توقّف الجميع بعد أن شاهدوا المباراة التي كان «أريس» فيها يقوم بإرشاد «كاي» منذ بدايتها حتى نهايتها، وكأن كل من في الساحة كان يتعلّم معه.
ثم فجأة، دوّى تصفيقٌ عالٍ من الجمهور.
تصفيق.
تصفيق.
"عِش حاكم الحرب!"
"عِش حاكم الحرب!"
اهتزّ الهواء من شدّة صرخات وتصفيق طلاب الأكاديمية بأكملها، حتى إنّ أصداءها وصلت إلى مدينة «قلب» بأسرها. شعر السكان بشيءٍ غامضٍ ينبعث من الأكاديمية التي كانت شامخة في أعالي المدينة.
"ما الذي يحدث هناك؟"
"من يدري؟"
"لكن... أشعر بإثارةٍ غريبة قادمة من ذلك المكان."
لم يكن عامة الناس يدركون ما يحدث، لكن قلوبهم امتلأت فجأة بنشاطٍ وحماسةٍ لا يعرفون مصدرها.
في مكتب المدير، كان «ألان» يشاهد المشهد بابتسامةٍ خفيفة على وجهه، غير أنّ في عينيه كان يلمع حماسٌ وتقديرٌ نادران.
تمتم بصوتٍ منخفض:
"أريس... حقًا، أنت مختلف عن الجميع."
استدار «ألان» بكرسيّه الخشبيّ الفخم نحو النافذة، وألقى نظرة على الطلاب الذين كانوا يصرخون بأعلى أصواتهم.
"رغم أنك جعلت نبلاء الأكاديمية أعداءً لك، إلا أنك وحدت من هم أعظم وأهم من يُحرّكون هذه الإمبراطورية… العامة. هذه صفة قائدٍ بالفطرة."
كانت لدى «ألان» فكرة قريبة من تفكير أريس — أن النبلاء عديمو الفائدة إلا القليل منهم، وهؤلاء القليل لا يمكن ترويضهم إلا بالقوة.
وبينما كان يفكر في ذلك، سمع من بعيد صرخات الطلاب تتردد:
"عِش حاكم الحرب!"
"عِش حاكم الحرب!"
عند سماعه اللقب، انفجر «ألان» ضاحكًا بقوة، حتى ارتد صوته على جدران المكتب.
"هاهاهاها! نعم، هذا لقب يليق بك، لكن طريقك لا يزال طويلًا يا حاكم الحرب."
عاد الهدوء إلى الغرفة، ولم يبقَ سوى صوت تنفّسه الهادئ. ومع ذلك، في أعماق قلبه نمت بذرة، كانت بذرة طموحٍ نحو الحصول على وريثٍ يستحقه… والآن بدأت تلك البذرة تُزهر.
"يبدو أن عليّ أن أتحرّك بسرعة… قبل أن يُختطف من بين يدي."
هكذا قرر «ألان» أن «أريس» سيكون تلميذه، نعم… هذا صحيح.
لكن في مكانٍ آخر، كان هناك من يفكر في الأمر ذاته — ليس واحدًا أو اثنين، بل كل من يملكون نفوذًا كانوا قد بدأوا بوضع «أريس» في حساباتهم.
في ساحة التدريب، كان الجميع مذهولين من طريقة قتال «أريس» ضد «كاي».
منذ بداية النزال، كان واضحًا أن «أريس» قادر على سحق خصومه دون رحمة، لكنه مع «كاي» لم يفعل ذلك، بل كان يرشده ويصحح أخطاءه.
"لماذا يفعل ذلك إذًا؟"
قال «لوكي» — نصف تنين — بصوتٍ مرتفعٍ تعلوه الحيرة.
"نعم، لماذا أهان الجميع من قبل، أما الآن فلا؟"
قالت «هيلا» — نصف تنين أيضًا — بهدوءٍ غامضٍ بينما تراقب الساحة بعينيها الذهبيتين اللامعتين.
كان من الواضح أنهم لم يفهموا السبب.
"هذا لأنني و«كاي» نتبع الزعيم. ولهذا لم يسحقه."
قالت «كيرا» بنبرةٍ هادئة، لكن كلماتها كانت كالسيوف.
"رغم أنني لم أعرف الزعيم إلا منذ ثلاثة أيام، إلا أننا قررنا اتباعه، لأنه الرجل الذي سيعيد صياغة تاريخ هذا العالم."
كان صوتها منخفضًا، لكنه يحمل ثِقَل الجبال.
"هاه، تغيير العالم؟ توقفي عن المزاح."
