عامٌ كامل مرّ منذ هروب فيشر تايغر من الماريجوا. ذلك الرجل الذي ترك خلفه وعدًا مكتومًا بالنار والدم، وعدًا أنه سيعود. وكنت أعلم… بل كنت على يقين… أنه سيعود.

مضت السنوات الثلاث بجانب القديس ارترو، تحت عينه التي ترى كل شيء وتقرأ كل شعور. تعلمت كيف أخفي مشاعري حتى عن نفسي، كيف أكون باردًا حتى لا يلتهمني جحيمه.

خلال تلك السنوات، التقيت لأول مرة بالقديس غارلينغ، رأس عائلة الفجرلاند. مجرد رؤيته كانت كافية لزرع قشعريرة في عروقي. كان مقززًا بطريقة مختلفة عن ارترو. لا يبتسم، لا يمزح، فقط برود مميت يجعل وجوده أشبه بالموت المتحرك.

الفتيات…

استمر كرههن لي في التزايد. كنّ يرونني أشتري العبيد مع القديس، يرونني أعدم بعضهم أو أرسلهم إلى الموت. في أعينهن، كنت وحشًا آخر من وحوش الماريجوا.

حتى لوكاس، رغم ولائه، كان في داخله صراع.

لكن… ماذا كنّ يتوقعن مني؟ أن أبدأ ثورة وحدي؟ أن أصرخ في وجه ارترو؟

لو فعلت ذلك، لماتوا جميعًا في اليوم ذاته.

أنا أستطيع الهرب… كنت أستطيع الهرب منذ زمن. لكن ما كان يمسكني هنا هم لوكاس، والفتيات الثلاث. هم السبب الوحيد لبقائي في هذا الجحيم.

أما سامرو؟

كنت أعلم أنه لن يموت إن هربت، فهو يملك سرًّا مع القديس ارترو لم أتمكن من معرفته بعد. رابط غامض يجعله مختلفًا.

مرت الأيام، وجاء سامرو بالمفاتيح. المفاتيح التي ستفك قيود الكايروسكي عن معاصمنا ، القيود التي منعتنا لسنوات من لمس قوى فواكه الشيطان التي في أجسادنا. أمسك بها وهو يبتسم ابتسامة خفيفة، وكأنه يقول: “اقترب

الوقت

.

لم يتبقَّ على قدوم فيشر تايغر سوى أقل من شهر.

وأنا؟

كنت أعدُّ الأيام، أعدُّ أنفاسي، وأحمل في صدري غضبًا تراكم لثلاث سنوات كاملة.

عندما يعود فيشر تايغر، سيشتعل الجحيم…

وعندها سيبدأ كل شيء.

أتقن لوكاس والفتيات الثلاث خلال السنوات الماضية هاكي التنبؤ، حتى أصبحوا قادرين على استشعار الخطر قبل وقوعه.

وبرزت بوهانكوك بقدرتها الفريدة على قراءة المشاعر عبر هاكيها،

وهذا وحده جعلني أستنتج أن هذه القدرة ليست صدفة، بل امتياز وراثي خاص بعائلة فيجرلاند.

عندها فهمت أن سامرو ليس مجرد عبد مثلنا، بل يحمل دماء هذه العائلة،

لكنني لم أسأله عن تفاصيل ذلك، كنت أعلم أنه سيخبرني حين يحين الوقت.

تطور الفتيات في القتال بشكل ملحوظ، وأصبحن أشد بأسًا.

أما لوكاس، فقد صقل مهاراته في السيافة حتى صار مبارزًا حقيقيًا.

أما أنا وسامرو، فقد أصبحنا نرى عبر هاكي التنبؤ لمحات قصيرة من المستقبل،

ومع كل رؤية كانت تنمو في صدري رغبة أقوى في كسر قيود هذا العالم.

اليوم، بلغت الخامسة عشرة.

لم أعرف يوم مولدي في هذا العالم،

لكنني قررت أن أجعل يوم هروبي من الماريجوا هو يوم مولدي الحقيقي.

وبينما كنت أغرق في أفكاري، رأيت سامرو يركض نحوي بطريقة غير معتادة.

شعرت بهاكي التنبؤ بمشاعره: كانت خليطًا من السعادة والشوق.

استغربت للحظة، لكنني سرعان ما فهمت السبب.

وصل إليّ وأمسكني من يدي وهو يلهث من الحماس، وقال:

– “لقد جاء كما قلت… لقد جاء تايجر فيشر.

الثورة ستبدأ، استعد!”

حدقت في عينيه، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة وقلت بهدوء:

– “أيقظ الفتيات ولوكاس.”

مدّ لي مفتاحًا صغيرًا، كان المفتاح الخاص بالقيد المثبت على معصمي،

القيد الذي حبس قوتي لسنوات.

أمسكت المفتاح بيدي، وشعرت بموجة من المشاعر تجتاحني:

سعادة عارمة لأن لحظة الحرية اقتربت،

حزن دفين على من لم يسعفهم القدر ليشهدوا هذه اللحظة،

وغضب متقد على من حرمونا منها طوال هذه السنوات.

