رجعنا إلى الماريجوا مع ارترو، ومعنا العبيد الجدد. كان من بينهم سبعة رجال إضافة إلى هانكوك وأختيها.

مشيت خلفه بخطوات هادئة، لكن عقلي كان يغلي بالتساؤلات. شخصيته… غريبة. هو ليس مثل باقي التنانين السماوية، جنونه ليس جنون التكبر الأعمى الذي لديهم، بل جنون من نوع آخر، جنون لا أفهمه.

بينما كنت غارقًا في التفكير، سمعت صوته يخترق صمتي.

“ جين. ”

تقدمت صامتًا لأرى ماذا يريد.

قال ببرود لا يخلو من نبرة أمر:

“ العبيد… ستكون مسؤوليتك. أول شيء، ضع الختم عليهم، ثم البسهم القيود. ”

نظرت إلى معصمي حيث كان القيد يلتف حوله. لم يكن قيدًا عاديًا، بل قيد كايروسكي الذي يلتهم أي قوة شيطانية. قبضت يدي ببطء حتى لا تظهر مشاعري.

ارترو واصل حديثه كأنه لا يرى الصراع الذي بداخلي:

“ ثم قسمهم. الفتيات الثلاثة سيكونون خدمًا… أما السبعة العبيد الجدد فسيكونون محاربين. لوكاس سيكون المسؤول عنهم وعن تدريبهم. ”

في تلك اللحظة، شعرت بالغضب يغلي داخلي. كنت أعرف ما يعنيه تدريبهم: موت بطيء تحت اسم الولاء. لكنني تماسكت، دفنت كل شعور يمكن أن يكشفه. لم أسمح له بأن يقرأ غضبي.

أومأت برأسي دون كلمة.

ابتسم ابتسامة خفيفة، كأنه قرأ شيئًا رغم كل جهدي، ثم أعطاني ظهره ومضى.

أمرت العبيد باللحاق بي إلى مسكن العبيد في قصر عائلة فيجرلاند.

ذلك القصر الكبير، المهيب من الخارج، بينما في داخله تكثر الأركان المظلمة التي تحمل رائحة الدم والذكريات البائسة.

سلكنا نفس الطرق المؤدية إلى المسكن البائس. خطواتهم كانت مترددة، ثقيلة، كما لو أن كل خطوة تزيد من وطأة الخوف الذي يسكن قلوبهم.

شعرت بمشاعرهم… كان الخوف هو كل ما فيهم، خوف مطلق يسيطر على أنفاسهم.

لم أحاول تهدئتهم بالكذب.

هنا في الماريجوا، لا مكان للطمأنينة، يجب أن يعرفوا الخوف ليبقوا على قيد الحياة.

واصلنا السير حتى وصلنا إلى المسكن.

كان المبنى يحتوي على عدة غرف، لكل غرفة قصتها. غرفتي كانت قبل الأخيرة، غرفة ضيقة لكنها أصبحت مألوفة بالنسبة لي. أما الغرفة الأخيرة فكانت متوسطة الحجم وفارغة تمامًا.

هذا المسكن لم يكن مأهولًا إلا بالقلة؛ أنا، لوكاس، سامرو، واثنان من الخدم الجدد فقط. البقية ماتوا بعد شهر من وصولهم.

نحن الخدم الشخصيون لعائلة فيجرلاند… الخدم الذين لا يُسمح لهم بالموت إلا بإذن من أسيادهم.

حولت نظري إلى الفتيات الثلاث.

سألت ببرود، تاركًا السؤال يتسلل إلى أعماق خوفهن:

“ ما هي أسماؤكن؟ ”

زاد ارتجافهن.

لكن واحدة منهن، الفتاة ذات الشعر الأسود الطويل، رفعت رأسها بشجاعة مكبوتة.

شعرت بنظرتها تلتقي بنظري.

كانت بعمري، عبدة في الماريجوا مثلي.

تكلمت بصوت ثابت رغم الخوف الذي يحيط بها:

“ اسمي بوا هانكوك، وأسماء أختَيّ بوا ساندرسونيا، وبوا ماريجولد. ”

راقبتها بصمت، قرأت ما في عينيها… كبرياء يحاول النجاة وسط العبودية.

ثم أشرت بيدي إلى الغرفة الأخيرة وقلت ببرود:

“ هذي ستكون غرفتكن. اذهبن وارتحن فيها حتى أطلب حضوركن. ”

دخلن الغرفة بخطوات بطيئة، تاركات خلفهن بقايا خوف لا يفارق الهواء.

أخذت العبيد السبعة الباقين إلى المكان الذي أصبح مألوفًا لي…

ساحة ضيقة في قبو المسكن، جدرانها سوداء من أثر الدخان، تتوسطها أداة جحيمية.

كان هناك فرن كبير تتصاعد منه الحرارة، وبجواره عصا معدنية في نهايتها ختم التنانين السماوية، نفس الرمز الذي يحترق على صدري منذ طفولتي.

وضعت العصا داخل الفرن، سمعت صوت المعدن وهو يسخن ببطء، يزداد احمراره حتى أصبح يتوهج كالجمر.

الجو امتلأ برائحة الحديد المحترق، وكأن المكان يتنفس الألم نفسه.

التفت إليهم، كانوا واقفين بصمت، أجسادهم ترتجف، وعيونهم تفيض بالخوف.

