"هل قاطعت شيئًا ما؟".

"إطلاقًا..".

"أرى أن الكثير يشغل بالك".

قلت، محاولًا جعله يجول بما في خاطره.

هو بقي ساكنًا لبعض الوقت، قبل أن يطرح السؤال الذي جال بباله لبعض الوقت.

"كنت أتساءل يا فراي، لماذا اخترتني أنا من بين الجميع لمرافقتك؟.

أعني.. أنا مدرك بالفعل لوجهة نظرك، بما أنني بطل الكنيسة وإضافة قيمة بالمعركة.

لكن لسبب ما، أنا لا أظن بأن هذا هو السبب الحقيقي لي".

قال سنو، معربًا عن أفكاره الحقيقية لي.

وعلى ما يبدو، هو استطاع الرؤية من خلالي، يبدو أن التقارب بيننا قد أصبح أقوى منذ تلبسي الأخير له.

"أنت محق، فسبب اختياري لك أعمق من ذلك بكثير، أنا قررت أن أكون صادقًا معه".

محدقًا بي، شرحت له السبب الحقيقي.

"ببساطة أنا لم أستطع تركك تقاتل الالتراس بحالتك هذه، فلو فعلت أنا بكل تأكيد ستواصل السير بمسار الشياطين، وهذا المسار سيدمرك ليس إلا".

مستمعًا لكلامي، سنو التزم الصمت.. فهو يعلم أنني كنت محقًا.

صحيح أن اتباع طريقة يوسفيكا أعطاك قوة إضافية، لكن ما هذه سوى قوة دخيلة على جسدك يا سنو.

فلو أتاحت لك دماء الشياطين التي تجري بعروقك.. فلو واصلت التهام بني جنسك، أنت ستصطدم بحائط آخر عاجلًا أم آجلًا.

في حالة سنو ليونهارت، لا مسار البشر ولا مسار الشياطين كلاهما لم يكونا مناسبين له.

صحيح أنهما أمدداه بقدر جيد من القوة.. لكنها كانت محدودة جدًا.

"إذًا ما الذي يفترض بي القيام به بالضبط؟

لقد كنت عالقًا غير قادر على زيادة قوتي مهما حاولت، ولكني نجحت وكسرت الحد أخيرًا بفضل مسار الشيطان الذي أرشدتني إليه.. أتخبرني أن أتوقف الآن بعدما تذوقت طعم تلك القوة التي لطالما ابتغيتها؟".

سنو ليونهارت كان متعطشًا للقوة.. ليتجاوز ما هو عليه الآن.

إذا التهم بني جنسه يعني تحقيق ذلك، فهو لم يكن ليتردد.

"كل ما علي فعله هو التهام جثث أعدائي.. حينها لن يشتكي أحد".

قال سنو بمظهر ووجه ناسب مدمنًا مهووسًا.

برؤية حاله هذه، أنا ندمت نوعًا ما عن إخباره بأمر دمائه الشيطانية.

بصفعة سريعة نحو مؤخرة رأسه، أنا جعلته يتخلص من ذلك الوجه المختل بالقوة.

مطلقًا أنينًا متألمًا، تذمر سنو غاضبًا.

"لماذا فعلت ذلك؟!".

"ارتأيت أنك بحاجة إليها لذلك ضربتك".

تنهيدة ثقيلة، أخذت الوضع الحالي بجدية، خشية أن يميل بطلي الموعود عن طريقه الصحيح.

"استمع لي جيدًا يا سنو، كما أسلفت الذكر فالمسار الشيطاني سيعطيك القوة.. لكنها قوة ضئيلة لها حدودها، أما المسار الأنسب لك فهو يختلف بشكل جذري.

مسار سيسمح لك بإدراك إمكانياتك الكاملة، ويجعلك تبلغ أقصى حدود موهبتك، هذا المسار يتعلق بشكل مباشر بالكيان الذي منحك سيفك المقدس".

قلت محدقًا به، ما جعله يبدي وجهًا مستغربًا.

"أتتحدث عن لورد الضوء؟".

"هذا صحيح".

أومأت، بينما شرحت له سبب رغبتي بأخذه معي بغارتي المستقبلية.

"أيا كان هذا المسار المزعوم، فأنت على الأرجح ستجده بالجزيرة المقدسة صقلية، فهي المكان الوحيد الذي على الأرجح ستستطيع التفاعل من خلاله مع ذلك الكيان.

