وقفت وسط الغرفة، والضوء الخافت يتراقص على سطح فاكهة الشيطان التي كان سامرو يحملها بيده. نظرت إليها مطولًا، شعرت بأن شيئًا في داخلي يتحرك.

قلت له: “ماذا تنتظر؟ ألم تقل قبل قليل إن الدين سينتهي مع هذه الفاكهة؟”

ابتسم سامرو بخفة، وعيناه تشعان بحكمة قديمة، وقال:

“نعم… لكن تذكر، تعلم الهاكي لا يمكن مقارنته بقوة لوجيا قوية.”

رفعت حاجبي بابتسامة ساخرة وقلت:

“صحيح، لكن لا يهم… هذا بين الأصدقاء.”

دون تردد، أمسكت الفاكهة الأولى، قضمت منها قضمة كبيرة رغم مرارتها التي تكاد تمزق حلقي. في الوقت نفسه، أخذ سامرو قضمة من الفاكهة الأخرى، فصرخنا سويًا بصوت واحد:

“مقرف!”

ثم انفجرنا ضاحكين، ضحكًا نقيًا يشبه ضحك الأطفال، ضحكًا وسط هذا العالم القاسي.

بينما كنت أضحك، شعرت بشيء غريب يجري في عروقي. حرارة ثقيلة تتحرك من صدري إلى أطراف أصابعي، وكأن الجاذبية نفسها تنبض في داخلي. جسدي يرتجف، عظامي تصرخ، لكن داخلي كان يبتسم.

ابتسمت بعزم وقلت في نفسي:

“لقد بدأ الأمر…”

عام 1504، الماريجوا

مرت الشهور بسرعة، والأحداث تتوالى كأنها اختبار لا ينتهي. أصبحتُ نائب كبير الخدم، فيما تولى سامرو منصب كبير الخدم رسميًا. لم يكن هذا المنصب شرفًا، بل قيدًا مذهبًا يُقيّد كل خطوة، لكنه منحني فرصة البقاء قريبًا من ارترو… العدو الأكبر.

كنت الخادم الرسمي لارترو، ذلك الرجل الذي يخفي خلف ابتسامته الهادئة وحشًا يعرف كل شيء. مجرد الوقوف بجانبه كان كأنك تقف تحت جبل من القمع، هاكيه الملكي لا يهدأ أبدًا، يراقب حتى أنفاسي.

بينما كنا نستعد للمغادرة، اقترب مني سامرو بصوته الهادئ المعتاد، لكن عينيه حملتا تحذيرًا لم أره من قبل.

قال: “انتبه، لا تفكر بأي عمل للهروب أو أي حركة ضد ارترو. ارترو يشعر بمشاعرك حتى قبل أن تدركها أنت.”

ابتسمت بخفة، أخفيت خلفها كل ما يجول في صدري من نيران، وأومأت دون أن أنطق بكلمة.

الآن أنا في مهمة مرافقة ارترو إلى الأرخبيل شبوندي، لحضور مزاد العبيد. مزادٌ تلتقي فيه قذارة العالم، حيث يُعرض البشر كسلع. كل خطوة تقترب بنا من الأرخبيل كانت تثقل صدري

نزلنا من الماريجوا تحت حماية مشددة. كان يرافقنا نائب الأدميرال الأسطوري أوكجي ، رؤيته من قرب كانت كفيلة بإشعال ذهولي، لكنني حاولت أن أخفي أي انفعال. مجرد وجوده جعل الهواء أثقل، كأن البحر نفسه يتنفس من خلاله.

اندمجت مع صفوف الخدم الآخرين والحراس، أراقب بصمت. باستخدام هاكي التنبؤ، شعرت بوجود عدد كبير من عملاء السي بي زيرو مختبئين بين الظلال، يتوزعون في أماكن لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. كانوا مثل العناكب، تنتظر أمرًا لتغلق شبكتها على أي تهديد.

دخلنا أرخبيل شابوندي. الطرق امتلأت بالناس الذين أسرعوا لفتح الطريق. لم يكن السبب هو نحن، بل الرجل الذي نمشي خلفه. ارترو .

