بعد انتهاء الحديث مع لوكاس، عدت إلى الغرفة وأنا محطم نفسيًا.
خطواتي كانت ثقيلة، ورأسي مليء بالأفكار السوداء.
شهر واحد متبقي لو نجوت من الموت المحتم في الحلبه سابقى عبد
دخلت الغرفة الصغيرة وأغلقت الباب خلفي بهدوء. جلست على السرير، وضعت رأسي بين يديّ، وبدأت أحسب احتمالاتي.
الهروب؟
كل شي ضدي
وقبل أن أغرق أكثر في أفكاري، انفتح الباب فجأة.
وقف سامرو هناك، نصفه الأحمر نصفه الأبيض، عينيه تلمعان بشيء غريب.
قال بصوت بارد، وكأنه يقرأ أفكاري:
“حتى وإن فكرت في الهروب انسَ ذلك. مستحيل.”
رفعت رأسي ببطء، عيناي مليئتان باليأس، فسحب ابتسامة ساخرة وأكمل:
“لكي تهرب، يجب أن تكون قويًا جدًا أقوى مما تتخيل. يجب أن تتقن الهاكي .”
ارتجفت من الكلمة، فالهاكي ليس شيئًا يُكتسب بسهولة.
اقترب سامرو خطوة وقال:
“حتى لوكاس، الذي تراه قويًا، لا يتقن الهاكي.”
كلماته غرست شعورًا أثقل في صدري. شعرت بأن العالم كله يغلق عليّ، حتى أنفاسي صارت أضيق.
تمتمت بصوت مبحوح، مليء باليأس:
“ماذا أفعل إذًا؟ ما هو الحل؟”
في تلك اللحظة، رأيت شيئًا غريبًا في عينيه…
ابتسامة، لكنها لم تكن ابتسامة عادية. كانت ابتسامة شيطان ، ابتسامة شخص يهوى اللعب بالنار.
جلس على حافة سريري وقال بهدوء عجيب:
“سأطرح عليك سؤالًا، جين… إذا عشت، ماذا ستفعل؟”
تجمدت، أفكاري تشتعل.
العوده الى عالمي ؟
البقاء ؟
النجاة ؟
هززت رأسي بشدة:
“لا… لا، كل هذا غير صحيح.”
لن يكون هنالك شي يجدي نفعا الم اكن حر
رفعت عيني إليه وقلت بصوت قوي رغم ضعفي:
“أريد الحرية.”
تسعت ابتسامته أكثر، وكأن كلماتي أشعلت فيه شيئًا خطيرًا.
ضحك ضحكة خافتة وقال:
“جيد… سبب جيد. أنت مجنون أكثر مني.”
ثم صرخ فجأة، صوته يهز الغرفة:
“هل تعلم ما هو ثمن الحرية ؟”
تراجعت قليلًا بصدمة، لكنه أكمل بنبرة حادة:
“الثمن أن تكون أقوى من أي أحد… أقوى من أسيادك، أقوى من كل من يقف في طريقك!”
توقف للحظة، ثم اقترب وجهه مني، وعيناه تلتمعان بخطر:
“أنت مجنون… نعم، لكن هذا ما يعجبني فيك.”
وقف وأدار ظهره وهو يهم بالخروج، وقال بابتسامة مليئة بالخبث:
“سأساعدك في الهروب… لكن تذكر، ستكون مدينًا لي بدين كبير يا جين.”
ثم أغلق الباب خلفه، تاركًا قلبي يخفق بجنون.
(دين… حرية… قوة… هذا هو الطريق الذي اخترته.)
استيقظت في الصباح الباكر، جسدي مثقل بالإرهاق من التفكير، لكن عقلي كان مشتعلًا.
ارتديت ملابسي بسرعة، خرجت من الغرفة بخطوات ثابتة متجهًا إلى ساحة التدريب.
كان لوكاس واقفًا هناك بانتظاري، ذراعيه متشابكتان وسيفه معلق على خصره.