تقدّم «إديسون» بخطواتٍ ثقيلة، محاولًا دحض كلامها، لكن «كيرا» نظرت إليه بعيونٍ حمراء نارية، هادئةٍ وباردةٍ مثل نيران الجحيم.
"أيها صاحب الأربع عيون، لدي سؤال لك… بما أنك تمتلك عيونًا أكثر منا جميعًا."
قالت ببرودٍ دون أن ترفع صوتها.
"أنتِ أيتها..."
حاول الردّ، لكن قاطعته بنظرةٍ حادة وصوتٍ جليدي:
"اصمت أيها ذو العيون المزدوجة، واسمع. من هنا تظنّه مؤهلًا للوقوف أمامه؟"
أشارت بيدها نحو «أريس» الذي كان يقف في وسط الساحة، وحده، وسيفه مغروسٌ في الأرض، ويداه تستندان على مقبضه، ورأسه منحنٍ قليلًا، كأنما يتأمل شيئًا لا يراه أحد سواه.
في تلك اللحظة، لمع بريقٌ غامض في عيني «إديسون». ظهرت في ذهنه صورةٌ من أحد الكتب القديمة في مكتبة عائلته — صورة رجلٍ يرتدي درعًا أسود ورداءً أبيض، وعلى كتفيه فراء رمادي، وعلى رأسه تاجٌ غامض.
تطابقت الصورة مع هيئة «أريس» أمامه، فشعر برغبةٍ لا إرادية في الركوع.
تذكّر أن تلك الصورة كانت تُوصف في الكتاب على أنها للإمبراطور المؤسس الأول، الرجل الذي وحّد القارة بأكملها تحت رايته، ومنه بدأ عصر الإمبراطوريات قبل عشرة ملايين سنة.
كان «إديسون» يعشق قصص ذلك الإمبراطور الأسطوري، لكنّه هزّ رأسه بعنف ليطرد الفكرة، وأطلق شخيرًا مستاءً، محاولًا إخفاء اضطرابه.
ابتسمت «كيرا» بسخرية خفيفة وهي تراقب ارتباكه.
"إذن، من منكم يرى نفسه أفضل منه ليصعد؟"
نظرت إلى الجميع بنظرةٍ تملؤها الازدراء والبرود.
«مي» التي كانت تراقب بصمتٍ من بعيد، شعرت بشيءٍ غريبٍ في صدرها، دفءٌ يمتزج مع ارتجافٍ غامض.
"هل هذه هي صفة القائد الفطرية التي تحدث عنها أبي من قبل؟"
تمتمت لنفسها وهي تتذكر كلماته عن أن بعض الناس يولدون قادةً بالفطرة، يوحّدون القلوب دون إجبار، وتلتفّ حولهم الجماهير دون أن يطلبوا ذلك.
أما «باين» الذي كان ما يزال يبثّ المشهد مباشرة، فقد شعر هو الآخر أنه بدأ يفهم.
رغم أن «أريس» عقد معه صفقةً غريبة، وكان ينوي رفضها في البداية لجنونها، إلا أنه وجد نفسه يوافق دون تفكير، وكأن شيئًا داخله أيقظه.
"هذا الرجل... وُلد قائدًا."
قالها في نفسه، بينما كان يراقب الخصم التالي — «لوكي» — الذي لم يستطع تحمّل كلمات «كيرا» ونظرتها، فاشتعلت عيناه بالرغبة في سحق «أريس».
وقف «لوكي» أمام «أريس» الذي رفع رأسه ونظر إليه بعيونٍ هادئةٍ ميتة، شعر «لوكي» حينها وكأنه يقف أمام وحشٍ نائمٍ لم يستيقظ بعد.
ابتلع ريقه بصعوبة، خاصةً عندما تذكّر ذلك الإحساس الذي شعر به عندما قابل «أميرة التنانين».
عندها أدرك شيئًا… أن ذلك الإحساس في ذلك الوقت نبع من قمع السلالات.
في النهاية، هو مجرد مزيجٍ بين بشرٍ وتنانين، وما يمتلكه ليس سوى جزءٍ ضئيلٍ من قوة التنانين الحقيقية.
لكن أن يشعر بذلك الإحساس ذاته أمام «أريس» اذا كان مختلفًا تمامًا علي ذلك الإحساس.
لمعت عيونه الذهبية بشيءٍ غامضٍ مهيب، وكأن الشرر انبعث منها للحظة خاطفة.
كان لدى «لوكي» قدرةٌ تسمح له برؤية القيود أو السلاسل التي تُقيد القوى الحقيقية، فاستعملها على «أريس».
