34 - اختراق و تشكيل عالم الظلام

نظرت الأستاذة «مي» إلى بقية طلاب فصلها الذين لم يشاركوا بعد في المباريات — «كيرا»، «إيفا»، «سيلينا»، «إديسون»، «سكار»، «زينيثا» و«هيلا» — ثم قالت بصوتٍ واضحٍ سمعه الجميع:

"سوف نأخذ فترة راحة قصيرة قبل أن نعود إلى المباريات."

بعدها حوّلت نظرتها نحو «أريس» الذي ما زال واقفًا بهدوءٍ في منتصف الساحة، يغطيه الغبار المتطاير من المعارك السابقة.

قالت له بنبرةٍ تحمل مزيجًا من القلق والجدية:

"أريس، يجب أن ترتاح وتتناول شيئًا من الطعام لاستعادة نشاطك."

في تلك اللحظة، كانت أصوات الطلاب الذين يشاهدون البث المباشر تتعالى في الخلفية، ممزوجة بحماسٍ ودهشةٍ مكتومة:

"يجب أن أحضر وجباتٍ خفيفة!"

"اللعنة، لدي درس بعد قليل!"

"اهدأ، لا يوجد دروس الآن، حضّر طعامك وشاهد بهدوء!"

كانت أصواتهم تتداخل معًا مثل خلية نحلٍ نابضة بالحياة، والهمهمات تتردد في القاعة كأمواجٍ صغيرة تضرب جدار الصمت.

أما «أريس»، الذي كان يستعد للنزول من على ساحة التدريب، شعر فجأةً بارتجافٍ غريبٍ ينبع من أعماق روحه. بحرُه الروحي غلى كبركانٍ يستيقظ من سباته، وانفجرت طاقةٌ عنيفة في داخله، جعلت جسده يقشعرّ.

"ماذا... يحدث؟" تمتم بصوتٍ منخفضٍ متقطعٍ بينما أنفاسه تزداد ثِقلاً، كأن الهواء من حوله أصبح أثقل من الرصاص.

لم يتردّد طويلًا، غرس سيفه في أرض الساحة بقوةٍ أحدثت صدى معدنيًا حادًا، ثم جلس بوضعية اللوتس، وأغمض عينيه ببطء، تاركًا أنفاسه تتناغم مع نبض المانا حوله. بدأت شفتاه تتحركان بهدوء وهو يردد ترنيمة تقنية تأمل الخلق، لتنساب طاقةٌ شفافة من جسده وتدوِّر الهواء من حوله كدوامةٍ هادئة.

الأستاذة «مي» التي كانت قد بدأت بالنزول من المدرجات توقفت فجأةً عند سماع صوت السيف وهو يخترق الأرض. التفتت بسرعة، وعيناها اتسعتا حين رأت «أريس» جالسًا في منتصف الساحة، تحيط به هالةٌ سميكةٌ من الطاقة تتماوج كالضباب المتوهج.

"هل... هل هو على وشك اختراق رتبة فارس نجمتين؟!" قالت بدهشةٍ وهي تضع يدها على صدرها، تشعر بأنفاسها تختنق بين الخوف والانبهار.

تبادل الطلاب النظرات بسرعة، وبمجرد أن سمعوا كلمات الأستاذة «مي»، أدرك الجميع أهمية ما يجري.

«كاي» و«كيرا» نظرا إلى بعضهما، وظهرت الجدية في أعينهما. في لحظةٍ واحدة، تحركا بخفةٍ وسرعة، متجاوزين الأستاذة «مي» بخطواتٍ حازمة، وسحبا سيوفهما من أغمادهما في آنٍ واحد، ليصدح صوت المعدن في الهواء.

صرخت «مي» محاولةً إيقافهما:

"ماذا تفعلان؟! لا يجب أن تقتربا! قد تؤثران على اختراق «أريس»!"

لكن كلاهما التفت إليها بابتسامةٍ خفيفةٍ لم تصل إلى أعينهما، كانت باردةً حدّ التجمد.

"ما نفعله هو..."

"حمايته. وإن تجاوز أحد هذا الخط..."

"سنشقه فورًا."

قالاها معًا، بصوتٍ متطابقٍ كأنهما عقلٌ واحدٌ في جسدين. كانت نبرتهما تحمل تحذيرًا حادًا جعل الهواء من حولهما يثقل بالتوتر.

وقفا أمام «أريس» كحارسين من الظلال، سيوفهما تعكسان ضوء الساحة، ووجهيهما لا يظهر عليهما سوى التركيز والولاء.

في الخلف، ساد الصمت بين الطلاب. حتى الذين شعروا بالاستياء من «أريس» بعد إهانته لهم، لم يجرؤ أحد على الاقتراب. كانت أعينهم تتابع المشهد بين الخوف والغيرة، وبعضهم شدّ قبضته بقهرٍ مكتوم، فيما الآخرون ابتلعوا ريقهم بصعوبةٍ أمام المشهد المهيب.

أما الذين يشاهدون البث المباشر، فقد أصابتهم الصدمة. أن يشهدوا زميلًا يختـرق حاجز النجمة الواحدة كان أمرًا يفوق أحلام الكثير منهم، خاصةً في السنة الثانية. ساد الحماس بين التعليقات والصرخات المكتومة، وكأن الأكاديمية بأكملها تحبس أنفاسها بانتظار تلك اللحظة التي سيتحوّل فيها «أريس» إلى فارس ذي نجمتين.

_ _ _ _

عندما أغمض عينيه، اندمج مع العالم حتى اختفى حضوره كليًا، فلم يعد له ظل، ولا حتى صوت تنفّس. كانت المانا في محيطه تندفع نحوه، كأنه يتم جذبه إلى ثقبٍ أسود، لكن الغريب أنها لم تُبدِ مقاومة، بل اندفعت نحوه بحماسٍ غامر، كأنها تتوق إليه بشوقٍ دفين.

