كانت ابتسامة «أريس» تحمل جنونًا، لكنها كانت أقرب إلى ابتسامة ظلامٍ نفسه. جميع من رآها تراجع خطوة دون أن يدرك — «هيلا»، «لوكي»، «سكار»، «سيلينا»، «زينيثا»، «أريل» « إيفا »، وحتى «كيرا» و«كاي» و«باين» الذي كان لا يزال يبثّ قتالهم على البثّ المباشر تراجع بدوره، حتى كاد أن يسقط أرضًا.

«مي» عندما رأت تلك الابتسامة، شعرت بتوتّرٍ غريبٍ يجتاح جسدها رغم أنها ساحرة من الدرجة الثامنة. خفّ بريق عينيها للحظة، وشعرت بأن الهواء من حولها أصبح أثقل، كأن الظلام نفسه يزحف في صدرها.

كان «لوكي» يرتعش، ونظرة رعبٍ تملأ وجهه، بينما يتمتم لنفسه بصوتٍ مرتجف:

«لقد... كسر واحدة من السلاسل... سوف... سوف...»

لاحظت «هيلا» غرابة تصرّف «لوكي»، فاقتربت منه بخطواتٍ حذرة، وهمست في أذنه بصوتٍ منخفضٍ يشوبه القلق:

«لوكي، ماذا بك؟ هل أنت بخير؟»

رفع نظره إليها، وعيونه حمراء المحقونة بي الدماء ، تكاد تنفجر من الضغط، بينما العرق البارد يتصبّب من جبينه. صوته خرج مبحوحًا ومتحشرجًا:

«هيلا... استسلمي... لا توجّهيه... وإلا...»

قطعت كلامه بصوتٍ غاضبٍ ارتجف الهواء حولها بسببه:

«لوكي، ماذا تقول؟ هل تعتقد أنني سأخسر؟ في النهاية، أساسه ما زال غير مستقر!»

كانت نبرتها حادّة، يغمرها الغضب والإهانة، كما لو أن كلماته طعنة في كبريائها. اشتعلت المانا حولها بحرارةٍ خفيفة، وامتلأت عيناها بنيران التحدّي.

لكن «لوكي» صرخ بجنونٍ ممزوجٍ بالخوف، وصوته ارتجف أكثر:

«هيلا، استسلمي! إنه في مستوى آخر! هو... وحش؟ لا... إنه مختلف، إنه كارثة تسير على الأرض!»

لم تفهم «هيلا» ما الذي أصابه، شعرت بأن «لوكي» لم يعد هو نفسه — لم يعد ذلك المحارب القوي والفخور الذي تعرفه. رفعت ذقنها بازدراء وقالت بنبرةٍ باردةٍ مملوءة بالاحتقار:

«لم أتوقع أنك ضعيفٌ هكذا...»

بعد أن نطقت كلماتها، منحت «هيلا» نفسها فرصة لتركه دون جدالٍ آخر، واستدارت بخطواتٍ متوترة، كأنها تخفي ارتعاشةً خفيفة في أطراف أصابعها.

أما «لوكي»، فلم يستطع شرح ما رآه. عندما كان «أريس» يخترق، فعّل هو عين السماء — ورأى شيئًا لا يجب أن يُرى. رأى تلك سلاسلَ غير مرئية تحيط بـ«أريس»، مثل شرنقة لا تظهر سوي جزء من عينها لكن تلك سلاسلَة تحطمت . كشفت عن عينه بنفسجية التي تحولت الي ظلامٍ دامس يسحب كل شيءٍ نحوه، كما لو أن العالم نفسه بدأ يختفي في ذلك العدم الأسود.

اختنق «لوكي» بأنفاسه، وشعر بطعمٍ مرّ من الحديد في فمه — طعم الدم — بينما الهواء من حولهم أصبح مشبعًا برائحة الرماد المحترق...

ورغم كل ذلك، لم تتوقّف ابتسامة «أريس» — ابتسامة كانت كافية لجعل حتى النور يتردّد قبل أن يقترب منه.