في تلك اللحظة، تحوّل العالم إلى أبيض وأسود، وظهرت في عينيه رموزٌ غامضة تشبه الأحرف الرونية الخاصة بي التنانين ، لكنها لا تنتمِ إلى هذه الحقبة من التنانين… بل إلى زمنٍ أقدم، غارقٍ في النسيان.
لم يره أحد، فقد كان يضع سحرَ إخفاءٍ قوي ، حيث أن هذا سرًّا خاصًّا لا يمكن كشفه حتى من قِبل «هيلا» ابنة عِرقه، التي تُعدّ أخته.
وما لم يعرفه هو أن في عيون أريس كان كل شيءٍ مكشوفًا أمامه، لكنه تظاهر بعدم المعرفة، بهدوءٍ مُخيف.
رأى «لوكي» سلاسل رمادية تربط «أريس» وتلتف حوله كشرنقةٍ، تمتدّ عبر السماء والأرض، كأنها قيودٌ تكبّله حتى لا يُكشف ما يُخفيه.
كانت تقيد وجوده ليس في هذا العالم فحسب، بل في كل العوالم، لأن لحظة ظهور حقيقته للعالم، لن تستطيع العوالم نفسها احتمال قوته.
كان هناك شيءٌ واحدٌ مكشوف بصعوبة — عينه.
وحين تلاقى بصره بها، شعر «لوكي» أن روحه قد اختفت للحظة.
"ما… ما هذا الوحش؟"
همس بصوتٍ مرتجف، ثم ألغى قدرته بسرعةٍ وتراجع خطوةً إلى الوراء، واضعًا يده على رأسه الذي كاد ينفجر من الألم لو نظر أكثر.
لم يفهم أحدٌ ما يحدث.
كان من الواضح أنه بخير منذ لحظة، والقتال لم يبدأ بعد…
لكن «لوكي» لم يكن ينوي أن يتحدث عما رآه، لأنه يعلم أن الجهل نعمة، أما الوعي بما لا يجب أن يُرى فهو جحيمٌ أبديّ.
ومع ذلك، ماذا كان سيحدث لو رأى أن تلك السلاسل الرمادية تمتدّ عبر العوالم كلها، وأن ما رآه لم يكن سوى شقٍّ صغيرٍ كشف عن عينٍ واحدةٍ فقط؟
رفع رأسه ونظر إلى «أريس»، وتمتم لنفسه بصوتٍ خافتٍ يرتجف:
"إذن… قوة أريس الحقيقية غير معروفة الحدود."
ثم أدار نظره إلى رفاقه خلفه، وفعل قدرته عليهم، فرأى أن أقواهم مقيدٌ بتسع سلاسل أو ثمانٍ على الأكثر… كانوا مجرد بشرٍ عاديين أمام «أريس».
تنفّس ببطءٍ، وقال بصوتٍ خافتٍ كأنه يخشى أن يسمعه الهواء نفسه:
"أريس… هذا ليس وحشًا، بل كارثةٌ طبيعية."
لكن أفكاره انقطعت فجأة عندما سمع صوتًا باردًا يخترق المكان كحدِّ السيف:
"هيا أيها السحلية… هل انتهيت من عملك؟"
ذلك الصوت أرسل قشعريرةً قاتلةً في عموده الفقري، حتى شعر ببرودةٍ تسري في عظامه.
رفع عينيه فرأى «أريس» يبتسم بهدوء، ابتسامةً خاليةً من الدفء… ابتسامةَ من يعرف كل شيء.
ابتلع «لوكي» ريقه مرةً أخرى بصعوبة، وهمس بخوفٍ داخليٍّ عميق:
"هل… هل اكتشف قدرتي؟ لا… مستحيل، لم يعرف أحدٌ بأمرها من قبل…"
لكن كلما نظر إلى «أريس» ازداد شعوره بأنه مكشوف تمامًا أمام عينيه.
فجأةً أصبح تنفّسه ثقيلًا، وكأن سلاسل غير مرئية تلتف حول جسده، تسحبه نحو أعماقٍ مظلمةٍ لا عودة منها، لتضمن صمته إلى الأبد لأنه رأى ما لا يجب رؤيته.
حتى المانا في الهواء تغيّرَت… أصبحت أثقل، خانقة، كأنها تضربه بعنفٍ من غضبها بسبب جرأته على تجاوز حدود الوعي.
رائحة الحديد المحترق ملأت المكان، وارتجف قلب «لوكي»، فيما ارتجّ الهواء حول «أريس» كأن العالم نفسه يحبس أنفاسه خوفًا من استيقاظ الوحش النائم.