استيقظت من نومي مثقلاً بالأفكار، وسرت ببطء نحو الحمام العام في المسكن.

فتحت صنبور الماء وغسلت وجهي، شعرت ببرودته تعيدني إلى وعيي.

من خلال هاكي التنبؤ أحسست بوجود مألوف يقترب.

ابتسمت دون أن ألتفت وقلت:

“صباح الخير سامرو.”

رد بابتسامة هادئة:

“صباح الخير جين.”

وقف بجانبي قليلًا ثم سأل بنبرة فضول:

“لماذا أنت قاسٍ على الفتيات؟”

نظرت إلى المرآة أمامي، إلى انعكاس عيني المتعبة، وقلت بهدوء:

“هل تعلم أن القسوة أحيانًا هي الحماية الوحيدة؟”

ابتسم سامرو بخبث وقال:

“إنهم يسألونني عنك كثيرًا.”

رفعت حاجبي:

“وماذا قالوا؟”

أجاب وهو يضحك:

“سألوني إن كنت جاسوسًا للتنانين.”

ابتسمت وقلت:

“وماذا أجبتهم؟”

ردّ سامرو ببرود:

“بالطبع قلت لهم نعم.”

قهقهت بخفوت:

“جيد… وماذا أيضًا؟”

اقترب قليلًا وقال:

“سألوني إن كنت وحشًا… أو عجوزًا متنكرًا في هيئة طفل.”

ابتسمت أكثر، لكن قبل أن أردّ، توقف سامرو عن الكلام فجأة وهو ينظر خلفي.

التفتّ ببطء، فرأيت بوهانكوك تدخل الحمام.

توسعت عيناي من الدهشة، فقد كان شعرها قصيرًا للغاية، يكاد يجعلها تبدو كالصبيان.

نظرت إليّ بخوف حاولت إخفاءه، وقلبي شعر بذلك رغم ملامحها الصامدة.

سألتها مباشرة:

“ماذا…؟”

ثم ابتسمت قليلًا وتداركت كلامي:

“أعني… لماذا قصصتِ شعرك؟”

أدارت وجهها بتعجب وقالت:

“ألم تقل أنت ذلك أمس؟”

تجمدت للحظة، ثم ابتسمت بصدق وقلت:

“مهما فعلتِ لن يتغير شيء… لكن القصير أجمل عليك.”

ارتبكت ملامحها، بينما أضفت بنبرة عملية:

“استعدي، ملابس الخدم أمام باب غرفتك. أخواتك سيكونون مع سامرو… أما أنتِ فستكونين معي.”

ارتدت بوهانكوك ملابس الخدم الجديدة، كانت بسيطة لكنها أظهرت ملامحها الهادئة بشكل أجمل.

تقدمت نحو الباب بخطوات مترددة، فقلت لها بنبرة ثابتة:

“اتبعيني… واحفظي القصر جيدًا.”

بدأنا بالسير في ممرات قصر فيجرلاند الواسعة، تلك الممرات المليئة باللوحات الذهبية والتماثيل التي تعكس غرور التنانين السماوية.

كانت خطواتها خلفي خفيفة، لكنني شعرت بتوترها من خلال هاكي التنبؤ.

وأثناء سيرنا، التفت إليها وقلت بصوت منخفض حتى لا يسمعنا أحد:

“سنكون الخدم في جناح القديس ارترو. انتبهي من التفكير بأي شيء وأنتِ بوجوده، لأنه يشعر بالمشاعر كما يفعل هاكي التنبؤ… بل أقوى.”

أخفضت رأسها بتوتر وهمست:

“مفهوم…”

أكملت:

“احذري من السيد الشاب شامروك، ولا تقتربي منه إلا إذا طلبك بنفسه. أما رئيس العائلة، القديس غارلينغ… فحتى الآن لم أشاهده طوال وجودي هنا، لكن مجرد ذكر اسمه يكفي ليزرع الخوف في قلب أي أحد.”

ارتجفت قليلاً لكنها تماسكت.

تابعت وأنا أنظر أمامي:

“مهامنا ستكون بسيطة، تنظيف المكان، جلب الطعام من المطبخ، وتحضير طلباته الخاصة. لكن الأخطاء هنا… لا تُغتفر.”

أومأت بصمت، فابتسمت قليلًا لأخفف عنها التوتر وأضفت:

“القديس ارترو مختلف عن البقية، لديه روتين يجب أن تحفظيه. بعد الغداء بساعتين يكون وقت الشاي والحلويات، أما الفطور فيُقدّم له في وقت متأخر.”

