبهم لا في أجسادهم."

‎أومأ سون بصمت، ثم همس:

‎— "ماريو... هل قالوا لك شيئًا عن الاختبار؟ أي شيء؟"

‎نزل ماريو بهدوء، وجلس على السرير المقابل، ووضع يديه خلف رأسه:

‎— "ما أعرفه... ليس عن هذا العام، لكن عن آخر اختبار قبل سنتين."

‎سكت لحظة، ثم تابع بصوت خافت كأنما يحذر من أن تسمعه الجدران:

‎— "كان الاختبار من ثلاث مراحل. ثلاث... لكنها كلها مميتة."

‎— "مميتة؟"

‎أومأ ماريو ببطء:

‎— "نعم. بدأوا بألفي طفل... لم ينجُ سوى خمسة."

‎الرقم نزل كصاعقة على قلب سون. بقي صامتًا، يحاول فهم الأبعاد.

‎— "كيف...؟ ماذا كانت المراحل؟"

‎— "لا أحد يروي بالتفصيل، لكن القليل الذي تسرب قال إن المرحلة الأولى كانت اختبار بقاء، في مكان مغلق، مظلم، مليء بالأفخاخ... بعض الأطفال ماتوا وهم يحاولون شرب الماء فقط."

‎صمتٌ ثقيل.

‎تابع ماريو:

‎— "المرحلة الثانية... مواجهة مباشرة مع وحوش مُعدَّلة وراثيًا. اختبار ذكاء وسرعة، لكن بلا رحمة."

‎— "والثالثة؟"

‎نظر ماريو إلى سون، ابتسم بتعب وقال:

‎— "لم يخبرني أحد. كل من نجاها لا يتكلم عنها... وكأنها لعنة."

‎مرت لحظات صمت.

‎قال سون، وهو ما يزال ينظر إلى السقف:

‎— "هل سننجو، ماريو؟"

‎ابتسم ماريو ابتسامة باهتة، وقال:

‎— "لن تنجو، إن لم تصبح أنت الوحش الذي يخشاه الجميع."

‎ثم همس، كأنها نصيحة:

‎— "نم الآن يا سون... غدًا قد لا تكون هناك فرصة لذلك."

‎أغمض سون عينيه، لكن عقله لم يُطفأ.

‎بل بدأ يشعل أول شرارة داخله...

‎{{مع حلول صباح يوم غد}}

‎في أقصى الجهة الشرقية من المنطقة السوداء، بعيدًا عن ضجيج العالم وضوضاء المدن، يقع سجن "كويلامن" الشهير…

‎حُفر في صخور الجبل كأنما كان لعنة دفنت حيّة، وظلّت تتنفس بثقل الألم عبر الأبواب الحديدية والصرخات المكتومة.

‎في الزنزانة رقم 85… لا ضوء ولا بشر، سوى ظلّ يحدق في الفراغ ككائن نسي الزمان.

‎الاسم: بانغ

‎الرقم: 10980

‎الجريمة: قتل والديه، وتفجير حيٍّ كامل

‎المدة: 30 سنة

‎لم يُسمع له صوت منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يبتسم، لم يبكِ، لم يتكلّم…

‎سوى عندما يحلّ القمر بدرًا، يهمس لنفسه:

‎> "لقد كان ذلك ضرورياً…"

‎الزنزانة باردة كالموت، مقيدة بسلاسل صدئة لكنها غليظة، تحيط برسغيه، كاحليه، وحتى عنقه.

‎كاميرات المراقبة في كل زاوية، تراقب حتى أنفاسه الثقيلة.

‎فجأة…

‎وقع خطوات على الأرضية الاسمنتية، مرافقة لصوت فتح بابين متتاليين عبر الأنظمة الأمنية المعقّدة.

‎كان الحارس "جيم"، يحمل صينية الطعام.

‎لكنه اليوم بدا مترددًا، بين يديه ظرف صغير، ممهور بختم أسود على شكل ورقة نبات محترقة.

‎اقترب جيم ببطء…

‎أطلّ عبر القضبان، لم يقل كلمة، فقط رمى الرسالة إلى داخل الزنزانة.

‎قال بعدها بنبرة مرهقة:

‎— "رسالة من السيد موريس، يقول فيها: 'هاي بانغ، أيها الأحمق… يكفيك سجن. غدًا، ستكون في تونس. مهمة… مهمة جدًا.'"

‎رفع بانغ رأسه لأول مرة منذ شهور…

‎صدر صوت ثقيل للسلاسل حين تحرّك، كأنها تتألم، أو تشتاق للمعركة.

‎نظر إلى الحارس، بوجه شاحب كأنه من الرماد… ثم تمتم:

‎— "، ما زلت اتحاسب… ما هذه السرعة؟"

‎لكن تلك الكلمات لم تكن حزينة، بل كأنها تنهيدة محارب ملّ الراحة.

‎تراجع الحارس دون أن يعلق، وخرج من الزنزانة.

‎بقي بانغ وحيدًا… لكن شيئًا تغيّر.

‎أصوات السلاسل بدأت ترتجّ، وابتسامة خفيفة نمت على طرف فمه، كانت تشبه شرارة صغيرة في كومة رماد.

‎همس:

‎— "هل حان الوقت...؟"

‎رفع رأسه نحو إحدى الكاميرات، وعيناه جمرتان خامدتان توهجتا من جديد.

‎قال، وكأنّه يوجّه حديثه للعالم:

‎— "تونس، ها...؟ حسنًا، لنرَ كم منكم لا يزال يتذكر من أنا."

‎في الزاوية… ارتجفت السلاسل من تلقاء نفسها، وكأنها خافت أن تبقى على جسدٍ بدأ يستيقظ من موته.

2025/08/03 · 3 مشاهدة · 697 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025