نظر إليّ بعينين صارمتين وقال:
“أخبرني يا جين… هل تعرف أن لكل شخص جوهر قتال مختلف؟”
ترددت قليلًا قبل أن أجيب:
“لا… لا أعرف.”
ابتسم لوكاس ابتسامة خفيفة، لكنها لم تكن ابتسامة دافئة، بل ابتسامة مقاتل يعرف أنه على وشك أن يكسر شيئًا بداخلي.
“كل شخص لديه جوهر قتالي. شيء عميق في داخله، هو ما يجعله يقاتل. ربما تعتقد أنني مجرد عبد يدرّبك، لكن ثق بي… سأزرع فيك جوهر قتال عظيم.”
اقترب مني خطوة، صوته صار أخفض وأكثر حدة:
“أتدري ما هو جوهر القتال؟”
هززت رأسي بالنفي.
قال بنبرة باردة:
“جوهر القتال… هو القتل .”
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي، لكنه لم يتوقف:
“أنت كعبد لا تحتاج إلى سبب للقتل. في الحلبة، لا يوجد شرف ولا رحمة. هناك قاعدة واحدة فقط: إن لم تقتل… ستموت. ”
تراجع لوكاس خطوة للخلف، وسحب سيفًا خشبيًا من جانبه، ثم ألقى بسيف آخر أمامي.
“الآن… أمسك السيف.”
انحنيت والتقطت السيف الخشبي، قبضتي ترتجف قليلًا، لكنه كان يشعر بكل ارتجافة في أصابعي.
ابتسم بسخرية وقال:
“حاول قتلي.”
نظرت إلى السيف في يدي، ثم إلى عينيه.
(قتل؟… أن أقتل شخصًا؟)
لكن قبل أن أفكر أكثر، صرخ لوكاس:
“قلت حاول قتلي! لا تتردد!”
شددت قبضتي على السيف وانطلقت نحوه بكل ما أملك، لكن بضربة واحدة صدّ هجومي بسهولة، جعل السيف يرتد من يدي تقريبًا.
ضحك لوكاس وقال:
“ضعف… هذا ليس قتالًا. أنت تفكر كثيرًا. القتال ليس تفكيرًا… القتال هو غريزة .”
ثم اندفع نحوي بسرعة، وضربني على كتفي بقوة جعلتني أسقط على الأرض.
تألمت بشدة، لكن نظراته لم ترحم.
“انهض، جين. في هذه الأرض، لا أحد ينتظر الضعفاء.”
نهضت بصعوبة، عيني مشتعلة، قبضتي أقوى، وصوت داخلي يصرخ:
(لن أموت هنا… لن أموت.)
وقفت على قدميّ بصعوبة، كتفي يؤلمني من الضربة السابقة، لكن شيء ما بدأ يتغير بداخلي.
نظرت إلى لوكاس، إلى عينيه الباردتين التي لا ترى فيّ سوى فريسة ضعيفة.
قبضت على السيف بقوة حتى شعرت أن قبضتي ستنزف.
لن
…
.
صرخ لوكاس:
“تعال! أرني ما تملكه يا جين!”
اندفعت نحوه مرة أخرى، لكن هذه المرة لم أفكر، لم أتردد.
غضب نابع من أعماقي أشعل جسدي كله، عيناي صارتا تريان هدفًا واحدًا… رأسه.
رفعت السيف عاليًا وهجمت بكل قوتي، ضربة مليئة بالغريزة، بالقسوة، بالرغبة في قتله .
في لحظة، صد لوكاس الضربة بسيفه بسهولة، لكن عينيه اتسعتا قليلًا، لأول مرة بدا عليه الاهتمام.
ابتسم ابتسامة خطيرة وقال:
“جيد…”
ضغط بسيفه على سيفي ودفعني للخلف، لكنه لم يتوقف عن الكلام:
“أحفظ هذا الشعور يا جين… لا تنساه أبدًا.”
صوته صار أكثر حدة وكأنه يحفر الكلام في رأسي:
“انقشه في صدرك! اجعله نارًا لا تنطفئ.”