رفعت رأسها قليلًا تستمع لكل كلمة.

قلت:

“ولا يحب أن يقوم أحد بتبديل ملابسه له، بعكس باقي القديسين. وفي نهاية كل أسبوع… لديه يوم يشرب فيه طوال الليل. في هذا اليوم تحديدًا ستبقين في غرفتك، لأن خدمته ستكون مسؤوليتي أنا فقط.”

أخذت نفسًا عميقًا وأنهيت كلامي:

“هل فهمتِ كل شيء؟”

أجابت بصوت ثابت رغم الخوف الذي ما زال يسكنها:

“مفهوم.”

بعد أسبوع من العمل المتواصل، دخلت غرفة ارترو. كان جالسًا بهدوء، عيناه الثاقبتان تتفحصانني كأنهما تكشفان خبايا روحي. رفع رأسه بابتسامة باردة وسأل:

“كيف أداء الفتيات والمحاربين؟”

أجبت بصوت ثابت رغم التوتر الذي شعرت به داخلي:

“إنهم ينسجمون مع بيئتهم، الفتيات يؤدين عملهن بشكل جيد، والمحاربون يتدربون تحت لوكاس. سيصبحون جاهزين لخوض المعارك في غضون ثلاثة أشهر.”

رفع حاجبه قليلًا وقال بنبرة مملة وكأن كلماتي لم تثر فيه أي اهتمام:

“ثلاثة أشهر؟ ممل.”

ثم وقف من مكانه بخطوات بطيئة، وأخرج سكينًا صغيرًا من جيبه. قبل أن أدرك ما يحدث، وضع نصله البارد على عنقي. شعرت بقطرات العرق تتساقط من جبيني، والبرودة تسري في عروقي. كانت نظراته خالية من أي دفء، نظرات حاكم يقرر مصير عبد بكلمة واحدة.

سألني بصوت منخفض لكنه مليء بالتهديد:

“هل هناك شيء تخفيه عني؟”

لم أستطع الرد، بل لم أجد صوتي أصلًا. كان الخوف يكبل لساني، وجسدي مشلول من رهبة الموقف.

اقترب أكثر حتى شعرت بأنفاسه، ثم قال بنبرة أكثر برودًا:

“إذا حاولت إخفاء أي أمر مرة أخرى… سيكون هذا يوم وفاتك. لا تدفع حظك الجيد إلى آخره.”

ابتعد عني ببطء، وكأن شيئًا لم يكن، ثم أدار ظهره لي وتوجه نحو مكتبه. جلست أنفاسي ثقيلة، لكن لم أجرؤ على إظهار أي ضعف أمامه.

صوته اخترق صمتي فجأة:

“أعدم العبد الذي حاول الهروب… أمام جميع العبيد الآخرين. سيكون درسًا جيدًا لهم… وسيكون درسًا جيدًا لك أيضًا.”

ثم جلس بهدوء على كرسيه، وأشار بيده إلى الباب دون أن ينظر إليّ:

“غادر. والعبد يجب أن يكون ميتًا… اليوم.”

خرجت من الغرفة بخطوات بطيئة، وهاكي التنبؤ لدي يلتقط صدى مشاعره الباردة. لم يكن تهديده مزحة. اليوم… سألطخ يدي بدم شخص آخر، ليس لأنه يستحق الموت، بل لأن البقاء في هذا الجحيم يتطلب أن أصبح أنا الجحيم نفسه.

ذهبت بخطوات ثقيلة إلى سامرو، الذي كان يقف في ساحة التدريب يراقب العبيد الجدد. نظرت إليه بوجه خالٍ من التعابير، لكن داخلي كان يغلي. قلت بصوت منخفض:

“اجمع العبيد… جميعهم.”

رفع حاجبيه بدهشة وسألني بقلق:

“لماذا؟”

لم أنظر في عينيه، بل أبقيت نظري على الأرض وقلت:

“سيكون هناك إعدام… للذي حاول الهروب.”

رأيت ملامحه تتغير، نظرة مكسورة ظهرت في عينيه، كأنه هو من سيُعدم، لا العبد الهارب. كان الغضب والحزن يتصارعان في مشاعره، شعرت بها تتدفق نحوي من خلال هاكي التنبؤ. حاولت أن أتكلم أكثر، أن أبرر، أن أقول له شيئًا يخفف عنه… لكن الكلمات لم تخرج من فمي.