لم يكن يرتدي زي التنانين السماوية المعتاد، بل ارتدى بدلة سوداء أنيقة تعكس بياض شعره الناصع. هيبته وحدها جعلت الجميع يطأطئ رؤوسهم، وكأن الهواء حوله يأمر بالطاعة.

كنت أمشي خلفه بخطوات محسوبة. فجأة شعرت بنظرة عميقة تخترقني .

التفتُّ ببطء باتجاه مصدرها، وفور أن التقت عيناي بذلك الشخص شعرت بقوة تكاد تمزق المكان. قوة ليست أقل من ارترو… ربما أقوى.

لم أجرؤ على التحديق طويلًا. خفضت بصري فورًا، فالتحديق في عيون الأقوياء امتيازٌ لا يُمنح إلا للأقوى.

تجاهلت ذلك الشعور الذي مزق صدري، وأكملت المسير خلف ارترو حتى وصلنا إلى دار المزاد … حيث تبدأ القذارة الحقيقية.

لم يكن في دار المزاد سوى ستة من التنانين السماوية . لم أعرف عائلاتهم أو أسماءهم، لكنني شعرت بوضوح أنهم من الرتب الدنيا ، لا يقارنون بارترو أو شامروك. كانوا مجرد حمقى يتلذذون بالسلطة التي ورثوها دون استحقاق. لم يثيروا في قلبي سوى الاشمئزاز ، فبقيت صامتًا، ساكنًا كالصخر.

“ جين، فلتأتِ. ”

سمعت صوت ارترو يناديني. كان صوته هادئًا، لكنه حمل ثقلًا جعل قلبي ينقبض. شعرت أن مصيبة تقترب ، مصيبة لم أستطع تحديد شكلها بعد.

تقدمت نحوه، خطواتي بطيئة، كل خطوة كأنها تُساق إلى قدر لا مفر منه.

وقف أمامي، ابتسم تلك الابتسامة التي لا تُقرأ، وقال بصوت منخفض يكفي أن أسمعه:

“ قف هنا بجانبي. ”

استغربت تصرفه. هل يريد أن يُظهرني أمام العامة؟

لأي سبب؟

هل يريد أن…

قبل أن يكتمل سؤال في عقلي، قطع ارترو أفكاري قائلاً:

“ اليوم سيكون اختياري للعبيد… هو اختيارك. ”

تجمدت في مكاني. لم أفهم.

هل يقصد أنه سيتركني أختار من يُشترى؟

أم يريد اختبار شيء في داخلي؟

نظرت إليه، لكن لم أنطق بحرف.

كان الصمت مني بالنسبة لهم قلة احترام فادحة ، خصوصًا أمام تنين سماوي.

شعرت بنظرات التنانين الستة تخترقني بغضب واحتقار، لكن ارترو لم يُعرهم اهتمامًا.

لم يمانع صمتي.

بل على العكس… كان يستمتع به.

فجأة، دوّى صوت المزايد، ليعلن:

“ نبدأ المزاد… بالعبد الأول! ”

ارتفعت الستارة ليُكشف عن أول ضحية، جسد منهك مقيد بالسلاسل ، عيناه تبحثان عن أي مخرج… لكنه يعرف أنه لا يوجد مخرج.

بدأ المزاد بعبد ضخم، طوله ثلاثة أمتار، مغطى بالندوب والقيود الثقيلة.

نظرت إليه بلا اهتمام، وفكرت في نفسي أن قتله سيكون سهلًا مع ضخامة جسده وبطئه.

بيع بسرعة لتنين سماوي آخر، واستمر المزاد، واحدًا تلو الآخر، دون أن يجذبني أي منهم.

وفجأة، عُرضت على المسرح فتاة بشعر أسود طويل ينسدل على كتفيها، جمالها كان جنونيًا، لكن ما جذبني لم يكن ملامحها بل حضورها.

تعرفت عليها فورًا… بو هانكوك، إمبراطورة الكوجا المستقبلية.