تراجع خطوة للخلف وأشار إليّ بسيفه:
“هذا هو السبيل الوحيد للعيش هنا. ليس القوة ولا المهارة وحدهما، بل الرغبة في القتل .”
وقفت أمامه أتنفس بسرعة، السيف ما زال بين يدي، لكن لأول مرة شعرت أنني لست مجرد عبد ضعيف.
شيء ما استيقظ داخلي.
لوّح لوكاس بسيفه وقال ببرود:
“سنكرر هذا ألف مرة حتى يصبح ذلك الشعور جزءًا منك. لأنك إما أن تقتل… أو تموت.”
سيفي سقط من يدي، وركبتاي اصطدمتا بالأرض.
جسدي كله كان يصرخ من الألم، عضلاتي تحترق، ويداي ترتجفان.
تدربنا لساعات بلا توقف، كل ضربة من لوكاس كانت تكسر شيئًا بداخلي لتبني شيئًا آخر مكانه.
كنت أتنفس بصعوبة، العرق يغطي وجهي، لكن نظري ما زال مثبتًا على لوكاس الذي يقف أمامي بثبات.
اقترب مني ببطء، وقف فوقي، ونظر إليّ بنظرة لم أفهمها، خليط من الصرامة والرضا الخفي.
قال بصوت بارد لكن حاد:
“يكفي اليوم.”
رفع سيفه ووضعه على كتفه وأضاف:
“اذهب واسترح، يا جين. سيكون هناك طعام في غرفتك.”
حاولت النهوض، لكن جسدي لم يطعني. ابتسم لوكاس ابتسامة خفيفة وهو يرى صراعي وقال:
“استرح جيدًا… لأن من الغد، سيكون كل يوم يومًا جهنميًا بالنسبة لك.”
تركت كلماته تحفر في رأسي بينما أسحب جسدي بصعوبة خارج ساحة التدريب.
كل خطوة كانت ألمًا، لكن الألم هذه المرة لم يكن عدوًا… بل كان تذكيرًا بأنني بدأت أول طريق النجاة.
دفعت باب الغرفة ببطء، كان جسدي يئن من الألم، وملابسي ملطخة بالعرق والغبار.
ما إن دخلت حتى توقفت في مكاني، عيني اتسعتا من الدهشة.
على الأرض، كان هناك صحن لحم مشوي وقطعة خبز طازجة، وزجاجة ماء باردة.
اقتربت ببطء، لم أصدق ما أراه.
لحم؟
!
منذ قدومي إلى هذا المكان، لم أتناول سوى الخبز اليابس والماء الفاتر.
جلست على الأرض، نظرت إلى الطعام، وابتسمت ابتسامة ضعيفة، بالكاد خرجت من بين شفتيّ.
تمتمت بصوت خافت:
“إذا… هذه هي نعمة المحارب.”
وقبل أن أمد يدي، سمعت صوتًا ساخرًا من خلفي:
“ما هذه الابتسامة القبيحة؟”
التفت بسرعة، فرأيت سامرو يقف عند الباب، ذراعيه متشابكتان، وعيناه تلمعان بخبث مألوف.
تقدمت خطواته ببطء، وقال وهو ينظر إلى الطعام:
“ماذا تنتظر؟ كل قبل أن يبرد أكلك.”
نظرت إليه لثوانٍ، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة هذه المرة، وبدأت ألتهم الطعام بنهم، بينما سامرو جلس بجانبي، ينظر إليّ وكأنه يدرس كل حركة أقوم بها.
في تلك اللحظة، لم يكن الطعام مجرد وجبة…
كان إعلانًا بأنني بدأت أول خطواتي نحو طريق المحارب.
جلست على الأرض وبدأت أتناول الطعام.
وضعت قطعة اللحم الأولى في فمي… وفجأة انفجر الطعم في حواسي.
كان طريًا بشكل لم أتذوقه من قبل، عصائره الدافئة تسيل في فمي، تمتزج بنكهة التوابل الخفيفة التي جعلت كل قضمة أفضل من التي قبلها.
لم يكن مجرد لحم، كان حياة تعود إلى جسدي المرهق.