حينها فقط ستجد ضالتك وتكتشف كل أسرار جسدك الفوضوي هذا".

قلت متهكمًا مشيرًا له.

"جزء بشري، وجزء شيطاني، وجزء آخر مجهول الأصل.. كيف لا يزال حيًا بحق الجحيم وكل هذه الفوضى بداخلك؟".

بسماعي سخريتي هذه، هو أظهر وجهًا منزعجًا قليلًا مما أبرزه بحياته.

"أنا لم أختر أن أولد هكذا بالمقام الأول، فمنذ أن فتحت عيناي بهذا العالم، وجدت نفسي بمسيم ملعون لا أب ولا أم لي.. لا شيء سوى لعنة تصاحبني".

هو قال، قبل أن يستدير ناحيتي.

"لكن يا فراي، كيف تعرف الكثير عني؟

كيف علمت بأمر دمائي الشيطانية، والجانب الآخر الذي ترفض إخباري عنه؟".

بصراحة، لقد كنت أعلم أنه سيطرح هذا السؤال عاجلًا أم آجلًا.

"لنقل يا سنو.. أنني أنا وأنت نعاني من نفس اللعنة، فأنا الآخر أملك جسدًا ملعونًا أجهل أصله، لذلك أفهم محنتك.. فقد مررت بمثيلتها ولا أزال".

قلت بابتسامة متكلفة.

في تلك اللحظة، لمح كلانا أحد الطيور السوداء العملاقة التي جالت بالسماء.. أكلوا الفوضى الذين راقبوا هذه الحرب بصمت بعيدًا عنا.

"أتعلم يا سنو، بهذا العالم الشاسع.. بجانبنا نحن البشر والشياطين، توجد عديد الأجناس الأخرى.. أجناس لا تُعد ولا تُحصى يعيشون تمامًا كما نفعل نحن".

قلت محدقًا بالسماء، ذاهبًا بعيدًا بما تواجد خلفها.

"من بين تلك الأجناس.. هناك جنس فريد من نوعه.. يسمون بالعظماء".

مستمعًا إلي وكأنني رجل عجوز يروي حكاية خيالية.. أظهر سنو بعض الاهتمام.

"العظماء؟".

"هذا صحيح".

"لكن حقيقتهم مختلفة تمامًا عما يروى عنهم، فكما ترى العظماء ليسوا بأحد الأجناس، بل هي مرتبة.

بكل كوكب، هناك مخلوقات تعيش فيه، وتشكل بنفسها شكلًا من أشكال الحياة.

تُعتبر تلك هي أشكال الحياة الأدنى، والتي تملأ الكون الشاسع.

لكن وبالمقابل، وبكل كوكب، يولد مخلوق واحد بنفس الوقت، يكون بمثابة القوة الحاكمة التي تحافظ على استقرار عالمه، وتجلس بالقمة بالأعلى، كشكل الحياة الأعلى.

وهؤلاء هم العظماء، بحيث أن لكل جنس، عظيم خاص بهم.

قليلون يعلمون هذه الحقيقة الصادمة، فلو عُرفت القوة التي ستعيد تشكيل ميزان القوة، فالعظماء أقوياء جدًا لدرجة مخيفة، ولهم قدرات غير مفهومة تجعلهم بعيدين كل البعد عن أقرانهم.

لدرجة أنهم يعبدون كآلهة لدى البعض".

"آلهة؟

هذا يبدو لي كحكاية خيالية لا صحة لها، فكيف يولد هؤلاء العظماء من الأساس؟".

"سؤال وجيه".

قلت بابتسامة.

"وإجابته بسيطة.. كما ترى.. هم يولدون عن طريق أماني ورغبات بني جنسهم الذي ولدوا ليحكموه.

بمعنى آخر تختلف قدرات وأشكال العظماء من واحد لآخر حسب الأمنية التي يتمناها شعبهم.

فبعض الأمنيات تولد قوة تدميرية تجلب الخراب والدمار، ما يجعل العظيم المعني يملك قوة تخوله إبادة حيوانات لا تُعد ولا تُحصى.

وبعض الأمنيات تكون معاكسة تمامًا لسابقتها، تولد الرخاء والطمأنينة، ما يجعل العظيم يملك قوة تجعله قادرًا على خلق البسمة، وقمع الشرور.

