37 - خطوة الشبح ، سيف الظل

مرَّ الوقتُ، وعادَ الجميعُ إلى أعمالهم، لكن إثارةَ القتالاتِ ما زالت حاضرةً في أذهانِ الجميع؛ فقد شهدت الأكاديميةُ نشاطًا كبيرًا في تدريباتِ الطلابِ. وبدأ كثيرٌ منهم يقلدُ حركتَه ويهمسُ: «دعني أريك... ما هو الظلامُ الحقيقي». «مَن التالي؟» — وهكذا حال الليلُ، واستمرَّ الحماسُ دونَ أن يخفتَ لدى الطلابِ مثل نيرانٍ تلتهمُ الغاباتَ.

في القصرِ الذي يَعيشُ فيهِ أريس، كان يتدرَّبُ في قاعةِ تدريبٍ خاصةٍ بالقصرِ. وقفَ في منتصفِ الحلبةِ ممسكًا بسيفِ تدريبٍ، غارقًا في تأمُّلٍ عميقٍ؛ تنفَّسَ ببطءٍ بينما تراقصت أشعةُ مصباحٍ سحريٍّ على حدِّ نصلِ السيفِ، فألقت ظلالًا طويلةً على جدرانِ القاعةِ، وملأ صدىُ لحظاتِ الصمتِ المكانَ بصوتِ حفيفِ الملابسِ وخطواتِ الحارسِ البعيدةِ.

همس: «أحتاجُ إلى اختيارِ مجموعةِ فنونٍ قتاليةٍ لهذه المرحلة». فكَّرَ في مجموعاتٍ قتاليةٍ لأنَّه في هذه الفترةِ، حينما كان في قتالٍ لم يستعمل فيه أي تقنيةٍ في الهجوم الأخير ضدَّ سكار، كما أنَّ قوَّتهُ ليست كبيرةً بما يكفي لاستخدامِ فنِّ سيفِ أشورا الجحيم؛ فهذا الفنُّ يحتاجُ إلى أكثرَ من سلاحٍ، وفي حياتهِ السابقةِ كان يُسخِّرُ هالةً لتجسيدِ الأسلحةِ والأذرعِ، وكلُّ ذلك يستهلكُ هالةً كثيرةً فتضعفُ قدرتهُ.

بعدَ تأمُّلٍ طويلٍ، اختارَ فنّين: أحدُهما حركةٌ تُدعى «خطوةُ الشبح»، والآخرُ فنُّ «سيفِ الظل».

قالَ بهدوءٍ، وقد ارتسمتْ على وجههِ جديّةٌ:

«حسنًا، هذانِ الفنَّانِ يكفِيانِ في الوقتِ الحالي».

شعرتْ يداهُ ببرودةِ مقبضِ السيفِ تحتَ جلدهِ، وانبعثَ من المكانِ رائحةُ الخشبِ القديمِ والعرقِ الخافتِ، بينما ارتجفَ الهواءُ من حولِه بوميضِ حركةٍ محتملةٍ لم تبدأ بعد.

التقنيةُ الأولى التي سيتقنها هي «خطوةُ الشبح». هذه حركةٌ تعتمدُ على السرعةِ الخارقةِ والتخفيِ المطلقِ. وميضٌ أسودٌ خاطفٌ يختفي ويظهر في أماكنَ مختلفةٍ بسرعةٍ تفوقُ الإدراكَ، يخلقُ وهمًا بصريًّا بأنَّ الجسدَ لم يكن موجودًا قط. هي أشبه برقصةٍ طيفيةٍ غيرِ محسوسةٍ، تتركُ خلفها ظلًّا باهتًا لا يُمكنُ تتبُّعه، وهي مناورةٌ حركيّةٌ مميتةٌ تُستخدمُ للمباغتةِ والارتباكِ التامِّ، تجعلهُ هدفًا عصيًّا على الإمساكِ.