كل مضغة كانت تخبرني أنني ما زلت حيًا، أن جسدي يصرخ شكرًا بعد أيام من الخبز اليابس والماء الفاتر.
ثم أمسكت بزجاجة الماء البارد، شربت منها جرعة كبيرة، وشعرت بتيار جليدي يسري في حلقي ويطفئ النار المشتعلة في داخلي.
الماء انساب في معدتي كأنه دواء، كأنه يغسل كل التعب الذي علق بجسدي منذ بداية هذا الجحيم.
أغمضت عيني للحظة، استسلمت لذلك الإحساس العميق بالراحة، همست لنفسي:
“هكذا… هكذا يجب أن يكون الطعام.”
ابتسمت ابتسامة صغيرة، شعور نادر وسط هذا العالم القاسي.
بينما كنت ألتهم آخر قطعة من اللحم، جلس سامرو بجانبي، مسندًا ظهره إلى الحائط، عينيه تلمعان وكأنهما تخفيان سرًا عظيمًا.
قال بصوت هادئ لكنه محمّل بالثقل:
“جين… هل تعرف طرق القوة في هذا العالم؟”
مسحت فمي بيدي وأجبته دون تردد:
“نعم، هنالك طرق كثيرة. الأولى والأكثر شيوعًا هي فاكهة الشيطان ، تمنح مستخدمها قوة عظيمة لكنها تسلبه القدرة على السباحة.
أما الثانية، وهي الأصعب، فهي الهاكي ، القوة التي تنبع من الإرادة نفسها.”
أومأ سامرو برأسه، ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه وكأنه كان ينتظر هذا الجواب.
“جيد… هل تعلم بأنواع الهاكي؟”
نظرت إلى عينيه وقلت:
“نعم، هناك ثلاثة أنواع:
الأول هاكي التصلب ، يقوي الجسد والسلاح ليصبح كالحديد ويصد أقوى الهجمات.
الثاني هاكي التنبؤ ، يسمح لك باستشعار تحركات الخصوم ونواياهم قبل أن يقوموا بها، وكأنك ترى المستقبل للحظات.
أما الثالث… فهو النادر، هاكي الملوك ، الذي يمتلكه قلة من الأشخاص في هذا العالم، قوة تسيطر على من حولك فقط بإرادتك.”
ظل سامرو ينظر إليّ للحظة، ثم أومأ ببطء، وابتسامته اتسعت قليلًا.
“أحسنت… يبدو أنك تعرف الكثير.”
اقترب مني أكثر، صوته صار أكثر حدة وإصرارًا:
“حسنًا يا جين… ما سأعلمك إياه ليس شيئًا يستطيع لوكاس أن يدرّسك إياه. ما سأمنحك إياه سيكون وسيلتك الوحيدة للفوز.”
توقف للحظة، ثم نظر مباشرة في عيني وقال:
“سأعلّمك هاكي التنبؤ .”
تسارعت أنفاسي، قلبي خفق بقوة.
“هاكي… التنبؤ؟!”
ابتسم سامرو ابتسامة عجيبة، نصفها سخرية ونصفها حماس خفي:
“نعم. في حلبة التنين، القوة وحدها لا تكفي. تحتاج أن تعرف نوايا خصمك قبل أن يتحرك، تحتاج أن ترى الموت قادمًا قبل أن يصل إليك.”
اقترب أكثر وهمس:
“تأكد من شيء واحد يا جين… إذا أتقنت هذا الهاكي، ستستطيع النجاة.”
ثم اعتدل واقفًا وقال وهو يتجه نحو الباب:
“غدًا، بعد تدريبك مع لوكاس… ستأتي إليّ. سأريك الطريق إلى عيون من ترى ما لا يُرى.”
غادر سامرو الغرفة، تاركًا خلفه صدى كلماته في رأسي.
(هاكي التنبؤ… وسيلة النجاة الوحيدة.)
أغمضت عيني، والابتسامة التي ارتسمت على وجهي هذه المرة لم تكن ضعيفة… كانت ابتسامة بصيص أمل وسط الجحيم.