وهناك حالات أخرى لأنواع مختلفة، فمثلًا قد يولد العظيم لتلبية أمنيات جنس كامل، هو قد يولد لتلبية أمنية شخص واحد فقط في بعض الأحيان.

ما يجعل قوة العظماء شاذة تمامًا ولا تتبع أي منطق أو ميزان صحيح..".

سكتت للحظة، مشيرًا لتلك الطيور التي حلقت بالسماء بلا هدف.

"صدق أو لا تصدق، تلك الطيور الغريبة هي أحد أشكال العظماء الذين حدثتك عنهم، ومثال حي على الحالة الأخيرة، فهذا العظيم يتغذى ويعيش على الفوضى.

لهذا السبب سُمي بآكل الفوضى".

"أجد صعوبة بتصديق ما تقول يا فراي، وحتى لو كان كلامك صحيحًا فهذا لا يزيدني سوى ريبة منك، فكيف لك أن تعرف كل هذه الأشياء؟".

"أنا لا ألومك يا صديقي.. وأنا أعدك أنني سأخبرك بكل شيء ذات يوم، فهذا العبء أصبح ثقيلًا جدًا علي".

قلت محدقًا بالسماء.

"أتعلم يا سنو.. كما أسلفت الذكر، العظماء يولدون لتلبية أماني الناس.. لذلك لا يسعني سوى التفكير أحيانًا.. عن ماهية عظيم الأرض.. عظيم البشر الذي لم يحرك ساكنًا حتى عندما تعرض بني جنسه للإبادة".

قلت بوجه خالي من التعابير بينما توسعت أعين سنو.

يبدو أنه لم يتوقع أن للعظيم حتى بالنسبة لي، فأنا لا أستطيع تذكر أي شيء عنه.

"أتساءل.. ما الذي يفعله هذا العظيم.. وأي نوع من الأمنيات تلك التي شكلت وجوده؟".

كان هذا سؤالًا أردت معرفة إجابته حقًا.

مر أسبوع منذ اعلان بلاتير عن عدوانه ضد كل من عائلة ستارلايت وعائلة فاليريون.

جاعلاً من الإمبراطورية بأكملها موطئ قدم له.

أسر عوائل الجنود، جاعلاً جانب الإمبراطورية ينقسم بشدة.

فكثيرون هم الذين حاولوا الغدر برفاقهم من أجل أحبائهم.

نظراً للموقف الحالي، تولى العجوز ايريس صنلايت القيادة.

جاعلاً أفراد عائلة ستارلايت وفاليريون بجانب، وباقي الجنود بجانب آخر.

خطوته هذه قللت من المناوشات التي حدثت بين الطرفين.

لكنه لم يقلل بأي شكل من الأشكال الغضب العارم والحالة النفسية المزرية لجنوده.

فجانب ستارلايت وفاليريون قد كانوا في قمة غضبهم وحقدهم بعدما وصلت إليهم أخبار فناء منازلهم وعوائلهم.

أما الجانب الآخر، فكانوا بغاية التوتر مما قد يصيب أحباءهم في حال تواطؤهم مع أعداء الكنيسة.

بهذه الطريقة، عمت الفوضى المعسكر.

وخسر جانب الإمبراطورية تنظيمه بالكامل.

الأمر ساء بشدة عندما بدأ الجنود يقتلون بعضهم البعض بعدما اشتد الوضع تأزماً.

الرتب العليا تدخلت دوماً من أجل فض النزاع.

لكن ونظراً للأعداد الغزيرة من الجنود الذين تجاوزوا الـ 60 ألفاً، لم يكن هنالك من طريقة للسيطرة عليهم بشكل كامل.

قوات الإمبراطورية لم تسلم من بعضها البعض.

وإذا هاجم الألتراس الآن، فتلك ستكون كارثة بكل المقاييس.

"لا خيار أمامنا سوى التعامل مع الكنيسة بأسرع وقت ممكن".

قال ايريس صنلايت بقلق بينما تحرك رفقة أخيه غال فايرون محاولين السيطرة على الفوضى.

بجانبهم، تجول باقي القادة والأقوياء على مدار الساعة محاولين إبقاء النظام.

على غرار لورد عائلة مونلايت، أو أوليفر خان، وأقوياء عائلة فاليريون مثل آيفار.

جهودهم المشتركة بالكاد أبقتهم متوحدين حتى الآن.

"هذا أشبه بالتدمير الذاتي، إذا استمر هذا الوضع فسنخسر الحرب بأسوأ طريقة ممكنة".