سيلينا كانت تنظر إلى «أريس»، وكلّ غريزةٍ في جسدها كانت تصرخ بأن تهرب، لكنّها بسرعة جمعت شتات نفسها، ورفعت رأسها لتنظر إليه بنظرةٍ جديدةٍ تحمل مزيجًا من الجدية والحذر.

أما «أريس»، الذي لاحظ التردّد في أعين الجميع، صرخ بصوتٍ قويّ هزّ ساحة التدريب:

"هيّا، ليتقدّم أحدكم! أنا لا أملك وقتًا طويلاً لأنتظر حتى تستجمعوا أنفسكم!"

تبادل الجميع النظرات، وكلٌّ منهم يحمل الفكرة نفسها في رأسه: أساس أريس غير مستقر بعد اختراقه الأخير، وهذه فرصتهم الوحيدة لهزيمته. لكنّ السؤال كان… من يجرؤ على استغلالها؟

بينما كانوا يتردّدون، تقدّمت الأستاذة «مي» بخطواتٍ هادئة نحو أريس. كان وجهها يعكس قلقًا صادقًا، وصوتها خرج هادئًا لكن حازمًا:

"أريس، لقد اخترقتَ الحاجز، وتحتاج إلى استقرار أساسك أولًا. ما رأيك أن نتوقّف هنا، وتُكمل مباراتك بعد أن تستقر طاقتك؟"

كانت تحاول نصحه بصدق، وكلماتها لم تكن خاطئة أبدًا. لأن أي انحرافٍ بسيط في تدفّق الطاقة الآن قد يتسبّب في تدمير مسارات المانا داخل جسده، ونتيجتان فقط تنتظرانه:

إمّا أن يخسر قوته للأبد ويصبح شخصًا عاديًا لا يستطيع ممارسة الطاقة مطلقًا، أو… يموت.

ورغم أن أريس فهم ذلك جيدًا، إلا أنّ إصراره كان صلبًا كالفولاذ، لا يسمح له بالتراجع.

قال بهدوءٍ ثابتٍ كالجليد:

"شكرًا على نصيحتكِ، أستاذة مي… لكنني سأُكمل."

أرادت مي الجدال، لكن نظرة عيني أريس، الممتلئتين بالعزيمة النقيّة والإصرار العنيد، جعلتها تصمت.

تنفّس أريس بعمق، ثم وجّه نظره نحو الطلاب وقال بصوتٍ حادٍّ كالسيف:

"هل قرّرتم… أم أختار أنا؟"

لم ينتظر جوابًا، بل أشار بسيفه مباشرة نحو «سكار».

"أنتَ، أيها القطّ، تعال… لنلعب قليلًا."

تجمّد سكار للحظة، ثم اختفى التردّد من قلبه تمامًا. الكلمة التي ناداه بها أريس — قط — كانت أكثر ما يكرهه في هذا العالم.

اشتعلت ملامحه غضبًا، وعضلات ذراعه انتفخت وهو يرفع فأسه الضخم الذي نُقِش على نصلِه رأسُ أسدٍ ذهبيٍّ ينبض بحرارة النيران.

"أريس، لا تغترّ بنفسك كثيرًا بسبب اختراقك الأخير!"

تقدّم بخطواتٍ ثقيلةٍ تهزّ الأرض تحته، وهالته الذهبية اشتعلت بحرارةٍ تكاد تحرق الهواء نفسه.

ردّ أريس بابتسامةٍ باردةٍ وهو يخطو للأمام أيضًا، فغطّى نصف الساحة ظلامٌ بارد، بينما النصف الآخر اشتعل بنيرانٍ ذهبيةٍ متلألئة.

انقسمت الساحة إلى عالمين متناقضين — ليلٍ وجحيمٍ ذهبيٍّ.

شهق الجميع بدهشةٍ عندما أطلق سكار هالته الكاملة، فقد كانت هالة فارس نجمتين، أقوى مما توقعوه بكثير.