أما التقنيةُ الثانيةُ، فهي «فنُّ سيفِ الظل». إنه أسلوبٌ قتاليٌّ يعتمدُ على السرعةِ والدِّقَّةِ والخدعِ. يغلفُ طاقةَ الظلامِ سيفَهُ، لتصبحَ هجماتهُ دقيقةً لدرجةِ الجراحةِ، موجهةً نحو نقاطِ الضعفِ الحيويةِ والهالةِ في جسدِ الخصمِ. هذا السيفُ المغلفُ بالظلامِ لا يهدفُ لتدميرِ الدفاعاتِ، بل لتجاوزِها. يُستخدمُ الظلامُ لتوليدِ ظلالٍ متضاعفةٍ للسيفِ أو للمبارزِ نفسه، تكونُ شديدةَ الواقعيّةِ، ولكنها مجردُ وهمٍ. هذه الخدعةُ تُجبرُ الخصمَ على الدفاعِ ضدَّ هجماتٍ غيرِ حقيقيةٍ، مستنزفةً طاقتهَ، ليُباغَتَ بالضربةِ الحقيقيةِ والسريعةِ التي تأتي من زاويةٍ لا يتوقعُها، من قلبِ الظلامِ نفسه.

تذكَّرَ أريسُ معلوماتِ هذينِ الفنَّينِ؛ حيثُ كان قد حصلَ عليهما في حياتهِ السابقةِ عندما دهمَ مقرَّ منظمةٍ مع ريان، وحصلَ عليهما من هناك لأنَّهما كانتا مناسبَتَيْنِ له، إلا أنّه لم يتدرَّب عليهما.

انغمس «أريس» في تدريبٍ شاقٍّ لإتقان خطوة الشبح، وهي تقنية تتطلّب تركيزًا بالغًا في توزيع الهالة بدقّة على القدمين، حتى يتمكّن من التحرك بسرعةٍ خاطفة دون أن يُفرِط في استخدام الهالة أو يُخطئ في توزيعها.

كانت البداية صعبة. في كلّ محاولة، كان يشعر بجسده يئنّ تحت الضغط، وكأن كلّ عضلة في ساقيه تصرخ من الشدّ، ويديه ترتجف من مجهود السيطرة على توازنه. مرّةً اندفع بسرعةٍ غير محسوبة ليصطدم بالجدار بقوة، فتطاير غبار الأرض حوله، وارتفعت رائحة العرق الممزوجة برائحة المطاط المحترق من الأرض، فيجعل رئتيه تلهث بشكل أقوى. ومرّةً أخرى، فشل في تحريك جسده كليًّا، كأن الأرض جذبت قدميه بثقلٍ لا يُقاوم، فارتجفت عروقه وشعرت أصابع قدميه بوخز حادّ من ضغط الهالة غير المتوازن. أحيانًا كان التشنّج يجمد ساقيه، وأحيانًا أخرى شعرت عضلاته وكأنها على وشك التمزّق من شدّة الإجهاد.

لكنّ عينيه لم تفقدا بريق الإصرار والغرور. كان ينهض في كلّ مرة، يمسح العرق عن جبينه بظهر يده، وتشبه رائحة التربة الممزوجة برائحة العرق المتصبب من جلده المكان بحالة معركة، ويأخذ نفسًا عميقًا، شعور الهواء البارد يخترق رئتيه فينعش إرادته قبل أن يعيد المحاولة.

ركز أريس من جديد، أغلق عينيه، وبدأ يُعيد توجيه الهالة ببطء إلى باطن قدميه. هذه المرة، شعر بتدفّقٍ متوازن، كأن الطاقة تستجيب لإرادته، كأن الأرض نفسها تتناغم مع كل نبضة في جسده. خطا خطوة واحدة… ثم الثانية… وفي اللحظة الثالثة، اختفى صوته عن الأرض، وظهر بعدها بثوانٍ على بعد ثلاثة أمتار، تاركًا خلفه صورة ظلالية باهتة لجسده، تتحرك كنسيم ضعيف يتلاشى بين الضوء والظل.

توقف للحظة، يتنفس بصعوبة، شعور ضربات قلبه كطبول حربية في صدره، وابتسم بخفة. كان هذا إنجازًا صغيرًا، إلا أنه لم يغرق كثيرًا في السعادة، إذ كان يعلم أنّه لم يصل بعد إلى أقصى إمكانيات التقنية.

ورغم الإرهاق الذي تسلل إلى أطرافه، شعرت يديه وباطن قدميه بوخز من شدّة توتر العضلات، ولم يتوقف. بدأ يُكرّر الحركة عشرات المرات، محاولًا التحرك في اتجاهاتٍ مختلفة، لا في خط مستقيم فقط. مع كل محاولة، كان جسده يتعلّم أكثر، وهالته تُطيع أوامره على نحوٍ أفضل، كأن الهواء حوله أصبح خفيفًا ومرنًا، يتفاعل مع كل حركة.