رفعت رأسي إليه وقلت بصوت ثابت:

– “اهرب قبلي… لدي أمر يجب أن أفعله أولًا.”

مشيت في الطريق الذي أعرفه أكثر من أي أحد، أربع سنوات قضيتها عبدًا تحت خدمة سيد هذا المكان.

كل زاوية في هذا القصر تحفظ خطواتي، تحفظ ألمي.

لكن الليلة شعرت بشيء مختلف… شعرت وكأن المكان أصبح ملكي، وكأن الجاذبية نفسها تنحني لي.

كانت هذه أول مرة أطلق فيها قدرات فاكهتي الشيطانية.

بلمحة إرادة رفعت سيفي دون أن ألمسه، ارتفع في الهواء مطيعًا لي،

ثم جعلت جسدي نفسه يرتفع بسهولة.

بهذه القدرة، كان بإمكاني أن أهرب الآن بلا أي عائق…

لكني لم آتِ لأهرب فقط. كان هناك لقاء أخير يجب أن يحدث.

اليوم هو آخر أيام الأسبوع، اليوم الذي يشرب فيه القديس ارترو كأسه المعتاد.

لا يشرب كثيرًا، فقط بقدر يكفي ليعذّب نفسه بذكرى وفاة عبدته التي أحبها… والدة سامرو.

ومن هنا جاء حقده على سامرو، لأنه يرى في ملامحه ظلّها، فيحترق قلبه كرهًا كلما تذكرها.

على مدى أربع سنوات كاملة، لم يلتقِ سامرو بارترو ولو مرة واحدة.

ارترو هو من منع اللقاء، لأنه لم يعد يحتمل رؤية وجه عبدته الميتة في ابنها.

أراد أن ينساها، أن يمحوها من ذاكرته.

لم أهتم بسكره ولا بحالته، لم آتِ لقتله.

هذا الانتقام ليس لي… هذا الانتقام حق لسامرو.

لم يحن وقت موته بعد.

قتل رجل وهو سكران سيكون إهانة للغضب الذي نحمله له.

ومع ذلك، كان الحرس هناك، يقفون كجدار صلب أمام غرفته.

في الماضي كانوا أقوياء بالنسبة لعبد مقيد بالكايروسكي،

أما الآن… ومع عودة قوتي، لم يستطيعوا حتى أن يتحركوا.

الجاذبية التي أطلقتها كبّلت أجسادهم في أماكنهم، بينما فتحت باب الغرفة بهدوء.

كنت أعلم أن ارترو ليس رجلًا عاديًا.

مستخدم للوجيا الدم، قوة مرعبة تعادل قوة أدميرال على الأقل.

وهذا سبب آخر لعدم قتلي له الليلة.

خطوت إلى الداخل.

الزهور الحمراء في الغرفة لفتت انتباهي.

تذكرت تحذير سامرو في أول يوم جئت فيه لهذا العالم.

هذه ليست زهورًا… بل دماء والدة سامرو التي تحكم بها ارترو،

صبغ بها الأزهار التي كانت تعتني بها وتحبه،

فجعل منها ذكرى دموية أبدية.

كان ارترو نائمًا على مكتبه، رأسه منحنٍ فوق الأوراق، وكأس الخمر نصف ممتلئ بجانبه.

خطوت نحوه بهدوء، أقدامي بالكاد تصدر صوتًا على أرض الغرفة.

عيناي ثبتتا على يده المتراخية، كان يمسك بمفتاح صغير وكأنه أثمن ما يملك حتى في نومه.

مددت يدي ببطء، انتزعت المفتاح من بين أصابعه دون أن يستيقظ.

نظرت إليه للحظة، شعرت برغبة عارمة في إنهاء حياته الآن، لكنه ليس قدري أن أفعل.

هذا الموت من حق سامرو.

التفتُ نحو زاوية الغرفة حيث تقبع خزانة قديمة مغطاة بالغبار،

خزانة لم يسمح لي يومًا حتى بمسحها، وكأنها تحمل سرًا دفينًا.

أدخلت المفتاح في القفل، صوت التكة كان كأنه صرخة في الصمت.

فتحت الباب ببطء، وعيناي اتسعتا مما رأيت.

في الداخل لم يكن هناك مجوهرات أو وثائق، بل شيء واحد فقط…

فاكهة شيطان صغيرة، لونها أزرق غامق يلمع تحت ضوء الشموع،

شكلها كتفاحة غريبة تلفها هالة غامضة.

تجمدت لثوانٍ أنظر إليها، ثم مددت يدي وأخذتها.

وضعتها في جيبي بسرعة، وابتسامة باردة ارتسمت على وجهي.

“حتى لو لم أستطع قتلك اليوم، هذه الفاكهة… ستكون نهايتك.”

أغلقت الخزانة، ألقيت نظرة أخيرة على ارترو النائم وسط ظلال الدم والزهور الحمراء،

ثم غادرت الغرفة بخطوات سريعة، متجهًا للحاق بالمجموعة.

2025/08/04 · 28 مشاهدة · 1028 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025