استدرت عنه بصمت، وتركت المكان.

وصلت إلى مسكن العبيد. كان الجو ثقيلًا، وكأن المكان نفسه يعلم بما سيحدث. نظرت إلى العبيد الواقفين في خوف، ثم تقدمت ببطء نحو منتصف الساحة. أخرجت سيفي من غمده ببطء، وكل لحظة في هذا الفعل شعرت أنها تطعن قلبي. غرست النصل في الأرض أمامي، وجلست القرفصاء بجانبه أنتظر وصول الجميع.

العرق البارد بدأ يتساقط من أسفل ظهري حتى شعرت بثيابي تلتصق بجسدي. قبضتي على مقبض السيف كانت ترتجف رغم محاولتي السيطرة عليها.

رفعت رأسي إلى السماء، والغيوم الرمادية كانت تتجمع ببطء، وكأنها تشهد على هذه الجريمة التي سأرتكبها.

في داخلي صرخة مكتومة، صرخة كره:

اللعنة عليك يا ارترو… أقسم، أقسم أني سأقتلك يومًا ما.

تجمّع العبيد جميعهم في الساحة الترابية أمام المسكن. وجوه شاحبة، عيون متسعة، أنفاس متقطعة. حتى بوا هانكوك وأختاها وقفن في الصف، أجسادهن متيبسة، بينما ارتجفت شفاههن من الخوف المكتوم. لوكاس كان يقف خلفهن بصرامة، لكنني شعرت بموجة حزن وغضب منه، مشاعر لا يستطيع إخفاءها عني مهما حاول. أما سامرو، فقد كان ينظر إليّ بنظرة مكسورة، نظرة تحمل سؤالًا واحدًا: إلى

أي

مدى

ستذهب؟

لم أجب على السؤال، حتى داخليًا.

خطوت إلى الأمام، ووسط الصفوف المتراصة سحبت الطفل الذي حاول الهروب. كان نحيل الجسد، بالكاد أكبر من عشر سنوات. جررته من ذراعه إلى منتصف الساحة، بينما ارتجفت قدماه حتى سقط على ركبتيه.

نظرت إليه من علٍ، عيناه تدمعان وهو يحدّق بي برجاء مكتوم. أردت أن أقول شيئًا، أردت أن أخبره بأن هذا ليس ذنبه، بأن اللعنة ليست عليه، بل على هذا العالم الفاسد… لكن الكلمات ماتت في حلقي.

لم يكن هناك مجال للكلام.

سحبت سيفي المغروس في الأرض. شعرت ببرودة الحديد في يدي، برودة تشبه البرودة التي احتلت قلبي. رفعت النصل، وبحركة سريعة ومتقنة هوَت الضربة.

انفصل رأسه عن جسده في لحظة، وانفجرت الدماء كسيل أحمر، ترسم قوسًا قاتمًا في الهواء قبل أن تهطل على وجهي وثيابي. دفء الدم سرعان ما تحول إلى برودة تغرقني، تسحبني إلى أعماق مظلمة حيث لا يوجد سوى الصمت والذنب.

لكن وجهي الخارجي ظلّ جامدًا، كتمثال من حجر. لا دمعة، لا رعشة، لا غضب ولا ألم. حتى سامرو، الذي يعرفني أكثر من الجميع، لم يرَ في عيني سوى الجليد.

التفت ببطء نحو العبيد الذين تجمدوا في أماكنهم. كان الخوف يتفجر منهم كعاصفة، يمكنني أن أراه وأشعر به في كل نبضة من قلوبهم.

قلت بصوت بارد، صوت لا يشبه صوتي:

“أريد المكان نظيفًا قبل الغد… وإلا سيكون مصيركم واحدًا.”

تركت السيف يتقطر دمًا في يدي، ومشيت مبتعدًا بخطوات هادئة. لم ألتفت إلى الوراء، لم أنظر إلى الجسد الصغير الملقى على الأرض، ولم أسمح لمشاعري بالخروج.

كان يجب ان يعرفو الخوف

كان يجب ان يعرف طعم اليأس ان يعرف طعم الموت

كان يجب ان يعرفوه او كان ارترو سيتخدمهم لكي يتلاعب فيني

2025/08/04 · 15 مشاهدة · 1278 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025