استيقظت ببطء، شعرت بثقل على جسدي وكأنني عشت ألف معركة في نومي. نظري كان ضبابيًا في البداية، لكن سرعان ما تلاشى الضباب ورأيت وجهًا مألوفًا يطل عليّ من الأعلى.

كان سامرو واقفًا فوق رأسي، ذراعاه متشابكتان ونظرة ساخرة ترتسم على وجهه.

تمتمت بصوت مبحوح:

“أليس لديك عمل لتقوم به غير الوقوف فوقي؟”

ضحك ضحكة قصيرة، هادئة لكنها تحمل الكثير من السخرية، وقال:

“هذه هي ردّة فعل بطل العبيد؟ هنا؟”

أغمضت عيني لثوانٍ، ثم فتحتها ونظرت إليه بثبات.

“بطل العبيد؟ أنا فقط… نجوت.”

اقترب سامرو قليلًا، جلس على ركبتيه بجانبي وقال بصوت منخفض وكأنه يختبر عزيمتي:

“نجوت، نعم، لكن ليس الجميع يستطيع النجاة من جحيم حلبة التنين. ما فعلته هناك… سيجعل اسمك يتردد في قلوب من سمعوا. لقد ولِدَ شيء جديد فيك، يا جين.”

نظرت إلى جانبي حيث كان السيف المغطى بآثار الدم اليابس. قبضت على قبضته ببطء، وقلت:

“ولِدَ شيء جديد… لكنه ليس للمدح. إنه عهد، عهد لن يتوقف حتى ينتهي كل هذا.”

ابتسم سامرو ابتسامة خفيفة، وفي عينيه بريق يعرفه جيدًا كل من حمل وعدًا مشابهًا.

“إذن، لنبدأ طريقك يا بطل العبيد.”

سألت سامرو وأنا أحدق في ملامحه التي امتزجت بين الهدوء والبرود:

“هل وُلدتَ في الماريجوا؟”

أجاب بصوت لطيف لكنه خالٍ من أي تردد:

“نعم.”

ابتسمت بخفة، ثم تابعت سؤالي:

“هل ستجيب إن سألتك عن الماضي؟”

رد دون أن تتغير ملامحه:

“لا.”

رفعت حاجبيّ بتعجب، لكنني لم أتوقف وسألت:

“على الرغم من كل شيء… لماذا اسمك ليس فيرنر؟”

نظر إليّ للحظة بعينين اتسعتا من الصدمة، ثم ضحك فجأة ضحكة قصيرة ساخرة وقال:

“الفرخ أصبح دجاجة.”

ابتسمت بارتباك وسألته:

“ولماذا؟”

أجاب وهو يشيح بوجهه وكأنه لا يريد النظر إليّ:

“لأني لم أولد كعبد.”

تجمدت مكاني من وقع كلماته، وسألته بصوت خافت:

“متى إذن أصبحتَ عبدًا؟”

ساد الصمت فجأة، وسامرو لم ينبس بكلمة. كانت عيناه تلمعان بشيء لم أفهمه… ربما ألم قديم، أو ربما شيء أعمق. وقبل أن أحصل على إجابة، قاطع اللحظة صوت طرقٍ حاد على الباب.

كان الأمر وكأنه توقيت مدروس بعناية. ابتسم سامرو ابتسامة هادئة وكأنه كان يعلم أن هذا سيحدث وقال:

“حسنًا، يبدو أن وقت هديتك الموعودة قد حان. ألم تقل إن ارترو وعدك بمكافأة؟”

أجبته بحذر:

“نعم، لكنني لا أثق أنه سيفعلها.”

اقترب سامرو قليلًا، وارتسمت على وجهه ابتسامة طفل بريء تخفي وراءها الكثير من الأسرار وقال:

“لا تقلق… سيعطيك المكافأة بكل تأكيد.”

استغربت من معرفة سامرو العميقة بما سيحدث، ومن ثقته المطلقة بأن ارترو سيفي بوعده. كان وكأنه يعرف ارترو أكثر مما أعرف نفسي، لكني لم أرد الضغط عليه بأسئلة أكثر. هو صديقي الأول في هذا العالم، وشخص أحمل له احترامًا لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات.

غادرت الغرفة بهدوء، متجهًا إلى المكان الذي ينتظرني فيه لوكاس. ما إن رآني حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، وقال بصوت مفعم بالفخر:

“بطل العبيد!”

ابتسمت له وقلت:

“من دونك ما كنت لأصمد ثانية واحدة في الحلبة.”

اقترب مني بخطوات ثابتة، ثم احتضنني بقوة. في تلك اللحظة، شعرت بمشاعره الدافئة تتسلل إلى قلبي. مشاعر صلبة لكنها حنونة، كانت مثالية لفارس نبيل عاش ليحمي لا ليُحمي.