قلت بصوت بارد، كالسيف وهو يقطع الهواء:

“ اخلعوا ملابسكم… ولا تفكروا بالهرب. ”

ترددت أنفاسهم.

أكملت:

“ أي عبد يُرى في شوارع الماريجوا هاربًا، سيكون هدفًا للعبة الصيد… وسيصبح الفريسة بنفسه. ”

ارتعشوا أكثر.

خلعوا ملابسهم واحدًا تلو الآخر، أجسادهم النحيلة تفضح معاناتهم، وقفت عيونهم على الأرض، لم يجرؤ أحد على النظر نحوي.

أمسكت بالعصا التي أصبحت جمرًا حيًا، ورفعتها بهدوء.

اقتربت من أول واحد فيهم، التصق جلده الساخن بالرمز المحترق.

انبعث صوت الشواء مع صرخته التي مزقت الصمت، لكنها لم تحرك داخلي شيئًا.

ضغطت الختم بقوة حتى انتهيت، ثم انتقلت إلى التالي…

وضعته على ظهره ببرود تام، وكأن الألم الذي يصرخ به لم يصل إلى أذني.

واحدًا تلو الآخر…

سقطوا أرضًا من شدة الألم، لكني أكملت دون تردد، دون أي شفقة، لأن الشفقة هنا تقتل.

حين انتهيت، رميت العصا جانبًا، ورأيت أجسادهم المرهقة تتصبب عرقًا ودموعًا.

قلت ببرود قاطع:

“ الآن تعرفون الخوف… تذكروه جيدًا، لأنه ما سيجعلكم تعيشون. ”

شاهدت سامرو يدخل إلى المسكن، خطواته بطيئة ونظرته باردة كالجليد.

لكنني، بعيني التي ترى المشاعر، شعرت بما يختبئ داخله… غضب عارم وحزن ثقيل.

قلت له بهدوء وأنا أمسك الباب:

“سامرو، سأترك العبيد لك. وجههم إلى لوكاس، سيكونون تحت مسؤوليته.”

لم يرد، فقط أومأ برأسه، وتقدمت أنا تاركًا خلفي العبيد الجدد لأواجه مهمة أخرى.

توجهت نحو غرفة الفتيات الثلاث، خطواتي ثابتة لكن قلبي يثقل مع كل خطوة.

اقتربت من الباب، وسمعت بكاءهن عبر الهاكي.

ألم داخلي طعن صدري، لكنني شددت على أسناني.

لا وقت للضعف هنا… ليس في هذا المكان.

تنفست بعمق، ثم فتحت الباب.

عيونهن التقت بعيني، الخوف يقطر منها، شعورهن وصلني قبل أن يتكلم أي منهن.

قلت ببرود قاطع:

“بوهانكوك، فلتأتي معي.”

ارتفع الخوف بينهن، كأن الجدران نفسها ارتجفت من صمتهن.

وقفت بوهانكوك ببطء، كانت أطول مني بقليل، لكنها شعرت وكأنها أصغر بكثير.

مشيت أمامها دون أن ألتفت، حتى وصلنا إلى غرفتي.

دخلت أولًا وجلست على السرير، بينما بقيت واقفة عند الباب.

رفعت عيني نحوها بهدوء، ورأيت مزيجًا من المشاعر يتغير في عينيها…

خوف يتحول إلى اشمئزاز، اشمئزاز يخفيه كبرياء مكسور.

ابتسمت بسخرية داخلية.

“ماذا تظنين أني سأفعل؟”

لم أقلها بصوت عالٍ، لكنها كانت تهمس في رأسي.

اللعنة… لا يهم.

قلت ببرود:

“ستكونين الخادمة الشخصية لارترو. ستكونين معي في كل الأوقات.”

ثم أكملت:

“ستأتين كل يوم بعد انتهاء العمل إلى غرفتي. سأعلمك كيف تتحكمين بمشاعرك… لأن حتى المشاعر هنا خطيئة.”

نظرت إليها للحظة أطول، ثم أضفت بصوت منخفض لكنه حاد:

“من الأفضل أن تقطعي شعرك، أيتها القبيحة. الانجذاب للجمال هنا خطيئة قد تقتلك.”

تنهدت، ثم أشرت نحو الباب.

“اخرجي.”

غادرت الغرفة، وتركتني مع نفسي… ومع الغضب الذي يكبر داخلي كوحش مقيد.

فكرت في الأمر طويلًا، بينما عيناي تحدقان في الفراغ.

تتبقى ثلاث سنوات فقط على هروب العبد فيشر تايجر من الماريجوا،

وأربع سنوات على عودته وصنع التمرد الكبير الذي سيحطم قيود العبيد.

أربع سنوات…

أربع سنوات يجب أن أتحمل فيها كل شيء.

أربع سنوات يجب أن أبقى فيها على قيد الحياة مهما كان الثمن.

مسؤوليتي لم تعد تقتصر على نفسي فقط.

الآن هناك لوكاس، وسامرو، وثلاث فتيات جديدات عليّ أن أحميهن من جحيم هذا المكان.

العبء ثقيل… لكنه عبء اخترت أن أحمله.

أغمضت عيني، نظرت إلى السقف بهدوء، وكأنني أقرأ فيه مستقبلي المليء بالدماء والنار.

ثم همست لنفسي:

“يجب أن نعيش… حتى النهاية.”

استسلمت للنوم أخيرًا،

2025/08/04 · 24 مشاهدة · 1046 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025