تذمر غال عابساً، غير قادر على احتواء الوضع.

أما ايريس، فحدق هو الآخر بعينه الوحيدة المتبقية بجنوده الذين انقلبوا على بعضهم البعض، والأسى باد عليه.

"سيكون علينا وضع آمالنا بأولئك الثلاثة".

"همف، تضعون آمالكم بثلاثة شبان لا يملكون من الخبرة شيئاً، هل انحدرت الإمبراطورية لهذه الدرجة؟".

غال فايرون بكل وضوح لم يقتنع البتة باستراتيجيته الحالية.

فلو فشل أولئك الثلاثة، ستكون النهاية بالنسبة لهم أيضاً.

"لا تنسى أن الشبان الذي تتحدث عنهم هم وحوش يستطيعون قهر العجائز أمثالنا أنا وأنت بسهولة".

كان ايريس موقناً بذلك، فقتاله ضد فراي لا يزال يغزو عقله لحد الساعة.

"إذا استطاع شخص واحد نسخ فراي ستارلايت أن يحدث ذلك القدر المرعب من الدمار والضرر لهم، فيا ترى .. لأي درجة هو مرعب أن تخوض حرباً ضد الأصلي؟".

أضف إلى ذلك حقيقة أنه لن يخوض المعركة لوحده.

فبجانبه سيقاتل البطل المختار سنو ليونهارت الذي يقال إن مواهبه تتجاوز كازيس فاليريون نفسه.

ثم هناك إيفون أيضاً.

الأمير الذي لم يستطع أحد قط الرؤية من خلاله.

غال فايرون فضل لو تم إرسال أمثال السير آلون ومايكار فاليريون بدلاً من ذلك.

لكن إيريس رأى في الجيل الجديد الفرصة الأكبر، واستعد للمراهنة عليهم.

لكن بمكان ما بقلب ايريس العجوز، نشأ شعور مختلف إزاء ذلك الجيل.

خصوصاً فراي ستارلايت.

قوة مظلمة يجهل أصلها، إمكانيات لا نهائية لا يمكن قياسها.

دوافع غير مفهومة، أشبه بوحش ولد ليخوض الحروب.

"هل ترك وحش كهذا بيننا هو الخيار الأصح؟".

هذا السؤال جال بال ايريس كثيراً.

فمنطقه ينص بأنه ما دام هنالك فائدة تعود على الإمبراطورية من إبقاء ذلك الوحش، فهو لن يعترض.

لكن ومع النمو السريع له، فعاجلاً أم آجلاً، هو سيصبح كياناً لا تستطيع الإمبراطورية السيطرة عليه مطلقاً.

"القتال ضد هذا النوع من الوحوش يخيفني".

هناك خوف نشأ بقلبه.

فمن هذا الذي قد يجليه؟.

ما قام به فراي حتى الآن لم يكن بالسر.

وقد رآه العديد من وجهات نظر مختلفة.

لكن أولئك بالقيادة قد فكروا بالشيء ذاته على الأرجح.

في حال فوز الإمبراطورية، وانتهاء الحرب.

فجميعهم أدركوا أنه سيكون عليهم القيام بشيء ما حياله.

في أسوأ الأحوال، لربما قد يتخلصون منه حتى.

فقوة لا يمكن السيطرة عليها قد تصبح هي سبب هلاكهم.

كانت هذه هي الأفكار التي غزت عقول العجائز والقادة عندما تعلق الأمر بأمثال فراي.

هذا الأخير بعيداً عن المخيم، قد اجتمع رفقة قلة مختارة بعيداً عن مخيم القوات.

بمنطقة مفتوحة استعداداً للانطلاق.

الوقت كان فجراً، والشمس على وشك الطلوع.

"أرى أن الجميع هنا" قال أيغون بابتسامة.

الأمير ارتدى درعاً أسود مميزاً، بنقوش ذهبية لافتة للأنظار.

لم يكن من الصعب معرفة أن ذلك الدرع لم يكن بالعادي.

فعلى ما يبدو، أيغون تسلح بأفضل عتاده هذه المرة.

بجانبه وقف كل من فراي وسنو مرتدين دروع الحرب المعتادة لديهم.

لا شيء مميز.

من حولهم، لم يتواجد سوى أوليفر خان، غوست أومبرا وسانسا فاليريون.