ابتسمت ورددت عناقه بصمت، وداخل نفسي همست:

هذا اول شخص صادق اعرفه في هذا العالم

سرنا في نفس الطريق المؤدي إلى المبنى الرئيسي، وكل خطوة كانت تعيد إليّ نفس الإحساس الذي اجتاحني في المرة الأولى. ذلك الشعور الغريزي الذي يصرخ في داخلي: اهرب

.

لكنه هذه المرة كان أضعف قليلًا، ليس لأن الخطر زال، بل لأنني تغيّرت. تعلمت أن أقاوم، حتى لو كان الخوف يغلي في دمي.

واصلت المسير إلى جانب لوكاس، متجاهلًا الهمسات التي كانت تتردد في رأسي. كلما اقتربنا من القصر، ازداد الهواء حولي ثقلًا، حتى شعرت بأن أنفاسي نفسها باتت عبئًا.

وصلنا أمام الباب الكبير حيث يقف الحارسان العملاقان اللذان يغطي الدرع كامل ملامحهما. عيونهم لم أستطع رؤيتها، لكن شعرت بنظراتهم تخترقني. تلك الهالة التي تحيط بهم وحدها كافية لإسكات أي متمرد.

تصلبت في مكاني لحظة، ثم تماسكت، رافعًا رأسي حتى لا يظهر عليهم ضعفي.

لم يتحدث أحد منهم، فقط تبادلا نظرة قصيرة، ثم أومآ سويًا. رفعا أيديهما الثقيلة وفتحا الباب أمامنا ببطء، ليتسلل من داخله هواء بارد يبعث قشعريرة في جسدي.

نظرت إلى لوكاس الذي اكتفى بإيماءة صغيرة وكأنه يقول: هيّا،

لا

تتراجع

الآن

.

خطوت إلى الداخل، مستعدًا لما ينتظرني.

فتح الباب، ورأيت ارترو جالسًا وحده دون وجود شامروك، فاستغربت الأمر فورًا. منذ أن وقعت عيناي عليه، اجتاحني شعور بالقمع، شعور وكأنه يقرأ كل ما أفكر فيه، كل ما أشعر به. أدركت على الفور أنه يقرأ مشاعري بوضوح.

قمعت كل ما في داخلي، جمعت بقايا هدوئي وأظهرت فقط الخوف… الخوف وحده.

ابتسم ارترو وضحك ضحكة باردة.

قال: “أصبحت تستطيع التحكم بمشاعرك.”

وفجأة، ارتفع ضغط هائل من حوله، موجات من هاكي ملكي صافية كالسيف. شعرت برغبة عميقة في الخضوع، رغبة غريزية تدفعني للركوع أمامه. بجانبي، صمد لوكاس للحظة، لكن سرعان ما سقط مغشيًا عليه تحت وطأة الضغط.

ازدادت قوة هاكيه أكثر وأكثر، حتى شعرت أن عظامي تتكسر من الداخل.

حينها، خرج من داخلي شيء غريزي، قوة خام لم أدرك وجودها من قبل. عزيمة قاتلة، أمرت العالم من حولي بالانصياع لإرادتي وحدها. تصادمت القوتان، هاكي ملكي ضد آخر، وامتلأت القاعة بطاقة تكاد تمزق الجدران.

سقط الحراس واحدًا تلو الآخر فاقدين وعيهم، ولم يبقَ سوى أنا وارترو واقفين وسط العاصفة.

ابتسم ارترو وضحك بصدق هذه المرة، وقال:

“ملك العبيد.”

لم أشعر أن كلماته إهانة، بل تسلية… وكأن اللقب كان اعترافًا بشيء أكبر مني.

خفض ارترو ضغطه، ثم قال بهدوء:

“فلتقبل هدية الهاكي مني ومنك.”

تقدمت خطوة للأمام، رغم التعب الذي هزّ جسدي. رفع ارترو يده، فظهرت أمامي ثمرة ذات خطوط سوداء ودوامات خفية.

قال: “هذه فاكهة الجاذبية… هديتي الموعودة لك.”

ثم أخرج أخرى، تلمع كبريق الزجاج المكسور، تشع وهجًا غريبًا.

“وهذه فاكهة المِرآة، لوجيا قوية… هدية جانبية لرهاني بك مع عائلة الدون كيهوتي. يجب أن ترى وجوههم بعد خسارتهم.”

حدقت فيه مصدومًا وسألته:

“إذا أخذت الفاكهتين، وهربت خارج الماريجوا… وأسقطت التنانين السماوية، ألن تندم ؟”

ارترو ضحك بصوت عالٍ، ضحكة جنونية صدى في القاعة الفارغة، ثم قال بابتسامة شيطانية:

“إذا حدث ذلك، فهذا يعني أن التنانين لم يكونوا يستحقون أن يبقوا تنانين.”

2025/08/02 · 16 مشاهدة · 951 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025