استيقظت ذلك الصباح على صوت مألوف، صوت أصبح جزءًا من عالمي خلال هذا الشهر المظلم.
ذلك الصوت الذي لم يعد يحمل برودة مطلقة، بل شيئًا خفيفًا يشبه الصداقة في عالم لا يعرف الرحمة.
فتحت عيني، كان الظلام قد أصبح صديقًا لي بعد كل ليالي التدريب، لكن الضوء الذي تسلل من النافذة أعادني للواقع.
نهضت من السرير ورأيته يقف عند الباب، نصف شعره أحمر ونصفه أبيض، بشرته بيضاء شاحبة، وعيناه ثابتتان كما اعتدت عليهما.
سامرو… الطفل الغريب الذي أصبح معلمي، وصديقي الوحيد في هذا الجحيم.
قال بصوت هادئ كعادته:
“انهض، جين. لوكاس ينتظرك في الخارج… اليوم سيكون اليوم الأخير في تدريبك.”
وقفت من السرير بخطوات ثابتة.
قبل أن أخرج، وقفت أمام المرآة الصغيرة المعلقة في الغرفة.
نظرت إلى نفسي بتمعّن.
ذلك الصبي الذي كان ضعيف البنية، قصير القامة، بعينين مليئتين باليأس… لم يعد موجودًا بالكامل.
لا، ما زلت قصيرًا بعض الشيء، وجسدي لم يتحول إلى جسد محارب خارق، لكن شيئًا تغيّر .
عضلات خفيفة رسمت نفسها على ذراعيّ وكتفيّ من التدريب المتواصل.
وجهي أصبح أكثر صلابة، نظراتي أكثر ثقة.
حتى في عينيّ… كان هناك بريق لم يكن موجودًا من قبل.
ابتسمت بخفة، ابتسامة لم تكن ضعفًا، بل اعترافًا بالتقدم.
ربما شهر لا يكفي لتغير العالم لكن يكفي لتغيري
سمعت صوت سامرو خلفي، نبرة هادئة لكنها تحمل شيئًا من الثقة بي:
“لا تتأخر… اليوم ستعرف كيف يموت الضعفاء، وكيف ينجو الأقوياء.”
أخذت نفسًا عميقًا، التفت نحوه وقلت:
“لن أموت، سامرو.”
أومأ برأسه وكأنه كان يتوقع الجواب، ثم استدار:
“إذن… لنذهب إلى لوكاس. إنه ينتظر لشرح نظام التقاليد.”
سرت خلفه، وعقلي يستعد لما سيأتي.
اليوم الاخير في شهر التدريب
قبل بداء لعبه التنانين السماويه
خرجت إلى الساحة حيث كان لوكاس واقفًا بانتظاري، سيفه على خصره ويداه خلف ظهره.
وقفت أمامه وألقيت التحية بصوت ثابت:
“صباح الخير، لوكاس.”
نظر إليّ بعينيه الحادتين وسألني مباشرة:
“هل أنت مستعد؟”
أجبت دون تردد:
“نعم.”
ابتسم بخفة، ثم قال:
“جيد… إذًا اسمع جيدًا، لأن ما سأقوله الآن سيقرر إن كنت ستعيش أو تموت.”
أخذ خطوة إلى الأمام وبدأ يشرح بصوت عميق:
“هذه ليست مجرد معركة، إنها لعبة النبلاء … لعبة الدماء التي يتسلّى بها التنانين السماوية.
سيشارك فيها ثمانية وثلاثون عبدًا من أعتى العائلات المالكة.
كل عائلة ستدخل عبدين فقط، لكن بالنسبة لهم، أنتم مجرد كلاب يقاتلون حتى الموت.”
صمت لثوانٍ ثم تابع:
“المكان… سيكون في حلبة التنين ، أعمق نقطة في الماريجوا.
حلبة ضخمة، لكنها محاصرة بالكامل، لا هروب، لا استسلام.
أمامكم ثلاثة أيام فقط … لتقتلوا بعضكم البعض حتى يبقى واحد حي.”
شعرت ببرودة في صدري، لكنه أكمل بنبرة أكثر حدة:
“إن لم يتبقَ إلا عبد واحد قبل نهاية الوقت… يفوز ويُبقي رأسه فوق كتفيه.