أحيانًا كان ينجح في ترك نسختين ظليتين خلفه، تتحركان مثل أشباح باهتة، وأحيانًا كان يفشل تمامًا، فيترنّح من فقدان التوازن، ويشعر بأرض القاعة تتمايل تحت قدميه وكأنها تحاول إبعاده عن الهدف. ومع ذلك، لم يفكر في التراجع.

في عينيه، لم يكن التدريب مجرّد حركة، بل معركة بينه وبين حدوده الجسدية؛ كل مرة يحرز فيها تقدمًا، يضغط أكثر على نفسه من أجل الوصول إلى الكمال.

مرّ وقتٌ طويل، وأصبح أريس يقف في منتصف القاعة، أنفاسه متقطّعة، جسده مغطّى بالعرق الذي يقطر من رأسه إلى أصابع قدميه، ورائحته تملأ الجو مع عبق الأرض الدافئة، لكن الظلال العشر التي خلّفها وراءه، موزّعة في أماكن مختلفة، كانت الدليل البصري على نجاحه .

ارتفعت شفة أريس قليلًا قبل أن يأخذ نفسًا عميقًا.

قبل أن يستخدم خطوة الشبح، وفي رمشة عين، اختفى من مكانه، وظهرت عشر نسخ منه متوزعة في أماكن مختلفة من القاعة.

تحركت النسخ جميعها في الوقت نفسه، كأنها تهجم على عدو، حيث لم تكن نسخًا بل أصبحت حقيقية.

_ _ _ _ _ _ _ _

في نفس الوقت، على جانب آخر في مستشفى الأكاديمية، كان هناك شاب يجلس على سرير، ينظر إلى القمر من نافذة الغرفة، وعيونه تلمع بحزن، وفي نفس الوقت تحمل إرادة قوية.

كان هذا سكار، وبعد أن خسر، تم نقله إلى المستشفى مباشرة، وبفضل سحر الشفاء والجراعات، شُفي جرحه واستعاد وعيه منذ ساعة.

كان غارقًا في التفكير في قتاله ضد أريس، وكل نزلات أريس ضد بقية الطلاب.

"أفهم معنى كلمات المعلم؟ هناك سماء فوق سماء، وكل شخص مجرد ضفدع في بئر، لأنه لم يرَ العالم بعد."

لم يشعر سكار بالخسارة حقًا؛ صحيح أنه حزين بسبب الهزيمة، لكنه اعتقد أنّ هذا درس تلقاه بطريقة صعبة من أجل الاستمرار والنمو.

"كما أنّني استمتعت بالنزال ضد أريس."

تذكر شكل أريس وهو يقاتل دون أن يتعرق حتى، وكيف أخذ ساعته وحوّل كل نقاط الأكاديمية إليه.

كما فعل بقية الطلاب، حتى من لم يقتلهم أريس اعترفوا بهزيمتهم، لذلك قرروا إرسال نقاط له.

---

في مكان آخر، بين زهور ملونة وعلى ضفة بحيرة، وقفت فتاة جميلة ذات شعر أبيض نقي، وعيون زرقاء سماوية جليدية، وبشرة بيضاء كالثلج، وفم صغير كرزي. كانت ترتدي ثياب نوم، وغطاء أبيض طويل بأكمام مكشوفة كشف عن قوامها الرشيق.

كانت سيلينا، حيث خرجت لتتجول في الحديقة وتطعم بعض الطيور.

بينما كانت ترمي طعامًا في البحيرة، رأت انعكاس صورة أريس، وهو يغدر في ساحة التدريب بعد هزيمة سكار.

شعرت في تلك اللحظة أن أريس يعيش وحيدًا تمامًا، تمامًا كما هو، حيث لا أحد حوله.

"ماذا يفعل الآن؟"

رفعت رأسها إلى القمر، متسائلة عنه، وهي تتخيل شكله وهو يغمز لها. احمرت خجلاً، قبل أن تتذكر وقاحة أريس.

"همف، من يهتم بذلك الأحمق!"

استدارت لتغادر، وهي غاضبة من وقاحة أريس، لكن ما إن تقدمت، تحولت بركة الماء إلى جليد. شعرت سيلينا بصعوبة التحكم في سحرها، خاصة أنّها تمتلك جسد جليد أبدي، حيث امتزج شعور البرودة في الهواء مع رائحة الزهور والهواء الطلق، وارتجف جلدها من ملامسة النسيم البارد، لكن حرارة قلبها بقيت متأججة بالغضب والخجل في نفس الوقت.

____

كيف شكل غلاف جديد .

2025/10/22 · 54 مشاهدة · 1209 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025