لم يكن هنالك الكثير لقوله الآن، فقد قيل كل ما وجب أن يقال.

"سننتقل آنياً بشكل مباشر للجزيرة المقدسة، أنا أجهل وضع أوريل بلاتيني الحالي، لذلك نحن لا نعلم ما ينتظرنا هناك".

قال فراي، بعدما حاول عدة المرات استعمال منظور اللاعب الثالث على أوريل، لكن كل ما رآه هو الظلام.

"هذا يعني أنها إما فاقدة للوعي، أو أن شيئاً ما يحجبه".

"في أفضل الأحوال، قد نجد أنفسنا أمام بلاتير.. نركل مؤخرته ونعود فوراً.

وفي أسوأ الأحوال قد يكون فخاً.. لا أحد يعلم ما قد تؤول إليه الأمور لذلك استعدوا للقتال فور وصولنا".

حذر فراي، مشيراً إلى أن المعركة ستبدأ في اللحظة التي تطأ فيها أقدامهم الجزيرة المقدسة.

أومأ كل من أيغون وسنو بالوقت ذاته، هما كانا مدركين لهذا القدر على الأقل.

الكل سيكون مسؤولاً عن نفسه، وإذا مات أحدهم فلن يتحمل الآخرون ذلك.

"ملاك الحرب الذي قاتله فراي سابقاً لا يزال موجوداً بمكان ما فوق البحر الشيطاني، بمعنى آخر قد لا تصطدمون به بالضرورة".

قال غوست مستعرضاً آخر المعلومات بين أيديهم.

ملاك الحرب العملاق كان هو الأخطر، لذلك أبقت الإمبراطورية أعينها عليه على الدوام.

"تم رصده مؤخراً يجول بلا هدف فوق مياه البحر الشيطاني، بالقرب من قارة الألتراس.

لهذا لم يكن من المرجح ظهوره بالجزيرة المقدسة التي تقع بعيداً جداً عن ذلك المكان".

"على ما يبدو، الكنيسة تبقيه قريباً في انتظار اللحظة المناسبة للضرب مرة أخرى".

أومأ أوليفر خان متفقاً مع هذا الاستنتاج.

"الكنيسة تملك الأفضلية المطلقة علينا حالياً، هم لن يهاجموا إلا في حال نشوب صراع آخر بيننا وبين الألتراس، أو الانهيار التام لجيشنا".

من حيث الأضرار والخسائر، كانت الإمبراطورية في الحالة الأسوأ بشكل واضح.

فالألتراس تحملوا الهجوم بشكل أفضل بكثير منهم.

"في حال ما تحرك الملاك ضدنا فسنحاربه بما لدينا هنا، لذلك ركزوا على المهمة أمامكم، ولا تبالغوا".

قال أوليفر موجهاً نظره نحو شخص معين.

"كلامي موجه لك يا فراي، إذا رأيت بأنكم لا تستطيعون الفوز، فتراجع فوراً".

كلمات أوليفر الأخيرة لم تكن كلمات قائد عسكري، بل صديق أظهر جزءاً من مشاعره، غير راغب برؤية فراي ميتاً.

ويمكن القول أن سانسا جزء كبير من رغبته هذه.

فهو يعلم ما يعنيه فراي لها.

هذا الأخير أومأ له مبتسماً.

"لا داعي للقلق فكما ترى، أنا هو الأقوى بينكم".

"سنفوز بكل تأكيد، لهذا فلتصمدوا حتى ذلك الحين، فلا رغبة لي أن أعود منتصراً لأجد الرماد".

المعركة بالجزيرة المقدسة كانت مهمة جداً.

ولن يكون من المبالغة أن مصير الحرب بأكملها يعتمد على النتيجة هناك.

مدركين لحجم هذه المسؤولية.. استعد فراي ومن معه للذهاب.

لكن قبل الانتقال الآني، تبادل فراي وسانسا نظرة مختصرة.

لم يكن هنالك أي كلمات، فقط صمت طويل.

بعد الأحداث الأخيرة، عاد جزء من سانسا القديمة ليطفوا فوق السطح.

سانسا البشرية.

وكل هذا بفضل أوليفر خان الذي أصلحت علاقتها معه أخيراً.

لربما هي لم تتوقع حدوث ذلك، وربما بمكان ما بداخل قلبها.

ظنت أن شيطاناً قذراً لن يجد طريقه مطلقاً لقلب بشري آخر، ما عدا فراي المختل الذي أحب اللعب مع الوحوش.