أما إن انتهت الثلاثة أيام ولم يبق سوى اثنان أو أكثر؟
سيُقتلون جميعًا بلا استثناء.”
نظرت إلى الأرض، قبضتي تشدّت، لكن لوكاس لم يعطني وقتًا للتفكير.
قال وهو يقترب أكثر:
“الأمر لا ينتهي هنا… عليك أن تعرف أن هناك من بين هؤلاء العبيد من ينتمون إلى عائلة الدونكيهوتي .
أولئك ليسوا عبيدًا عاديين… إنهم كلاب مدربة من الجحيم.
إذا رأيت أحدهم… تذكر أن خطوة خاطئة تعني نهايتك.”
رفعت رأسي وسألته:
“إذن… ما الذي يجب أن أفعله؟”
ابتسم لوكاس ابتسامة باردة وقال:
“عليك أن تبقى خفياً حتى آخر عشرة مقاتلين.
لا تُظهر قوتك إلا عند الحاجة، ولا تدخل معركة لا تضمنها.
دع الآخرين يقتلون بعضهم… حتى تأتي اللحظة التي يصبح فيها البقاء للأقوى.”
رفع يده وأشار بسيفه إلى صدري:
“تذكر يا جين… في هذه اللعبة، لا يوجد صديق، لا يوجد تحالف حقيقي.
في النهاية… الجميع سيحاول قتلك.”
أخذت نفسًا عميقًا، نظرت في عينيه وقلت بثقة:
“سأبقى حيًا، لوكاس.”
هز رأسه ببطء وقال:
“أتمنى ذلك… لأن الفشل يعني موتًا بلا قيمة.”
وقف سامرو في الخلف يراقب بصمت، وابتسامة صغيرة رسمت على وجهه، ابتسامة لم أفهم معناها… لكنها جعلت قلبي ينبض أسرع.
اللعبه اقتربت وحان وقت تجربه كل ما تعلمته
لم يتركني لوكاس ألتقط أنفاسي بعد الشرح الأول، بل واصل كلامه بنبرة جدية أثقلت الجو من حولنا.
قال وهو يضع يده على خريطة قديمة أخرجها من جيبه:
“استمع جيدًا يا جين… حلبة التنين ليست ساحة قتال عادية.
إنها مساحة شاسعة بحجم غابة كاملة، مليئة بالأشجار الضخمة، الصخور، والأنهار الصغيرة.
التنانين السماوية حولوا هذا المكان إلى مسرح للقتل… حيث لا قوانين سوى البقاء للأقوى.”
مرر أصبعه على الخريطة وأكمل:
“كل ما يحدث هناك سيتم نقله مباشرة عبر دن دن موشي إلى القصور فوقنا.
سيراقبونكم من البداية حتى النهاية، سيضحكون على معاناتكم، وسيشجعون موتكم.”
رفعت حاجبي وقلت:
“إذن… التضاريس ستكون مهمة.”
أومأ لوكاس برأسه:
“بالضبط. استغل التضاريس، جين.
اختبئ عندما يجب أن تختبئ، اغدر عندما تحين الفرصة، وانجو بأي طريقة.
لا شرف في هذه اللعبة، فقط دماء.”
اقترب مني أكثر وقال بجدية أكبر:
“سيُسمح لكل مقاتل باختيار سلاح واحد فقط.
اختيارك للسلاح سيحدد حياتك أو موتك.
اختر بعناية، وفكر بما يناسب أسلوبك الذي تعلمته في الشهر الماضي.”
تراجع خطوة للخلف، وصوته أصبح أكثر انخفاضًا لكنه أكثر رعبًا:
“اللعبة تنقسم إلى ثلاثة أيام، ولكل يوم طبيعته الخاصة.”
رفع ثلاثة أصابع وبدأ يشرح:
“ اليوم الأول يسمى بالجنة … لأنه البداية.
ستشعرون بالأمان المؤقت، ستتوفر بعض الموارد، وستظنون أن لديكم وقتًا للتخطيط.
لكن الجنة لن تدوم طويلًا.”
خفض إصبعه الأول وأكمل:
“ اليوم الثاني يسمى بالجحيم … لأن الأرض ستتحول إلى نار.
لا موارد، لا ماء، لا راحة، فقط مطاردة مستمرة.