تذكرت لحظة وقوعها كعبدة، وتحررها فيما بعد، وكيف صنعت اسمها من بين رماد العبودية.

ارتفعت يدي أحد التنانين السماوية لزيادة السعر عليها، وفي تلك اللحظة انفجرت داخلي نية قتل قوية تجاهه، لكنها سرعان ما تلاشت بعد أن كتمتها بالقوة.

ضحك ارترو، ضحكة قصيرة تحمل سخرية ولذة في آن واحد، ثم قال بصوت ممتع:

“ هذا مثير. ”

ابتسم وهو يكمل، مشيرًا إلى عدد من النبلاء الحاضرين:

“ أعرف هذا النبيل… يستخدم العبيد في ألعاب سادية. ”

ثم أشار إلى آخر:

“ وهذا النبيل… يحب الفتيات الصغيرات. ”

أشار إلى الثالث بابتسامة ساخرة:

“ وهذا يحب قتلهم بعد أن يلعب بهم. ”

وأخيرًا أشار إلى الرابع:

“ وهذا يحولهم إلى دمى بفضل فاكهة شيطان يمتلكها. ”

اقترب مني، عيناه تتلألأ بلذة غامرة، وقال بابتسامة جعلت الدم يغلي في عروقي:

“ هل يجب أن أتركها تذهب إلى واحد منهم؟ ”

شعرت بأنفاسي تتسارع، عيناي تركزان عليه.

أكمل ببرود وهو يراقب وجهي:

“ هل ستكمل صمتك الدائم؟ ”

ثم بصوت منخفض وكأنه يقرأ أفكاري:

“ تعلم أني أستطيع قراءة مشاعرك. ”

صمتّ لثوانٍ، فكرت في كل ما سيترتب على كلمتي التالية، ثم فتحت فمي ببطء وقلت بصوت ثابت:

“ ما هو الثمن؟ ”

دين.

مدّ ارترو يده وسلّمني سكينًا صغيرة بلمعان بارد وقال بابتسامة شيطانية:

“ أريد قطرة من دمك. سيكون هذا قسمًا عليك أن تطيعه. ”

نظرت إلى السكين ثم إلى عينيه، وسألته بصوت حذر:

“ ومن هو الذي تريد أن أقتله؟ ”

ضحك بخفة، كأن سؤالي لم يكن سوى نكتة، وقال:

“ لست كفؤًا إلى الآن. ”

قبضت على السكين بقوة، وقطعت راحتي لتسيل قطرة من دمي.

رفع ارترو ابتسامته أكثر وقال:

“ اقسم… هذا قسم الدم، لن تقدر على مخالفته. ”

أخذت نفسًا عميقًا وقلت بصوت ثابت:

“ أقسم على تسوية الدين… مهما كان، إلا إذا كان الهدف شخصًا عزيزًا علي. ”

رفع حاجبيه باهتمام، ثم قال بابتسامة راضية:

“ هذا عادل. ”

أضفت فورًا:

“ وأريد معها… إخوتها. ”

ابتسم ابتسامة أكثر جنونًا وقال:

“ لكن تعلم أنهم سيكونون عبيدًا. ”

ثم انفجر ضاحكًا كالمجنون، ضحكة جعلت شعري يقف من شدتها.

اللعنة عليه…

سألته:

“ لكن، قبل أن أوافق… ”

وقبل أن أكمل، رفع يده وزاود على السعر، وكأن جوابه كان مسبقًا.

صمتّ للحظة وقلت ببرود:

“ ما دام أنقذتهم من مصير أسوأ… لا يهم. ”

اقتربت خطوة منه وقلت:

“ لدي شرط لا رجعة فيه… لن يتم وضع ختم العبيد عليهم. ”

ارترو نظر إلي لثوانٍ، ثم ابتسم وقال:

“ حسنًا… لكن ستكون الفتاة الجميلة خادمة شخصية لدي. ”

صمتّ، لم أظهر اعتراضًا، وتركت الأمر يجري كما خطط له هو.

2025/08/02 · 27 مشاهدة · 1221 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025