لكن الواقع كان مغايراً.

بمعنى آخر، فراي ستارلايت لم يعد الشخص الوحيد الذي تعيش من أجله سانسا بعد الآن.

لو مات، فلا يزال لديها مكان آخر تعود إليه.

هذا الأمر لم يفت فراي مطلقاً، فهو أدركه بنظرة واحدة.

الآن لم يعد هنالك سبب ليجرها معه نحو الموت.

لم يعد هنالك من داعي ليموتا معاً، لذلك هو سارع بإبعادها عنه.

وعدم أخذها معه الآن هو خير دليل.

سانسا كانت في الفئة SS+.

حتى لو امتلكت الكنيسة القوة المضادة لها، فهي تستطيع القتال والنجاة هناك بسهولة على غرارهم.

لكنه اختار إبعادها عن عمد، لأنه أرادها أن تجد سبباً للحياة بعيداً عنه.

"لا يوجد شخص بهذا العالم يستحق السير بهذا المسار المظلم معي، فهو عقابي وحدي، ومصيري الخاص.

لذلك يا سانسا.. فالتجدي طريقك الخاص.. بعيداً عن ظلامي".

مبتسماً لها مرة أخيرة، توهج جسد فراي بينما وضع يديه على أكتاف كل من سنو وأيغون استعداداً لبدء عملية النقل الآني.

"أراك لاحقاً، أيها المخدر حلو المذاق الخاص بي".

رغم أن هذه الكلمات لم تخرج من فمه، إلا أن سانسا تمكنت من فهمها جميعاً بنظرة على وجهه.

هي مدت يدها له دون وعي منها، بينما انفتح فمها ما دل على رغبتها بقول شيء ما.. لكن لم يخرج شيء بالنهاية.

صحيح أنها أحبته، وهذا لم يكن خطأ.

لكن العلاقة التي بنتها معه، العلاقة التي يستند فيها كلاهما على الآخر.. قد انهارت بسهولة شديدة.

وعلى عكسها، فراي كان يعلم أن هذا سيحدث عاجلاً أم آجلاً.

هو فقط كان حاضراً من أجلها عندما لم تجد أحداً.

والآن بعدما حصلت على سبب آخر لمواصلة المضي.. انسحب بهدوء وخفة.

دون ضوضاء، ودون إزعاج.. فقط مهد الطريق، وذهب بعيداً.

سانسا كانت على دراية بهذا، لكنها وصلت للاستنتاج متأخرة.

والآن ذهب فراي من أمامها ولم تستطع قول كلمة له.. لأن كل ما سبق كان صحيحاً.

تغلغلت مشاعر معقدة داخل صدر سانسا، غير قادرة على تعريف علاقتها الهشة مع فراي ستارلايت.

هذا الأخير لم يكن عادلاً مطلقاً، فهو لم يترك لها المجال لفعل شيء، سوى النظر من بعيد.

بهذه الطريقة، اختفى فراي ستارلايت ومن معه.

ولم يترك سواهم هم بهذا الجانب من العالم.

بذلك الوقت، لم يدرك أحد حجم الكارثة التي كانت على وشك الحدوث بالجزيرة المقدسة صقلية.

كارثة ستغير كل شيء.

عملية النقل الآني قد تمت بسرعة كبيرة.

وما هي سوى ثوانٍ معدودة ليمحو فراي ومن معه المسافة.

بالغين الجانب الآخر من العالم هناك حصص تواجدت الجزيرة المقدسة صقلية.

الثلاثي ظهروا فوق تلك الأرض المزدهرة ساحبين سيوفهم مستعدين للقتال على الفور.

فهم جاءوا واضعين ببالهم عشرات السيناريوهات.

لكن وعلى عكس توقعاتهم، المكان الذي نزل به فراي ومن معه.. قد كان فارغاً تماماً.

محدقين بالمساحة من حولهم، عم الصمت بينهم لبعض الوقت.

أرض عشبية غنية بالخيرات، أشجار مورقة ومزدهرة.. وأورا نظيفة ومنعشة.

هواء نقي، وأجواء كانت غريبة لهم هم الذين أمضوا الشهر الماضي بأكمله يقاتلون بقارة الألتراس الميتة.

الجزيرة المقدسة بدت مثل الجنة مقارنة بالمكان الملعون الذي أتوا منه.