كانت قاعة التدريب تلمع بألوانٍ مختلفة، تتراقص في الساحة كألسنة لهبٍ صغيرة تحتفي بوجوده. امتلأ الهواء بوميضٍ متلألئ وحرارةٍ خفيفة تلفّ المكان، ومع كل نفسٍ يأخذه، تتحوّل المانا إلى طاقة فوضى نقية، تسري في جسده كأنها شلالٌ من نارٍ صافية يجري في عروقه، تصدر أزيزًا خافتًا يشبه همس الحديد الساخن في الماء.

كان جسده يواصل الامتصاص والتغذية والتطوّر، وكل خليةٍ فيه كانت تتراقص نشوةً بما تستقبله من قوة.

في بحره الروحي، كان «أريس» يطفو بجسده الروحي فوق أمواجٍ داكنة من المانا، يرقب «بيضة العنقاء» التي كانت تطفو بالقرب من عالم الفوضى المتقلّب، ذلك العالم الذي بدا وكأنه يتنفّس، إذ في كل نفسٍ منه كان يمتص المانا ويحيلها إلى طاقة فوضى نقية، يتصاعد منها ضوءٌ باهت يشبه بريق الرماد.

لكن ما جذب انتباهه كان شقًا صغيرًا في قشرة بيضة العنقاء.

همس بابتسامةٍ خافتة:

"يبدو أنها ستبدأ بالتشقّق من أجل الفقس..."

مدّ يده وجذب بيضة العنقاء نحوه، نظر إليها بتمعّنٍ، بينما نبضت روحه بحماسٍ ودفءٍ غامر. شعر بحرارةٍ لطيفة تشعّ من البيضة، تلامس روحه، تحمل سعادةً وحماسًا.

"يبدو أنكِ ما زلتِ ترغبين بالخروج بسرعة، أليس كذلك؟"

ابتسم «أريس» وهو يتحدث، وفي تلك اللحظة اهتزّت البيضة بخفة، لتصدر صوتًا رقيقًا كنبضة حياةٍ في عمق السكون.

دفعها «أريس» برفقٍ لتطفو من جديد في بحره الروحي، قبل أن يتغيّر شكله تدريجيًا ويصبح عملاقًا مهيبًا طويلًا.

"إذًا... أعتقد أن عليّ البدء بالتركيز."

دوّى صوته في الفراغ المحيط، عميقًا كالرعد، بينما مدّ يده نحو عالم الفوضى وبدأ في سحب عنصر الظلام من قلبها.

في العالم الخارجي، خمدت أضواء المانا كلها دفعةً واحدة، وكأنها انحنت أمام هيبته، بينما اندفعت المانا المظلمة نحوه بحماسٍ جنوني.

أما في بحره الروحي، فمدّ يده الأخرى، وبدأ في تشكيل نواةٍ مظلمة تتنامى ببطءٍ مخيف. على عكس ما حدث عند تشكيله لعالم الفوضى، لم يتبع هذه المرة الغريزة وحدها؛ فالطاقة المظلمة كانت مطيعة، سلسة، تنصاع له كما لو أنها وُلدت من إرادته.

كانت طاقة الظلام تدور حول نفسها بعنفٍ، لكنها ما تلبث أن تنجذب نحو تلك النواة كأنها تُبتلع بثقبٍ أسود. تكوّنت حولها حلقة من ضبابٍ أسود كثيفٍ يدور ببطء، ينبعث منه صوتُ خريرٍ خافتٍ كأن المكان نفسه يئنّ.

شعر «أريس» بأن هذا العالم الجديد يمتلك قدرة شفطٍ هائلة، تترافق مع رائحة دمارٍ عتيقة، تشبه رائحة رمادٍ محترقٍ بعد حربٍ طويلة.

ابتسم بخفّة، وصوته يحمل رهبةً وسكينةً في آنٍ واحد:

"سيكون هذا... عالم الظلام."

في الخارج، ارتفعت حول «أريس» هالةٌ مظلمة، غطّت المكان ببرودةٍ خانقة، حتى إن أنفاس الجميع تكاثفت في الهواء.

انتشر الظلام حوله، كأنه كائنٌ حيّ يسعى لابتلاع كلّ ما حوله.

فتح «أريس» عينيه — بنفسجيتين تتلألآن بوميضٍ مظلمٍ عميقٍ كهاويةٍ بلا نهاية.

وقف ببطء، والحركة تصدر صوت احتكاكٍ خافتٍ بين الطاقة والهواء، ثم نظر إلى «كيرا» و«كاي» اللذين كانا يقفان أمامه، جسديهما متوتّران لكن أعينهما ثابتة تحميانه من أي خطرٍ خارجي.

قال بصوتٍ هادئٍ يشبه نسيمًا يمرّ في مقبرةٍ ليلية:

"شكرًا لكما."

ابتسم كاي وكيرا في آنٍ واحدٍ، يتصاعد من حولهما بخارٌ دافئٌ وسط برودة الجو، ثم قالا معًا:

"هذا لا شيء."

ارتسمت على وجه «أريس» ابتسامة خفيفة، امتزجت بالظلام الذي يحيط به، ثم نظر إلى بقية من في الساحة.

"هل نستمر من حيث توقفنا؟"

كان صوته مثل الوحش الذي يصرخ من أعماق الهاوية بينما ارتفعت هالته المظلمة أكثر، تدور حوله كدوّامةٍ تبتلع الضوء, بينما ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ مرعبة .

2025/10/16 · 87 مشاهدة · 1069 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025