تمتم أريس بصوتٍ هادئٍ، يحمل سخريةً لاذعة:

"حقًا؟ تستعمل هذه الخدعة السخيفة؟ تُظهر نفسك كخنزير بينما أنت أسد؟ حيلة رخيصة للغاية."

تجمّد الجوّ لثوانٍ قبل أن تنفجر هالة أريس، تكتسح المكان وتغمر ساحة القتال بضغطٍ خانقٍ جعل الهواء يرتجف.

ردّ سكار بصوتٍ غاضبٍ ومتهكّم:

"لم أكن أريد إظهار قوتي، لكنك أجبرتني. ومع ذلك… لا فائدة، فموهبتك أقلّ مني بكثير."

أجاب أريس بصوتٍ باردٍ كحدّ الجليد:

"ههه، موهبة؟ بل أنتَ من هو أدنى مني."

تصاعدت الهالات من جسديهما كأعاصير متقابلة، الهواء اهتزّ، الغبار تطاير، وشعر الحاضرين ارتفع بفعل الضغط المتبادل.

الحرارة والبرودة تصادمتا في المنتصف، وأصوات الانفجارات الصغيرة ملأت الأجواء.

ثم، استخدم أريس عين الملك على سكار.

ظهرت المعلومات أمامه بوضوح:

> [الاسم: سكار ليث]

[الألقاب: الملك الموعود (هو الذي انتظره عرق أشباه البشر منذ مليون سنة) / ابن نيران رع (واحدة من أقدس ثلاث نيران في الكون)]

[المهنة: فارس]

[الرتبة: نجمتان]

[الموهبة: SS — قلب الأسد الذهبي (قدرة شفاء مذهلة، قوة بدنية خارقة)]

[الغضب: +50]

رمش أريس قليلًا وهو يتذكر في حياته السابقة أن سكار لم يكن في تلك الفترة مرشحًا لعرش إمبراطورية أشباه البشر.

لكن بعد مجاعة كبرى ضربت البلاد، وبفضل ذكائه وحزمه وعلاقاته، حلّ الأزمة بنفسه.

ذلك جعله محبوبًا بين الشعب ومكروهًا من النبلاء وإخوته. تآمروا عليه، لكنه سبقهم بخطوة، وسلب العرش بدمائهم.

والده الإمبراطور كان غارقًا في الشهوات ولم يحب سكار لكونه ابنًا غير شرعي، لذلك نشأ سكار حذرًا، قاسيًا، لا يثق بأحد، وصقل قوته حتى أخذ حقه بالقوة.

تحت حكمه ازدهرت الإمبراطورية في التجارة والتعليم والجيش، لذا عُرف بالألقاب:

سيد النيران الذهبية، والإمبراطور الموعود.

تمتم أريس بصوتٍ خافتٍ لا يسمعه أحد:

"لكن كل هذا في المستقبل… أما الآن، فهو لا شيء يُذكر."

رفعت مي يدها بعد أن فعّلت الدرع السحري الذي أحاط بالساحة بالكامل، وأعلنت بصوتٍ واضحٍ بداية النزال.

في اللحظة التي دوّى فيها إعلانها، اندفع الاثنان بسرعةٍ خاطفة، حتى أن الرياح لم تَلحق بهما.

رفع أريس سيفه المغمور بالظلام، بينما رفع سكار فأسه الذي اشتعل بلهبٍ ذهبيٍّ كالشمس.

اصطدم السيف بالفأس — انفجارٌ من الشرر، وصوتُ الحديد على الحديد دوّى كالرعد، واهتزّت الساحة بأكملها تحت أقدامهما.

تصاعد الدخان، واختلطت رائحة الحديد المحترق برائحة الرماد والنار، بينما كانت نظرات الجميع مشدوهة على المشهد أمامهم.

المواجهة بين ظلامٍ باردٍ لا يرحم ولهيبٍ ذهبيٍّ يبتلع الهواء قد بدأت فعلًا.

2025/10/19 · 71 مشاهدة · 1098 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025