خصوصاً ذلك الشلال العظيم الذي نزل من السماء، مغذياً إياها باستمرار.

متفقداً محيطه، فراي عبس تلقائياً.

"لا أرى أوريل بأي مكان".

أطلق هالته لأقصى حدودها، شكل فراي قبة سماوية عملاقة من حول نفسه على مسافة كبيرة قدرت بالأميال.

لكن حواسه المتطورة لم تلتقط أي شيء.

"ما الذي يجري هنا بحق الجحيم؟".

هم جاءوا مستعدين للقتال، فإذا بهم لا يجدون شيئاً سوى القفار.

"وكأن الحديقة قد تم هجرها تماماً" قال أيغون متفقداً المكان من حوله.

"تغيير مقرهم قد يكون خطوة ذكية منهم، رغم أنني لا أعتقد أن هذه هي الحكاية هنا".

محدقاً بالشلال العظيم من بعيد، وكل تلك الآثار العظيمة لديانة عمرت فوق هذه الأرض منذ القدم.

أيغون استبعد فكرة أن يكون قادة الكنيسة قد غيروا مكانهم.

"إنهم هنا بكل تأكيد" قال فراي مشدداً.

"قدرة النقل الآني أحضرتني لهذا المكان، هذا يعني أن أوريل هنا لكن قوة من نوع ما تمنعني من بلوغها بشكل مباشر".

يمكن تفسير الوضع بهذه الطريقة، فالمنطق نفسه ينطبق على أتباع الكنيسة مثلما ينطبق على أوريل.

"هم يخفون أنفسهم بطريقة ما".

"سيكون علينا إذاً المضي واكتشاف مآربهم" قال سنو، ساحباً سيف الفيرميور الذي توهج بشكل أكبر من السابق.

"لقد كنت هنا عدة مرات بالماضي، لكنني لم أرتح يوماً لهذا المكان.. لطالما شعرت بأن هناك المزيد مما لا تراه العين".

شاقين طريقهم للأمام، اندفع الثلاثة بسرعة كبيرة وهالاتهم تغطي أجسادهم.

"بما أننا متأكدون من أنهم هنا، فلابد من وجود سر لهذا المكان" قال أيغون، مستكشفاً محيطه بينما أومأ فراي.

"وذلك السر هو ما سنكتشفه".

خطوة تلو الأخرى، بلغ فراي ومن معه أحد الأضرحة الرئيسية للكنيسة.. مكان قديم يتعبد فيه الناس.

كان هنالك الكثير من المباني الرخامية العتيقة، التي بنيت بعناية تامة.

يمكن القول أن المكان كان سماوياً تماماً.

لكن وبمجرد أن خطت أقدامهم إياه، تجمد فراي ومن معه منذهلين من مشهد معين أخذ أنظارهم بعيداً.

فوق درج رخامي امتد للأعلى، تواجدت منصة معينة أطلت على سائر الجزيرة.

فوق أعتاب درجها.. سالت دماء حمراء قرمزية تخثرت وتعفنت تماماً بعدما مرت الأيام بسرعة تاركة إياها تجف ببطء.

أما مصدر الدم، فكان هو الزمان الذي خطف إليه أنظار فراي ومن معه.

"هاها! هلا نظرت إلى هذا؟" قال أيغون ضاحكاً وساخراً.

"في النهاية، ما أتباع الكنيسة أولئك الذين يدعون النقاء والقداسة سوى مجانين لا يختلفون عن الألتراس بشيء".

بدا الأمير مستمتعاً، لكن فراي وسنو لم يظهرا شيئاً سوى العبوس.

بقمة تلك المنصة العالية، انتصبت 9 رماح شاهقة نحو السماء، اتخذت جميعها شكل صليب.

فوق كل واحد منها، صُلبت فتيات تعيسات الحظ.

بينما تم قطع أجساد كل واحدة منهن تاركين دماءهن تتسرب دون توقف.

أيغون تعرف على جميعهن بالفعل.

"8 منهن هن مرشحات القديسة اللواتي قيل إنهن يملكن الفرصة للارتقاء لمنصب القديسة".

بصفته الأمير، هو تعرف عليهن بالفعل.

أما الفتاة التاسعة.. فكانت لغزاً لثلاثتهم.

الصليب الذي وضعت به كان الأكبر بين أقرانه، وجلدها بدا مرتهلاً ومنكمشاً وكأنها سيدة عجوز بلغت من العمر عتياً.