كل من بقي حيًا في اليوم الأول سيُجبر على القتال بشكل أشرس.”
خفض إصبعه الثاني، وترك الثالث مرفوعًا وهو ينظر إليّ بعينيه الثاقبتين:
“ اليوم الثالث يسمى بالخلاص … اليوم الأخير.
هنا لن يكون هناك مكان للاختباء.
سيُجبر الباقون على القتال حتى آخر نفس.
وفي هذا اليوم فقط… سيولد الفائز أو سيموت الجميع.”
سكت لوكاس للحظة، ثم قال بصوت بارد كالثلج:
“كل اسم يشرح نفسه يا جين… الجنة، الجحيم، والخلاص.
تذكر هذه الأسماء جيدًا، لأنها ستكون الواقع الذي ستعيشه قريبًا.”
ثم أدار ظهره وقال:
“استعد… غدًا ستختار سلاحك، وبعدها لن يكون هناك وقت للندم.”
وقفت هناك صامتًا، شعرت بدم بارد يجري في عروقي.
سامرو كان ما زال في الخلف، ينظر إليّ بابتسامته الغامضة، وكأن هذه الفوضى القادمة كانت أمرًا ينتظره منذ زمن.
الجنه والجحيم والخلاص
ثلاث ايام تربط بين الحياه والموت
ركضت خلف لوكاس بخطوات سريعة، أحاول مجاراته بينما يقطع ممرات القصر الواسعة بخطوات ثابتة.
كلما اقتربت أكثر من قلب القصر، انفتحت أمامي مناظر لم أرَ مثلها في حياتي.
جدران شاهقة مطلية بالذهب، نوافذ ضخمة تعكس ضوء الشمس، وحدائق مرتبة بدقة لا تصدق.
ثم مررنا عبر حقل الورود الحمراء .
وقفت للحظة دون شعور، كان المشهد ساحرًا، الورود تتمايل مع الريح برقة غريبة، لكن كلمات سامرو ترددت في عقلي:
لا تنظر الى الورد كثيرا او ستموت
شدّدت قبضتي وأبعدت نظري فورًا، وأكملت السير خلف لوكاس دون أن ألتفت مرة أخرى.
حتى الورود في هذا المكان تحمل شيئًا مخيفًا.
كلما اقتربنا من المبنى الرئيسي، زاد شعوري بأن الهواء أصبح أثقل.
جسدي كان يسير، لكن داخلي كان يصرخ.
كل خطوه تقرب الخطر الي
ثم رأيته أمامي: المبنى الرئيسي لقصر فيجرلاند .
مهيب، عظيم، جدرانه سوداء بلمعان بارد، ونقوش على شكل تنانين ملتفة حول أعمدته.
شيء في هذا المكان جعل قلبي يضرب بعنف في صدري.
اللعنه على هذا المكان المشؤوم
دخلنا الساحة الأمامية للمبنى، وفي النهاية كان هناك باب ضخم ، عالٍ لدرجة جعلني أرفع رأسي حتى أرى قمته.
على جانبيه يقف حارسان ضخمان ، يرتديان دروعًا كاملة تغطي كل ملامحهما.
لم أستطع رؤية أعينهما، لكن الضغط الذي شعرت به منهما كان خانقًا.
كأن مجرد وجودهما يكفي لإسقاط أي شخص ضعيف.
أخذت نفسًا عميقًا، تمسكت بالقناع الذي صنعته خلال الشهر الماضي… قناع الثقة.
نظرت إليهما مباشرة دون أن أظهر خوفًا، حتى لو كان قلبي يصرخ بداخلي.
في صمت، تحرك أحد الحارسين بخطوة ثقيلة، ثم الآخر.
مدّ الأول يده ودفع الباب الضخم ببطء.
صوت الأبواب المعدنية وهي تُفتح كان كأنه إنذار أخير.
خلف الباب، كان الظلام يبتلع الممر الطويل.
نظرت إلى لوكاس، الذي لم يلتفت لي، فقط قال بصوت منخفض:
“تابعني… ولا تتوقف.”
خطوت خلفه إلى الداخل، ومع كل خطوة، كان قلبي ينبض بقوة أكبر.
كأن غريزتي تصرخ: اهرب
!
لكن الهروب لم يعد خيارًا.
هذا الباب… كان حدًا بين ما كنت وما سأصبح.