شعرها كان أشقر، وعيناها الميتة المفتوحة على مصراعيها قد كانت حمراء داكنة.

هي بدت مختلفة، لكن ملامحها كانت لا تزال نفسها.

"القديسة يوراشا.." قال سنو بدون وعي منه.

بما أنه كان أكثرهم مجالسة لها، فحضورها أصبح محفوراً داخل ذاكرته.

لكن ها هي ذي أمامه.. مصلوبة وميتة، بينما تركت جثتها لتتعفن.

"ما الذي حدث هنا بحق الجحيم؟! ولماذا تبدو القديسة هكذا؟!" صرخ سنو بغضب.

مرسلاً موجة من الأورا التي حطمت الصلبان، وأسقطت الفتيات من السماء الواحدة تلو الأخرى.

سنو التقطهم جميعاً بعدما تلاعب بأورا الرياح.

لكن لم يكن هنالك من فائدة، فهن كن جميعاً أمواتاً.

خصوصاً يوراشا.

هذه الأخيرة لم تكن سوى شابة لم تبلغ الثلاثين من عمرها.

"هي ليست مثل كارمن التي تخفي عمرها.. فيوراشا كانت شابة بمقتبل العمر حقاً.." قال فراي معاين جثتها.

يفترض بها أن تكون مقاتلة في الفئة SS+.. بقوة حياة لا تنضب.

يفترض أنها تستطيع العيش لوقت طويل جداً قبل أن يفنى جسدها.

لكن ها هي الآن أمامه ميتة.. وجثتها توحي وكأنها عجوز بأواخر حياتها.

"يبدو أن طقوساً ملعونة قد أقيمت بهذا المكان".

قال أيغون غير قادر على إخفاء ابتسامته المريضة بينما عاين المنطقة من حولهم.

فقد نقشت ووضعت رموز دموية غريبة بعدة أماكن متفرقة من الضريح.

وكأن طقوس استدعاء شيطانية قد تمت بذلك المكان.

"أيفترض بهذه أن تكون الجنة فوق الأرض التي تحدثوا عنها؟" بسخرية قال أيغون، بينما بدا الغضب واضحاً على سنو.

أما فراي، فبعينيه مسح المكان مراراً وتكراراً.. عن شخص معين.. لكنها لم تكن موجودة ما جلب بعض الارتياح لقلبه.

"هذه ليست بالمزحة يا أيغون، نحن تأكدنا للتو بخسارتنا لمحارب آخر من الفئة SS+..".

قال سنو، غير قادر على إخفاء الغليان داخل قلبه.

كلامه كان صحيحاً، فالمحاربون الذين يبلغون الفئة SS+ قد كانوا قلة قلائل لا يعددون على الأصابع.

"حسناً.. لا ضمان أنها كانت بصفنا على أي حال، لذلك قد لا تكون خسارة كاملة".

قال أيغون غير مبالي بموت القديسة، فهي كانت تابعة للكنيسة وقد فكر بها كعدو منذ البداية.

سنو من جهة أخرى لم يعجبه ما سمعه، وكان على وشك الرد.

لكن فراي قاطعهم على الفور.

"لا وقت للجدال، سلحا نفسيكما." هو قال بجدية ساحباً سيوفه.

"هم هنا".

تزامناً مع كلماته الأخيرة المشؤومة هذه.. سقط ضغط غزير من الأورا فوق أكتافهم.

بينما انفتحت السماء من فوق رؤوسهم كاشفة عن أسراب الملائكة التي نزلت الواحدة تلو الأخرى محيطة بهم.

أعدادهم كانت كبيرة جداً، لدرجة أنهم بدوا مثل الذباب.

مستعدين للقتال، ترك الثلاثة جثث القديسات بعيداً بينما تقدموا للأمام.

"المعركة تبدأ الآن، يا سنو.. إذا ما شعرت بالغضب مما رأيته فهذه هي فرصتك" مظهراً ابتسامة متعطشة للدماء.

جسد فراي توهج بقوة.

"لا رحمة! مزقوهم جميعاً حتى آخر واحد فيهم!" قال فراي مطلقاً صرخة حرب هادرة.

بينما اندفع الثلاثة نحو السماء.. معلنين بدء المعركة.

2025/09/01 · 175 مشاهدة · 3531 كلمة
Song
نادي الروايات - 2025